لا للإساءة إلى النشيد الوطني!
اسماعيل الحلوتي
وحدهم الأشخاص المتهورون والمتنكرون لفضائل الوطني الذي يحتضنهم ويمنحهم الكثير من الدفء والأمن والاستقرار ويغدق عليهم بعديد الخيرات دون انتظار المقابل منهم، هم من يقدمون بلا أدنى تردد أو حياء على خيانته والإساءة إلى رموزه، ومنها النشيد الوطني الذي يرمز إلى تاريخ وتقاليد الأمة، وهو عبارة عن مقطوعة شعرية مرفوقة بلحن موسيقي، لا يستغرق إلقاؤه أكثر من دقيقة في أجواء من الاحترام. يبث الحماس في النفوس، يعزز حب الوطن والاعتزاز بالانتماء إليه، ولاسيما عندما يتم عزفه في المؤسسات التعليمية وخلال الملتقيات الرياضية الوطنية والدولية الكبرى، عند بداية المنافسات بين الفرق والمنتخبات وأثناء توزيع الميداليات.
وجدير بالذكر أن قصة النشيد الوطني المغربي الذي يطلق عليه أيضا النشيد الشريف، تعود إلى فترة ما بعد استقلال المغرب والانعتاق من ربقة المستعمر الفرنسي والخروج من عهد الحماية في سنة 1956، حيث كان إذاك مجرد لحن موسيقي فقط من غير كلمات. واستمر كذلك إلى حين تمكن المنتخب الوطني المغربي لكرة القدم من التأهل إلى فعاليات كأس العالم في المكسيك سنة 1970، حيث كانت مباريات كرة القدم تعد المحفل الرياضي الأكبر الذي يتم من خلال إلقاء الأناشيد الوطنية للمنتخبات المشاركة من أجل إثارة حماس اللاعبين وتحفيزهم، مما جعل الملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله يصدر حينها أمره للكاتب والمؤلف علي الصقلي الحسيني بكتابة كلمات تنسجم مع اللحن الموسيقي الموجود من قبل، ليرددها اللاعبون بالمكسيك وما بعده كلما تم عزف النشيد الوطني.
بيد أنه وفي واقعة غير محسوبة العواقب وخلال المقابلة التي جمعت يوم السبت 15 يوليوز 2023 بالمركب الرياضي الأمير مولاي عبد الله بالرباط بين فريقي نهضة بركان ونادي الرجاء الرياضي البيضاوي برسم نهائي كأس العرش (2022/2021)، التي انتهت لفائدة النادي البركاني بحصة (1/0)، أبى بعض المتهورين من المدسوسين وسط الجماهير الرياضية التي حضرت بأعداد غفيرة وخاصة من مساندي الرجاء البيضاوي، إلا أن يطلقوا صافرات الاستهجان إبان عزف النشيد الوطني قبيل إطلاق الحكم صافرة بداية المباراة، فضلا عما عرفته نهاية المقابلة من أحداث شغب ورشق بالحجارة داخل وخارج الملعب، مما ترتب عنها من خسائر مادية فادحة…
وهو الحدث اللارياضي الذي أثار سخطا عارما وموجة من ردود الأفعال الغاضبة ليس فقط بالنسبة للجماهير الرياضية، بل كذلك حتى الجهات العليا في البلاد ولدى باقي المواطنات والمواطنين المغاربة، حيث تعالت أصوات الاستنكار والتنديد بمثل هذه الممارسات الهجينة والسلوك الأرعن وغير المسؤول، الذي لا يمت بأي صلة بالروح الوطنية الصادقة والأخلاق الرياضية النبيلة. وقد سارع المكتب المسير لنادي الرجاء الرياضي البيضاوي إلى التنديد بتلك الأحداث التي وصفها ب”اللامسؤولة”، مؤكدا أنها صدرت بلا شك عن أشخاص مدسوسين وسط الجماهير، معلنا عن بعده عما يمكن أن ينسب إليه من أفعال منافية للقانون أو لأخلاق وقيم الرياضة، وعن تبرئه التام من سلوك التصفير أثناء عزف النشيد الذي يعد من بين أبرز رموز الوطن إلى جانب علم المغرب وشعاره “الله الوطن الملك” وكذا عملة المغرب، كما لم يفته التعبير ضمن بلاغ له عن أسفه الشديد لتلك التصرفات الرعناء، وحرصه الشديد على احترام القانون.
وبالنظر إلى خطورة الأمر، فإنه تم توقيف العشرات من الجماهير المحسوبة عل نادي الرجاء، وخاصة منهم أولئك الذين صرحوا بكون رئيس النادي محمد بودريقة طلب منهم التوجه بكثافة إلى مجمع الأمير مولاي عبد الله، وهناك أمام بواباته سيحصلون بالمجان على تذاكر الدخول إلى الملعب بدون مشاكل، من غير أن يتحقق لهم ذلك، وهو ما وضعه في ورطة حقيقية وأدى إلى استدعائه من قبل الأجهزة الأمنية، التي فتحت معه تحقيقا شمل مجموعة من التهم الخطيرة التي تتعلق بالإخلال بالأمن العام، على خلفية الشكاية التي تقدم به الوالي على جهة الرباط- سلا- القنيطرة محمد اليعقوبي.
إننا نرفض بقوة أن يلجأ بعض المعتوهين والمنحرفين إلى تفجير غلهم وغيظهم على الوطن ورموزه، وندعو في الوقت ذاته السلطات المعنية إلى ضرورة التعجيل بفتح تحقيق عميق، قصد الوقوف على حيثيات هذه الجريمة النكراء في حق الوطن وأبنائه، والعمل على ترتيب الجزاءات الكفيلة بردع كل من ثبت تورطه من قريب أو بعيد، حتى يكون عبرة لكل من تسول له نفسه مستقبلا التطاول على النشيد الوطني وغيره من الرموز والمقدسات، أو العبث بالممتلكات الخاصة والعامة والاعتداء على المواطنين الأبرياء.