بنموسى في عين العاصفة!
اسماعيل الحلوتي
رغم تزايد أعداد العاطلين من ذوي الشهادات الجامعية، فإنه لا يمكن لأي كان أن ينكر ما للتعليم من أفضال كثيرة على الإنسان، باعتباره قاطرة التنمية والحجر الأساس الذي يقوم عليه بنيان المجتمعات المستنيرة والمتسامحة، مما يستدعي إيلاءه أهمية خاصة من قبل الدولة والحكومات المتعاقبة، والحرص الشديد على النهوض بأوضاعه، لما يخدم مصلحة التلميذ الذي يعد محور العملية التعليمية-التعلمية، ومصلحة المدرس صاحب الفضل الأول في تنوير العقول، وإقامة الحضارات الحديثة.
فمنذ فجر الاستقلال وبلادنا لم تفتأ تبذل جهودا مضنية، وتصرف ميزانيات ضخمة في عمليات إصلاح هذا القطاع الحيوي الهام عبر برامج ومخططات ورؤى واستراتيجيات وطنية، وتحاول وضع قطار منظومتنا التعليمية على السكة الصحيحة قصد ضمان انطلاقة موفقة نحو تحقيق النماء والرخاء…
كما لا يخفى على أحد أن العاهل المغربي محمد السادس ما انفك يؤكد منذ جلوسه على العرش، أن التعليم يشكل رافعة أساسية لتحقيق التنمية المستدامة في مختلف الميادين الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والبيئية، ويولي عناية خاصة له عبر حرصه الدائم على توفير تعليم جيد لجميع أبناء الشعب المغربي على قدم المساواة، وضمان انخراطهم في عالم المعرفة والتواصل، وتأهيلهم للحياة المهنية، ولاسيما أن النموذج التنموي الجديد يهدف في الجانب المتعلق بالتعليم إلى إحداث نهضة تربوية، غايتها الكبرى تعزيز وتأمين الرأسمال البشري للإسهام بفعالية في خلق التنمية وفتح آفاق واعدة للمستقبل.
غير أن كل تلك المحاولات لم تلبث أن باءت بالفشل، في ظل انعدام الإرادة السياسية لدى عديد المسؤولين الذي تعاقبوا على تدبير الشأن العام والشأن التعليمي بشكل خاص، وغياب الحكامة الرشيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة. لكن ذلك لم ينل من عزيمة الملك ورغبته الجامحة في محاولة تحقيق الإصلاح المأمول، خاصة أن بلادنا تسعى جاهدة إلى الالتحاق بركب البلدان الصاعدة، ورفع عديد التحديات.
وبالنظر إلى ما يحظى به شكيب بنموسى الذي سبق له تقلد منصب وزير للداخلية ومنصب سفير للمغرب بفرنسا، من مصداقية وثقة كبيرتين لدى الدوائر العليا في البلاد، جراء ما ظل يتميز به من جدية في العمل وصرامة في اتخاذ القرارات الحاسمة، ويتحلى به من حس وطني صادق وروح المسؤولية، فقد اختير هذه المرة لتولي حقيبة وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة في حكومة عزيز أخنوش، على أمل أن يتحقق على يديه وهو المهندس “الشاطر” الذي أشرف على صياغة النموذج التنموي الجديد، ما لم يستطع سابقوه تحقيقه.
بيد أنه وكما يقول المثل “تجري الرياح بما لا تشتهي السفن”، فإن الرجل الذي جيء به لإصلاح القطاع، لم يكن يخرج من معركة حتى يجد نفسه يخوض أخرى، دون أن تجديه شطارته نفعا في تقليص منسوب الاحتقان المتزايد والحد من الإضرابات والاحتجاجات المتواصلة. إذ أنه وبعد انتفاضة مديري ونظار ورؤساء الأشغال والحراس العامين وغيرهم بمؤسسات التعليم العمومي في الثانوي الإعدادي والتأهيلي في وجهه، لعدم التزامه بتسوية وضعيتهم النظامية والتزام مسؤولي الوزارة الوصية بتنفيذ وعودهم التي طال انتظارها…
وما أثارته الشروط التي اعتمدتها وزارته بالنسبة للراغبين في ولوج مهن التدريس، وتحديدا شرط السن القانوني المحدد في 30 سنة كحد أقصى، من ردود أفعال غاضبة ورافضة داخل أوساط الكثير من الهيئات النقابية والحقوقية والجمعوية وعلى صفحات التواصل الاجتماعي. وما جره عليه من انتقادات لقاؤه بثلة من الأساتذة الجامعيين والباحثين وما سمي ب”المؤثرين” على شبكة التواصل الاجتماعي، بهدف فسح المجال أمامهم لتقديم ما يرونه من أفكار واقتراحات جديرة بالإسهام في إعداد خطة محكمة لإصلاح المدرسة العمومية ومناقشة عدد من الملفات، التي يعد ملفا الأساتذة المتعاقدين والترقية إلى الدرجة الممتازة بالنسبة لأساتذة التعليم الابتدائي من أبرزها.
فها هو اليوم يسابق الزمان لإخماد النيران التي أشعلها المرسوم رقم 819.23.2 بخصوص النظام الأساسي الجديد لموظفي قطاع التربية الوطنية، الذي صادقت عليه الحكومة في 27 شتنبر 2023 ونشر في الجريدة الرسمية عدد 7237 بتاريخ 9 أكتوبر 2023، إذ أنه وبعد طول انتظار وترقب جاء للأسف محبطا ومخيبا لآمال الشغيلة التعليمية، التي كانت تمني النفس بأن يأتي بإصلاحات كبرى ويعالج مجموعة من الملفات المطلبية المشروعة، التي من شأنها تحسين الأوضاع والارتقاء بمستوى المدرسة الوطنية.
على بنموسى أن يعلم بأن خرجاته الإعلامية لن تفيد في أي شيء، وأن المخرج الوحيد أمامه لإنقاذ الموسم الدراسي الحالي من مسلسل الإضرابات والوقفات الاحتجاجية، هو التعجيل بإعادة النظر في نظامه الإقصائي والمثير للجدل، الذي لم يعمل للأسف سوى على إعادة التوتر والاحتقان للقطاع. حيث بدا ذلك واضحا من خلال الإضراب الوطني الذي دعت إليه 11 تنسيقية تعليمية يوم الخميس 5 أكتوبر 2023 الذي يصادف اليوم العالمي للمدرس، وكان بحق الأكبر منذ أكثر من عقد من الزمن.
وخاصة أن النقابات التعليمية المشاركة في الحوار القطاعي، أكدت خلافا لما يدعيه الوزير عدم موافقتها على النسخة التي تم تهريبها إلى المجلس الحكومي، وأن ما قدمته من ملاحظات ومقترحات وتعديلات لم يؤخذ بعين الاعتبار. ثم أين نحن من الزيادة في أجور موظفي القطاع كما التزمت بذلك الحكومة في برنامجها؟ ولم تم استثناء هيئة التدريس من أنظمة التعويضات الجديدة، وعدم تفعيل الدرجة الاستثنائية بالنسبة لأساتذة التعليم الثانوي التأهيلي، التي تم الاتفاق عليها في “اتفاق 26 أبريل 2011″؟