السيد جبريل الرجوب، هل أنطقتك جهالتك أم ضحالة تفكيرك أم بريق الدولار؟
محمد إنفي
المهم أنك نطقت، ويا لتك لم تفعل!! وما دمت قد فعلت، وأعطيت لنفسك الحق في الخروج عن النص دعما للانفصال ولأعداء الوحدة الترابية المغربية، فمن واجبنا أن نرد التحية بأحسن منها. لكننا محتارون في الصفة التي يجب أن نخاطبك بها. فهل نخاطبك بصفة الوزير (وزير الشبيبة والرياضة في الحكومة الفلسطينية)؟ أم بصفة الرئيس (رئيس اللجنة الأولمبية الفلسطينية)؟ أم بصفة الأمين (أمين سر حركة فتح)؟ أم نخاطبك بكل هذه الصفات مجتمعة، لعلنا نجد لك في إحداها مبررا يُخفِّف من وقع سقطتك المدوية، سياسيا ومهنيا وأخلاقيا، فنلمس لك فيه عذرا ما؟
القناة التلفزيونية الجزائرية التي أجرت معك حوارا بمناسبة وجودك بالجزائر مع بعثة فلسطين بالألعاب العربية المقامة بالجزائر من 5 إلى 15 يوليوز الجاري (2023)، ما كانت لتقوم بتلك الخطوة، لو لم يكن الهدف منها – حسب الخط التحريري المرسوم للإعلام الجزائري – هو الإساءة إلى المغرب والنيل من وحدته الترابية (ولا نعتقد أنك تجهل تاريخ الصراع بين البلدين الجارين وطبيعته). وقد وجدت فيك القناة المذكورة ضالتها وحققت من خلالك هدفها؛ ألا وهو الترويج لأطروحة الانفصال الذي سخرت له الجزائر كل إمكانياتها المادية والعسكرية والديبلوماسية لدرجة أن الشعب الجزائري أصبح على حافة الفقر؛ بل يوجد بالفعل تحت خط الفقر، كما يشهد على ذلك التدافع في الطوابير من أجل الحصول على شيء قليل من المواد الغذائية الأساسية بسبب الندرة؛ وهو وضع لا يعرفه الشعب الفلسطيني الذي يعيش تحت الاحتلال.
وما يبعث على الاستغراب، هو ترويجك لأطروحة الانفصال في وقت ذبلت فيه هذه الأطروحة وأفل نجمها وأصبحت قاب قوسين أو أدنى من الاضمحلال والاندثار. فهل هو الجهل أم قصر النظر أم الغباء أم أن بريق الدولار قد جعل لسانك يطول أكثر من اللازم، فأطلقت له العنان ليتطاول على المغرب، دولة وشعبا دون أي اعتبار للعلاقة التاريخية بين المغرب وفلسطين؟ لقد أدليت بتصريحات مستفزة لمشاعر المغاربة؛ مما جعلها تنتشر بسرعة كالنار في الهشيم، وأدت إلى ردود فعل سنأتي على ذكرها بعد حين.
واعتبارا لصفاتك التي ذكرناها في الفقرة الأولي، فإنك أيها السيد تتحمل، إلى جانب مهمة رئيس اللجنة الأولمبية الفلسطينية، مسؤوليات سياسية ثقيلة؛ مما يعطي لتصريحاتك أهمية خاصة؛ ذلك أن كل كلمة تتلفظ بها، سواء كانت ذات حمولة إيجابية أو سلبية، فهي محسوبة لك أو عليك، ولا بد لها من أن تمر من مصفاة دقيقة وتوضع، في النهاية، في ميزان أكثر دقة من ميزان الذهب. فأنت لست مواطنا فلسطينيا عاديا حتى نتغاضى عن أقوالك؛ بل أنت ممثل للدولة الفلسطينية وللشعب الفلسطيني. فما تطلقه من كلام غير محسوب وغير مسؤول، لا شك أنه سيترك أثرا سلبيا في الوجدان المغربي المتعلق بفلسطين، لا فرق في ذلك بين الدولة والمجتمع. فالمغرب، الرسمي والشعبي على حد سواء، لا يتاجر بالقضية الفلسطينية، كما يفعل بعض أبنائها مع الأسف، ولا يستغلها لتحقيق مكاسب سياسية ظرفية، كما دأبت الجزائر، مثلا، على فعل ذلك.
