رسالة الأساتذة إلى الأسر المغربية!
اسماعيل الحلوتي
في ظل معركة شد الحبل بين وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة شكيب بنموسى والتنسيق الوطنية للتعليم والنقابات التعليمية الأكثر تمثيلية حول النظام الأساسي المجحف وغير المنصف، وتلكؤ الحكومة في التعجيل بإيجاد الحلول الملائمة، التي من شأنها الحد من منسوب التوتر القائم وإنهاء هذه المعركة التي باتت تهدد مستقبل آلاف التلميذات والتلاميذ، الذين يتابعون دراستهم بمؤسسات التعليم العمومي في كافة جهات المملكة.
وتقديرا لحالة القلق والتذمر التي تعم آلاف الأسر المغربية بسبب تخوفاتها من المصير المجهول لبناتها وأبنائها، أبت إحدى التنسيقيات التعليمية الموحدة لهيئة التدريس وأطر الدعم، إلا أن توجه عبر أحد فروعها إلى عموم أمهات وآباء وأولياء أمور التلميذات والتلاميذ، رسالة تخبرهم من خلالها عن عزمها الأكيد على الاستمرار في تنظيم الوقفات والمسيرات الاحتجاجية وخوض الإضرابات المحلية والوطنية في إطار برنامجها النضالي، القابل للتصعيد بأشكال نضالية نوعية مختلفة غير مسبوقة، وذلك بهدف الضغط على الوزارة الوصية وجعلها تستجيب لمضامين ملفاتها المطلبية المشروعة والعادلة.
إذ أنه وعلى عكس ما يدعيه بعض المغرضين والمشوشين وأصحاب الأقلام المأجورة، الذين يتهمون الأساتذة بالتقصير والتنصل من مسؤوليتهم التربوية، فإن التنسيقية الوطنية للتعليم الموحدة لهيئة التدريس وأطر الدعم، تشدد على أن الوزارة الوصية هي المسؤولة على هدر الزمن المدرسي خلال هذه الأسابيع، بسبب تجاهلها للمطالب المشروعة والعادلة للشغيلة التعليمية، حين عملت بشكل انفرادي على إقرار نظام أساسي محبط، أو كما أصبح البعض يطلق عليه “نظام المآسي” التراجعي والعقابي والتحقيري والإقصائي، نظام يضرب في العمق كرامة نساء ورجال التعليم ويسعى إلى تقويض أركان المدرسة العمومية، التي ناضل شرفاء الوطن من أجل إرساء قواعدها، فضلا عن أنه نظام يهدد الاستقرار والسلم الاجتماعي.
ثم كيف يمكن أن يسمحوا لأنفسهم بالتملص من مسؤوليتهم من يضحون بقوت أبنائهم في ظل الاقتطاعات غير المشروعة من رواتبهم تحت مبرر “الأجرة مقابل العمل”؟ وهل يعقل أن يتقاعس عن أداء واجبهم ويفرطون في مصلحة تلامذتهم من أبانوا على مدى أزيد من ثلاثة عقود عن حسهم الوطني وضميرهم المهني الخالص، من خلال الساعات التضامنية المجانية، التي مازالوا يقدمونها بصفة طوعية دون المطالبة بأي تعويض عنها، في حين أن كبار المسؤولين في الوزارة وخارجها لا يتسامحون في الحصول على التعويضات المالية السمينة عن كل مهمة إضافية مهما كانت طبيعتها؟
صحيح أن الوضع التعليمي أصبح كارثيا وينذر بالانفجار بعدما شلت التنسيقيات التعليمية البالغ عددها أزيد من 17 تنسيقية، والنقابات التعليمية مؤسسات التعليم العمومي في كافة جهات المملكة، لما يقرب من شهرين في الوقفات والمسيرات الاحتجاجية والإضرابات المحلية والوطنية، التي توجت بمسيرة حاشدة يوم الثلاثاء 7 نونبر 2023 بالرباط انخرط فيها آلاف الأساتذة من كل الجهات، رغبة منهم في محاولة إشعار الجهات المسؤولة وعلى رأسها الوزارة الوصية، بما تعرفه الساحة التعليمية من احتقان وفوران، يحدوهم الأمل الكبير في التجاوب مع ملفاتهم المهنية، مطالبين برحيل الوزير بنموسى وتعويض نظامه المشؤوم بنظام أساسي عادل وشمولي يلبي مطالب كافة الفئات التعليمية، خاصة أن الحكومة في شخص رئيسها عزيز أخنوش أبدت موافقتها على إيجاد حل يرضي الجميع في لقائه يوم الإثنين 30 أكتوبر 2023 مع النقابات التعليمية الموقعة على اتفاق 14 يناير 2023، في حضور كل من وزير التربية الوطنية شكيب بنموسى، ووزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والشغل والكفاءات يونس السكوري.
وصحيح كذلك أنه لولا تراجع دور المركزيات النقابية الكبرى وفقدان الشغيلة التعليمية الثقة في أمنائها العامين واتهامهم بالتواطؤ مع الحكومات المتعاقبة مقابل الدعم العمومي السمين الذي يحظون به، وتركهم الساحة فارغة، وتمادي القائمين على الشأن التربوي في تجاهلهم لمطالب الشغيلة التعليمية، وتمرير القوانين التعسفية والهادرة للكرامة، ما كان لظاهرة التنسيقيات والفئوية والأنانيات التنظيمية الصغيرة، أن تتنامى بهذه السرعة وهذا الشكل المخيفين.
فما لا يدركه المزايدون على الأساتذة في نضالاتهم التي أرغمتهم عليها السياسات الحكومية الجائرة، هو أن الدافع الأساسي لهذه السلسلة من الإضرابات والوقفات الاحتجاجية لا يعود فقط إلى المطالبة بتحسين أوضاعهم المادية، بل أيضا بتوفير ظروف العمل المناسبة من أجل النهوض بمهامهم التربوية. والأهم من ذلك كله هو الارتقاء بجودة الخدمات وإعادة الثقة المفقودة للأسر المغربية في المدرسة العمومية، التي تمول من جيوب دافعي الضرائب والقروض الممنوحة من المؤسسات المالية الدولية، حتى تكون مدرسة ذات إشعاع وجاذبية وقادرة على تقديم تعليم جيد ومنتج لأبناء الفقراء، مثلهم مثل باقي أقرانهم من أبناء الأسر الميسورة، الذين يتلقون دراستهم مقابل واجب شهري منتظم في مدارس التعليم الخصوصي.
وعلى الأسر المغربية اليوم أن تتفهم من خلال رسالة الأساتذة المفتوحة حجم معاناتهم، وتعلم جيدا أن انخراطهم في هذه السلسلة من الإضرابات ليس من باب التقاعس أو انعدام الضمير المهني وغياب الحس التربوي المسؤول، وإنما هو من أجل رفع الحيف عنهم واستقرارهم النفسي والاجتماعي والمادي، ولاسيما أن الوزارة الوصية تصر على عدم سحب “نظام المآسي” وإنصاف كافة الفئات والهيئات التعليمية، والتمادي في التصعيد بمحاولة تضليل الرأي العام إعلاميا وتلفيق التهم الباطلة وإشهار سيف الاقتطاع من أجور الأساتذة المضربين، وهي تعلم أن الإضراب حق مكفول دستوريا بمقتضى الفصل 29 منه.