من عقاب،،الكاطريام،،الى بذخ،،البراق،
محمد شحلال
لم ندرك حقيقة درجة،،الكاطريام،،في القطار، الا بعد نيل شهادة البكالوريا حينما ركبت،،الماشينة،،لأول مرة بمعية بعض الزملاء ممن نتقاسم ذات الطينة،حيث كنا في طريقنا للانتماء لجامعة ،،سيدي محمد بن عبد الله،،بفاس.
كنا تحت تأثير الثقافة الشعبية التي طالما تحدثت عن طبيعة درجة،،الكاطريام،،حيث فهمنا يومئذ بأن هذا،،الجزء،،من القطار،لا يصل في الوقت المحدد،ويقع في مؤخرة،،الماشينة،، وان السفر فيه يعتبر في الواقع عقابا حقيقيا.
لقد كانت رحلتنا الأولى عبر القطار،فتحا مبينا،حيث خجلنا من تصورنا المغلوط ،،للكاطريام،،الذي انتقل الينا عبر العوالم الخارقة التي يخلقها بعض البؤساء من الناس وهم يفسرون الاشياء وفق غنى مخيالهم وليس كما هي في الواقع !
لم يكن،،الكاطريام،،في الواقع،الا درجة ثالثة في القطار،حيث كانت مقصوراته خشبية وخشنة،خصصها المستعمر ،،لليزانديجان،،الذين يبحثون عن أرخص الأثمنة،ويحملون ما شاءوا من متاع من قبيل الدجاج والمتلاشيات.
كان،،الكاطريام،، يستجيب في الواقع للقوى الشرائية لفئات عريضة من المواطنين ،خاصة منهم الذين يسافرون بمعية أفراد العائلة،وكذلك الطلبة الذين يبحثون عن ادخار بعض الدريهمات،،للأيام السوداء !
اختفى،،الكاطريام،،الأسطوري فجأة في خضم التطورات والتحولات التي عرفتها بلادنا،وصار من حديث الماضي الذي لا يعرف عنه الجيل المعاصر شيئا.
لقد أسدى،،الكاطريام،،خدمات كبرى للأجيال المتعاقبة بمن فيهم والدي ومجايلوه الذين كانوا يستقلونه هربا من المجاعة، بحثا عن الرزق في ضواحي مدينة فاس وباقي الربوع التي كانت توفر بعض سبل العيش،بخلاف المنطقة الشرقية التي تقسو فيها الطبيعة ولا تجود الا لماما.
قبل بضعة أيام،قررت أن استقل القطار مجددا من مدينة طنجة نحو البيضاء،ولكن على متن ،،البراق،،هذه المرة، لأجرب السفر عبر هذه،،الماشينة،،الفائقة السرعة،والتي تزامن مولدها مع كثير من الكلام الذي يبرع فيه معظم العدميين الذين لا يهدأ لهم بال الا اذا بخسوا كل مشروع استراتيجي قبل خروجه الى الوجود.
وقبل الحديث عن رحلة،،البراق،،فان الجواب الذي يلمسه المسافر عن معارضي المشروع ،هو هذا العدد الهائل من الناس الذين يستقلون ،،البراق،،بعدما اكتشفوا مزاياه واختصاره للزمن.
لقد تم تمديد اشعاع مدينة البوغاز عبر انشاء محطة قطار باذخة ،تجعل الزبناء يخالون أنفسهم في احدى أرقى محطات الغرب ،ذلك أن البناية قد صممت ببراعة تعكس علو كعب المهندسين،ويزيد النظام المحكم من فخامتها.
أما المقصورات في ،،البراق،، ،فهي توفر كل أجواء الراحة،يضاف اليها التواصل المنتظم للطاقم المشرف على القيادة عبر الشاشات التي تنقل كل ما يتعلق بظروف الرحلة ومديات السرعة طيلة الرحلة .
من كان يتصور يوما بأن المسافر أصبح بامكانه أن يقطع المسافة بين طنجة والبيضاء في ظرف ساعتين؟
انه انجاز باهر يسمح للناس بالتنقل السلس وبأمان،مما يجعل الاقبال على ،،البراق،، في تزايد مستمر.
لعل كل من ركب،،البراق،،يتمنى الان أن يرى هذا الانجاز يشمل باقي ربوع الوطن، لييتخلص الناس من وعثاء السفر خاصة في اتجاه الشرق،حيث مازال القطار سجين الظروف اللوجيستيكية التي تجعله متخلفا عما يجري في باقي ربوع الوطن،غير ان باب الأمل يظل مفتوحا نحو أفق واعد ان شاء الله…..