السيد الوزير، يبدو، من خلال تصريحاتك، أنك لا تقدر المسؤوليات التي أسندت إليك، حيث بدوت في حوارك كأنك نسخة من عبد المجيد تبون، رئيس حظيرة الكبار، الذي يطلق الكلام على عوانه دون استحضار تبعات ما يفوه به (ولنا في حواراته مع الإعلام أو في خطبه الرسمية ما يكفي من الأمثلة). فهل هي عدوى الغباء الجزائري (أنظر مقالا لنا بعنوان “تحذير من العدوى بالغباء الجزائري”، موقع “أخبارنا” بتاريخ 24 أبريل 2023) التي أصابتك أم هو مفعول بريق الدولار الذي جمَّد لديك ملكات التمييز بين ما يجب أن يقال وما لا يجب؟ فباعتبارك رئيسا للجنة الأولمبية الفلسطينية، يحرم عليك الخوض فيما هو غير رياضي طبقا للمواثيق الأولمبية. لكنك ضربت بهذه المواثيق عرض الحائط بكل صفاقة ووقاحة، رغم أن وجودك بالجزائر، هو بصفتك رئيسا للجنة الأولمبية الفلسطينية.
وقد ذكرتنا تصريحاتك حول الصحراء المغربية، بحفيد “نلسون مانديلا” الذي استدعته الجزائر لإلقاء خطاب مستفز للمغرب في افتتاح بطولة “الشأن”، التي احتضنتها السنة الماضية؛ وحديثك عن الاستفتاء في صحرائنا لا يقل عبثا وغباء وخبثا وعداء للمغرب عن الدعوة إلى الحرب التي أطلقها “مانديلا”، الحفيد الفاسد، من الملعب الذي يحمل اسم جده. وحسب ما هو متداول في مواقع التواصل الاجتماعي، فقد حصلت مقابل هذه التصريحات على نفس المبلغ الذي قدم لهذا المرتزق الجنوب أفريقي. وفي هذا جواب واضح على العنصر الثالث من عناصر السؤال الوارد في عنوان هذا المقال أو الرسالة المفتوحة، ردا على تصريحاتك المستفزة.
وتزداد خطورة هذه التصريحات، السيد الرجوب، لكونك أمين سر حركة فتح وعضو بالحكومة الفلسطينية؛ وهو ما يعطي لها طابعا رسميا ويجعل منها معولا لهدم العلاقة التاريخية والوجدانية بين المجتمع المغربي بكل مؤسساته وفلسطين. لقد تعمدت الإضرار بهذه العلاقة حين اخترت الاصطفاف إلى جانب النظام العسكري الجزائري الذي يعادي الوحدة الترابية للمغاربة منذ خمسة عقود؛ بل إنك ذهبت بعيدا في جهلك وجهالتك، لما جعلت الجزائر شريكا لنا في صحرائنا، مقترحا حلا أغبى من الغباء؛ ألا وهو اللجوء إلى الاستفتاء لحسم الخلاف وتحديد ما إن كانت الصحراء مغربية أم جزائرية. ولا نجد لهذا الانزياح على الخط والتطرف في الموقف من مبرر غير بريق الدولار، كما أوضحنا ذلك في الفقرة السابقة. وقد تكون رائحته قد زادت من مفعول البريق، فغيباك عن وعيك.
إلى جانب كل هذا، فقد كشفت عن جهلك وضحالة تفكيرك، حين تحدثت عن حسم أمر الصراع حول الصحراء بالاستفاء؛ بينما الأمم المتحدة قد ألغته منذ سنة 1994 بسبب استحالة تنظيمه. ثم ألا تعلم، أيها الجاهل، أن المغرب قد حسم أمر الصحراء التي كانت مستعمرة من قبل إسبانيا، بالمسيرة الخضراء التي دعا إليها الملك الحسن الثاني سنة 1975، بعد الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية، الذي أقر بوجود روابط البيعة بين القبائل الصحراوية وملوك المغرب؟ وقد عُزِّز هذا الحسم باتفاق مدريد في نفس السنة؛ وهو اتفاق ثلاثي بين إسبانيا والمغرب وموريتانيا. وهل تجهل المنعطف الكبير الذي مثله مقترح الحكم الذاتي المقدم من طرف المغرب سنة 2007، والذي أصبح مرجعا لكل قرارات مجلس الأمن منذ ذلك الحين؟ فإن كنت تجهل كل هذا، فتلك فضيحة كبرى لأنك لست مواطنا عاديا؛ بل مسؤول سياسي مفروض فيك الاطلاع على المستجدات السياسية ومتابعة القضايا الشائكة حتى تستثمر ذلك في الدفاع عن قضيتك بالعقل والمنطق، وليس بالشعارات الرنانة والزعاق العاطفي. أما إن كنت تتجاهل كل التطورات التي عرفتها قضيتنا الوطنية وتتجاهل الوضع على الأرض، اقتصاديا واجتماعيا وعمرانيا وديبلوماسيا (تزايد عدد القنصليات في العيون والداخلة)، فهو الدليل على أن أخلاقك في الحضيض، سواء تعلق الأمر ببريق الدولار أو بمجاملة النظام العسكري الجزائري الفاشل الذي أصبح يعيش عزلة على كل المستويات، ويتمسك بكل قشة مهما كانت هشة، وأنت من هذه القشات الهشة؛ ولا يفعل ذلك إلا لإلهاء الشعب الجزائري عن مشاكله الحقيقية المتمثلة في هذا النظام الأرعن الذي يبدد ثروات هذا الشعب فيما لا يعنيه.
