الملحمة التي زعزعت الكابرانات وأحرجتهم!
اسماعيل الحلوتي
في ظل المحنة القاسية التي يمر منها المغرب خلال هذه الأيام التي تصادف بداية موسم دراسي جديد، على إثر الزلزال المدمر الذي ضرب مساء الجمعة 8 شتنبر 2023 منطقة الحوز بعنف لم تشهد بلادنا مثيلا له على مدى قرن من الزمان، إذ بلغت قوته 6,9 درجات على مقياس ريشتر، مخلفا وراءه خسائر بشرية ومادية جسيمة وفادحة، حيث أن مشاهد الجثث والأشخاص المصابين والعالقين تحت الأنقاض ومظاهر الحزن التي تخيم على الوجوه، تبكي العيون وتدمي القلوب.
وقفت شعوب العالم في مختلف بقاع الأرض إجلالا واحتراما للشعب المغربي، الذي سارع في بداية الأمر إلى الاستجابة لنداء الإغاثة، حيث انتظم آلاف المواطنات المواطنين لأكثر من ست ساعات في طوابير طويلة بمختلف المدن المغربية، ليس أمام المحلات والأسواق التجارية للحصول على حصصهم من مواد غذائية أو غيرها كما يحدث في بعض دول الجوار، بل أمام مراكز تحاقن الدم من أجل التبرع بقطرات من دمائهم الزكية لفائدة المصابين في الكارثة.
والذي إضافة إلى التوجيهات الملكية السامية من إعلان حداد عام لثلاثة أيام وإقامة صلاة الغائب بعد صلاة ظهر يوم الأحد 10 شتنبر 2023 وما تلا ذلك من استنفار للقوات المسلحة الملكية والأمن الوطني والدرك الملكي والقوات المساعدة والوقاية المدنية، في اتجاه الإنقاذ وإغاثة المنكوبين والعالقين تحت الأنقاض، أبى هذا الشعب إلا أن يتحدى حالة الحزن التي تخيم على البلاد وصعوبة تضاريس المنطقة المنكوبة ووعورة المسالك، وهب من كل مدن وجهات المملكة على قلب رجل واحد. حيث انطلقت منذ الساعات الأولى من يوم السبت 9 شتنبر 2023 قوافل السيارات والشاحنات وغيرها صوب جبال الأطلس، محملة بأطنان من المواد الغذائية الضرورية ومياه الشرب والألبسة والأحذية والأفرشة والأغطية والخيام وغيرها، سعيا إلى مواساة سكان تلك المناطق المتضررة، ومحاولة التخفيف من آلامهم وأحزانهم، وبث الفرح في قلوبهم وإعادة الأمل في الحياة.
فالمغاربة في الداخل والخارج لم ينفكوا يلقنون العالم دروسا بليغة في قيم الصبر والتضامن والتكافل والتآزر فيما بينهم، ويصنعون الملاحم الكبرى في السراء كما في الضراء، وفق ما تشهد بذلك المبادرات الإنسانية الرفيعة وحملات التضامن الواسعة الموثقة بالصورة والصوت سواء مثلا خلال أزمة تفشي جائحة “كوفيد -19″، التي فقد بسببها الكثيرون مناصب عملهم أو أفرادا من أقاربهم أو أصدقائهم وغيرهم، أو إبان فعاليات كأس العالم “قطر 22” لكرة القدم، التي استطاع فيها منتخب “أسود الأطلس” قهر منتخبات كروية كبرى وبلوغ دور نصف النهائي، في إنجاز تاريخي مشرف لم يسبق أن حققه أي منتخب إفريقي أو عربي من قبل، حيث عم الفرح جميع أرجاء الوطن وخرج المواطنون قاطبة يتقدمهم ملك البلاد محمد السادس للاحتفال بهذا الحدث الرياضي الكبير.
لقد تبين للعالم أجمع أن الكارثة الطبيعية التي ألمت بساكنة الحوز وتارودانت وشيشاوة وورزازات ومراكش ومناطق أخرى وما ترتب عنها من مآس فظيعة، كانت بحق مناسبة أخرى ليؤكد المغاربة مدى تماسكهم، والتفافهم حول قائدهم الملهم الملك محمد السادس الذي سارع بدوره إلى التبرع بالدم والمال وزيارة المصابين بمستشفى مراكش، وقدرتهم على تحويل لحظات الألم إلى أخرى من الأمل وإعادة البسمة للساكنة المكلومة مهما كلفهم الأمر من ثمن باهض. وقد تمكنوا بفضل تضامنهم المبهر كسب الرهان في ظرف أسبوع فقط، إذ بدأت الحياة تدب في أوصال تلك المناطق المتضررة، وشرعت الأسواق الأسبوعية في استئناف أنشطتها، لتنسف بذلك مخططات الحاقدين وتحرق قلوبهم، أولئك الذين ظلوا يزرعون “الألغام” بهدف تقويض كل تلك الجهود المضنية، التي بذلت من أجل تجاوز تداعيات الزلزال الرهيب.
وتجدر الإشارة هنا كذلك إلى أنه تم بذات التعليمات الملكية الحكيمة إعداد برنامج خاص بإعادة الإعمار وإيواء ضحايا الفاجعة والفئات الأكثر تضررا منها، يشمل مبادرات استعجالية للإيواء المؤقت في عين المكان عبر صيغ ملائمة داخل بنيات مقاومة للبرد والاضطرابات الجوية. كما تقرر إحصاء الأطفال اليتامى الذين فقدوا أسرهم ومنحهم صفة “مكفولي الأمة” للاستفادة من عدة امتيازات على مستوى حق الرعاية المعنوية والمساعدة المادية وغيرها كثير، وذلك إلى جانب منح الأسر المتضررة مساعدة استعجالية بقيمة 30 ألف درهم، فضلا عن تقديم مساعدة مالية مباشرة بقيمة 140 ألف درهم لمن انهارت مساكنهم بالكامل، و80 ألف درهم لتغطية أشغال إعادة تأهيل المساكن التي انهارت جزئيا، مع الحرص الشديد على احترام كرامة الضحايا وعاداتهم وأعرافهم وتراثهم…
واللافت في هذه الملحمة التي أبهرت العالم، أنها أحرجت الكابرانات وفضحت أبواقهم المضللة، التي ظلت لسنوات تروج لأكذوبة انتشار الفقر والقهر والمجاعة في المغرب. إذ تفاعل نشطاء جزائريون مع الحملة الشعبية الواسعة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لما تجسده من تلاحم وتضامن قل نظيرهما، حيث انخرط فيها آلاف المغاربة بشكل عفوي من طنجة إلى لكويرة. وأعجبوا كثيرا بتلك المشاهد التي كانت تصلهم تباعا عبر القنوات التلفزيونية غير الجزائرية، كما استغربوا لعدم تأثر أسواق المغرب ونفاذ المواد الغذائية أمام ذلك “الطوفان” البشري، مما أدى بهم إلى إشعال “ثورة رقمية” ضد العصابة الحاكمة في قصر المرادية، التي جعلتهم بفعل التدبير السيء ونهب ثروات البلاد، يعيشون أوضاعا اجتماعية واقتصادية مزرية، تضطرهم إلى الوقوف ساعات في طوابير طويلة من أجل شراء الحليب والزيت والخبز…