الجزائر العاصمة تتصدر القائمة!
اسماعيل الحلوتي
في خبر تناقلته العديد من المنابر الإعلامية خلال نهاية الأسبوع ما قبل الأخير من شهر يونيو 2023 حول أفضل وأسوأ مدن العالم للعيش عام 2023، حيث خلت قائمة أفضل عشر مدن للعيش في العالم برسم سنة 2023 من أي مدينة عربية، فيما ضمت قائمة المدن الأسوأ وغير الصالحة للعيش ثلاث مدن عربية، وهي عواصم الجزائر وليبيا وسوريا.
وقد يتفهم الملاحظون الدوليون والخبراء أن تحل كل من العاصمة الليبية طرابلس ومعها العاصمة السورية دمشق، ضمن أسوأ 10 مدن “صالحة للعيش”، وفق ما ورد في مؤشر ملاءمة العيش العالمي لعام 2023، الصادر عن وحدة الاستخبارات الاقتصادية. وذلك بسبب ما تعرفه الأولى من اضطرابات اجتماعية وعمليات إرهابية، ولكون الثانية تعتبر على الدوام واحدة من أسوأ المدن، ولاسيما في ظل ما تشهده بلداهما من صراع حول الاستيلاء على السلطة منذ اندلاع ثورات ما سمي ب”الربيع العربي”.
بيد أن الغريب في الأمر الذي لا يمكن لأي كان تفهمه، هو أن تتصدر الجزائر العاصمة قائمة أسوأ المدن “الصالحة للعيش” عوض أن تكون أفضلها. ويكمن وجه الغرابة هنا في أن الجزائر تعد أكبر بلد في القارة الإفريقية ومن بين أكثرها ثراء لما تزخر به من موارد طبيعية هائلة، تمكنها من أن تصبح فعلا “قوة ضاربة” لو أنه تم الاستغلال الجيد والأمثل لهذه الثروات المتنوعة والثمينة. وخاصة أنها وكما تشير إلى ذلك التقديرات المتوفرة، تملك 340.1 مليون طن من النفط، وتبلغ صادراتها اليومية منه 937 ألف برميل، منها 677 ألف برميل من النفط الخام و80 ألف برميل من النفط الخفيف و180 ألف برميل من النفط السائل، بالإضافة إلى أن هناك احتياطات وفيرة من الغاز الطبيعي تقدر بنحو 2368 متر مكعب، وتمثل عائدات المحروقات (نفط وغاز) 93 في المائة من إيرادات الجزائر من النقد الأجنبي وفق بيانات حكومية رسمية…
هذا دون الحديث عن نصيب هذا “البلد القارة” من احتياطي الذهب والفوسفاط واليورانيوم واستحواذه على 8,5 مليون هكتار للزراعة وغير ذلك من الموارد الطبيعية الهائلة التي يتمتع بها، والقادرة على أن تجعل منه بلدا رائدا وقوة اقتصادية، فأين تذهب كل هذه العائدات والثروات؟ ذلكم هو السؤال الحارق الذي طالما ردده المواطنون الجزائريون بامتعاض وحسرة شديدين، وهم يصطفون في طوابير لساعات طويلة أمام المتاجر وداخل الأسواق من أجل الظفر ببعض المواد الغذائية…
ففي الوقت الذي كان يمكن فيه قيام صناع القرار خلال السنوات الفارطة بتحويل الجزائر إلى واحدة من أكثر البلدان نموا وازدهارا، وأقدر دول المنطقة على استقطاب الاستثمارات الأجنبية، فضل النظام العسكري المستبد الانشغال بقضايا خاسرة ضد المغرب، وأضاع بالتالي على بلاده الفرصة في تجاوز بلدان الخليج، من حيث الثراء والعمران والصناعة والسياحة، والتفوق على دول جنوب شرق آسيا التي استطاعت قطع خطوات اقتصادية عملاقة في ظرف سنوات قليلة رغم مواردها المحدودة، وفي المقدمة دول هونغ كونغ وماليزيا وسنغافورة وكوريا الجنوبية وتايوان، وكذا في جعل دخل المواطن الجزائري يتجاوز نظيره في باقي بلدان النفط، بما يضمن له العيش الكريم في مختلف مناطق البلاد.
كيف لا والجزائر تتمتع كما سلف الذكر بثروات نفطية نادرا ما تتوفر لدول عربية أخرى بما فيها بلدان الخليج نفسها؟ فلها احتياطي من النفط يفوق احتياطات دول خليجية ويقدر بحوالي 4 مليارات طن، وتحتل المركز السابع عربيا في احتياطي النفط الخام المؤكد، وتعد واحدة من أكبر الدول المنتجة والمصدرة للغاز، حيث أنها تمتلك واحدا من أكبر احتياطات الغاز في العالم بما يعادل 30 ألف مليار متر مكعب، علاوة على احتياطات أخرى من الطاقة لمدة تزيد عن خمسين سنة. وبسبب الثروة النفطية وحدها تجمعت لديها مع مر السنين ثروات نقدية ضخمة، كانت كافية للنهوض بالبنيات التحتية وتطوير شبكات الطرق والجسور والكهرباء والمياه والصرف الصحي، والتأسيس لقاعدة صناعية متنوعة من شأنها خلق فرص شغل مناسبة والقضاء على البطالة المتفشية بين الشباب، وسد حاجيات الأسواق من السلع الغذائية وسواها.
لكن كابرانات العسكر في قصر المرادية أبوا إلا أن يتمادوا في نهب وتبديد تلك المليارات من الدولارات وغيرها من الثروات في مصالحهم الشخصية ودعم ميليشيات البوليساريو الانفصالية، حيث تشير المعطيات المتوفرة إلى أن هذا الدعم السخي في اتجاه معاكسة المغرب في وحدته الترابية ومحاولة ضرب استقراره، يستنزف ما لا يقل عن 30 مليون دولار يوميا منذ افتعال النزاع حول الصحراء المغربية في عام 1976، فضلا عن استشراء الفساد داخل المؤسسات الحكومية والعسكرية، ولا أدل على ذلك سوى سيطرة الكابرانات على المشهد الاقتصادي والمشروعات الوهمية الكبرى، تاركين الشعب الجزائري غارقا في مستنقعات الجوع والفقر والبطالة والأمراض…