إن حديثك، السيد الوزير، عن الاستفتاء في الصحراء المغربية، أتى خارج النص وخارج السياق؛ إنه يفضحك ويفضح جهلك المركب. ونعتقد أن من واجب السلطة الفلسطينية والشعب الفلسطيني أن يعلموا أن تصريحاتك، أيها الرجوب، قد أثارت ردود فعل قوية وغاضبة جدا لما فيها من إساءة للشعب المغربي واستفزاز لمشاعره ومساس بحقه في أرضه. فالرأي العام بكل أطيافه استنكر ما صرحت به ضد الوحدة الترابية المغربية. وعلى سبيل المثال لا الحصر، نذكر التنديد الذي حمله الرد الذي قامت به “الجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني”؛ وهي من أقدم الجمعيات وأنشطها في الدفاع عن القضية الفلسطينية، تم تأسيسها من قبل أحزاب الحركة الوطنية، قبل أن تصبح بيتا لكل الأطياف السياسية والتوجهات الفكرية والثقافية.
وكم هو مخجل، أيها الوزير، حديثك عن التطبيع! فهو لم يزد إلا في فضح نفاقك وحربائيتك، لأننا نعلم أنك من أكبر المطبعين؛ مما يجعل استغلالك لاستئناف المغرب لعلاقته مع الدولة التي أنت تعيش فيها، أمرا مسيئا لك وللقضية الفلسطينية. فمن أجل إرضاء النظام الجزائري – الذي يتاجر بالقضية الفلسطينية، ويسيء إليها بجعلها في مستوى عصابة البوليساريو الإرهابية التي يسلحها ويمولها على حساب الشعب الجزائري المعذب في الأرض – سمحت لنفسك بركوب صهوة اللغة الخشبية والمزايدات الفارغة.
لا شك أنك تعلم أن المغرب ربط علاقات مع إسرائيل على مستوى مكاتب الاتصال منذ1994؛ وذلك بعد اتفاق أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل. وسوف يغلق مكتب الاتصال بالرباط سنة 2000 بفعل العنف والإرهاب الإسرائيلي في حق الشعب الفلسطيني الذي انتفض دفاعا عن أرضه (الانتفاضة الفلسطينية الثانية). وكم كنت صغيرا حين اعتبرت أن استئناف العلاقة بين المغرب وإسرائيل، فيه استقواء بهذه الأخيرة وبأميركا على الجزائر! فياله من غباء! ألا تعلم أن عمر الصراع تجاوز سن الكهولة ومقبل على الشيخوخة؟ فمن كان يرد العدوان على أرضنا طوال هذه المدة؟ أليس جنودنا الأشاوس الذين قهروا عصابة المرتزقة وقهروا الجيش الجزائري رغم استقواء الجزائر، خلال فترة الحرب الباردة، بالاتحاد السوفياتي وحلفائه، بمن فيهم القذافي وكاسترو وغيرهما؟ أما الجزائر، اليوم، فهي أوهن من ببيت العنكبوت حتى يستقوى عليها المغرب بأمريكا وإسرائيل. لقد لقنوك تلك الكلمات وأتيت إلى التلفزيون لترديدها كالببغاء.
ونختم هذه الرسالة بتوضيح السفير الفلسطيني بالرباط الذي أكد أن موقف بلاده من قضية الصحراء المغربية لم يتغير. لكننا نسجل بكل أسف محاولته إيجاد تبرير لزلة رئيس اللجنة الأولمبية الفلسطينية؛ وذلك بقوله “إن تصريح جبريل الرجوب… فهم خطأ”. فياله من مبرر أجوف! ونقول للسيد السفير: إن مثل هذا التبرير غير مقبول إطلاقا لأن فيه استخفاف بذكاء المغاربة. فنحن لم نفهم تصريح السيد جبريل الرجوب خطأ؛ بل أنتم من تريدون أن تجعلوه كذلك. وفي هذا إساءة لكل المغاربة، وكذا لشخصكم ولفلسطين. فبمثل قولكم: تصريحه فهم خطأ، تؤكدون مشاطرتكم لرأيه المؤيد للانفصال. وباتهامنا بالفهم الخطأ تؤيدون تدخله في الشؤون الداخلية لبلادنا والمساس بسيادتها. وهذا التدخل واضح وفاضح في تصريحه، ولا يمكن السكوت عنه. وأنتم تبدون كمن يريد إخفاء الشمس بالغربال.
مكناس في 18 يوليوز 2023