أين نحن من حكومة الكفاءات؟!
اسماعيل الحلوتي
لا نعتقد أن قادة التحالف الحكومي الثلاثي الذي يقوده رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار عزيز أخنوش، كانوا على علم مسبق بأن إعطاء الحكومة عنوان “حكومة الكفاءات” سيورطهم في أزمة حقيقية، ويجر عليهم أمواجا من السخرية التي أضحت تلاحق أعضاءها الوزراء بسبب فضائحهم المتوالية، ويأتي على رأسهم كل من وزير العدل والأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة عبد اللطيف وهبي، ووزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة شكيب بنموسى، الذي هو نفسه مهندس النموذج التنموي الجديد، ناهيكم عن باقي الوزراء الذين يلزمون الصمت، خوفا من أن تفضحهم خرجاتهم الإعلامية.
فلم يمض وقت كبير على تفاؤل المغاربة بتنصيب الحكومة الجديدة، التي علقوا عليها آمالا عريضة في أن تنسيهم آلام وأحزان تلك العشر سنوات العجاف في ظل حكومتي “الإخوان” الأولى بقيادة عبد الإله ابن كيران والثانية برئاسة سعد الدين العثماني، خاصة بعد تداول عديد النشطاء على وسائل التواصل الاجتماعي أشرطة عن الوزيرات والوزراء الجدد، وهم يتقنون الحديث باللغتين الفرنسية والإنجليزية، اعتقادا منهم أن المغرب اكتشف أخيرا كفاءات وطنية عالية، من شأنها القطع مع التدبير السيء والنهوض بالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للمواطنين، من خلال الحد من معدلات الفقر والبطالة والفوارق الاجتماعية والمجالية وإصلاح منظومتي الصحة والتعليم والقضاء والإدارة وفتح أوراش تنموية كبرى…
حتى بدأ المواطنون يشعرون بالإحباط لعدة أسباب، ومنها تضرر القدرة الشرائية للطبقات الفقيرة والمتوسطة، بفعل ما باتت تعرفه أسعار المحروقات من زيادات متواصلة، أرخت بظلالها على أسعار باقي المواد الأساسية والواسعة الاستهلاك، دون أن تكون الإجراءات المتخذة من قبل “حكومة الكفاءات” كفيلة بمواجهة شبح الغلاء الفاحش، والتصدي لمختلف مظاهر الاحتكار والمضاربات التي تلهب الأسعار في كافة الأسواق المغربية، مما أدى بعدد من رواد الفضاء الأزرق إلى إطلاق حملة رقمية واسعة تطالب برحيل رئيس الحكومة أخنوش، ثم انتقلت المطالبة فيما بعد إلى ضرورة التعجيل بتعديل حكومي، عبر إعفاء عدد من الوزراء المستوردين من خارج الحقل السياسي وتعويضهم بشخصيات وطنية قادرة على رفع التحديات.
لذلك، وعلى إثر تنامي حالة التذمر والتوتر الشعبي في عدة قطاعات، وظهور اختلالات مرافقة للأوراش التي تشرف عليها الحكومة، دقت الكثير من تقارير المنظمات الوطنية والدولية ناقوس الخطر، منبهة إلى ما يمكن أن ينجم عن انعدام التواصل مع المواطنات والمواطنين، وسوء التعامل مع التوترات الشعبية المتصاعدة في قطاعات استراتيجية مثل التعليم، الذي يعد قاطرة حقيقية للتنمية الشاملة.
وبعيدا عن فراغ حصيلة من تم تسويقهم على أنهم من خيرة ما أنجبت بلادنا على مستوى الكفاءة، وعن حماقات الوزير المثير للجدل عبد اللطيف وهبي، الذي لا أحد يعلم إلى متى سيستمر في شطحاته الإعلامية المستفزة وتلطيخ سمعة قطاع العدل الذي يتولي حقيبته، ولا على أي أساس تم إسناد مسؤولية من هذا الحجم لشخص مثله، وهو الذي عرف بشدة انفعالاته وممارساته الصبيانية وتقلبات مزاجه ومواقفه، في الوقت الذي تقتضي فيه المصلحة العليا للوطن تحلي وزير العدل وغيره من الوزراء بالاستقامة والنزاهة والرصانة والحكمة والتبصر، لما لهم من مسؤولية جسيمة على احترام القوانين وتفعيل حق المواطن في الولوج إلى العلاج والتعليم والعدالة، والسهر على حسن سير عمل المؤسسات التعليمية والمستشفيات والمحاكم وغيرها من المرافق والمنشآت الرياضية، لإعطاء صورة مشرقة عن المغرب.
فإننا سنكتفي هنا بالحديث ولو بشكل مقتضب عما صارت عليه الساحة التعليمية من غليان متواتر، في عهد وزير التربية الوطنية شكيب بنموسى ولاسيما بعد تقديم المرسوم رقم 819.23.2 المتعلق بالنظام الأساسي الخاص بموظفي وزارته ومصادقة الحكومة عليه في 27 شتنبر 2023، الذي رغم ما أبدته الشغيلة التعليمية من رفض قاطع له، معتبرة أنه نظام مجحف وغير منصف ولا يرقى إلى مستوى انتظاراتها، فضلا عن إجهازه على عدة مكتسبات وتطويق الأساتذة بمجموعة من المهام الإضافية والعقوبات الزجرية غير المبررة، وما ترتب عن تواصل الإضرابات لأزيد من خمسة أسابع من تعطيل الدراسة في كافة مؤسسات التعليم العمومي وهدر لزمن التعلمات، واستياء آلاف الأسر، أبى إلا أن يظل متمسكا بنظامه المشؤوم الذي أصبح معروفا إعلاميا ب”نظام المآسي”
ترى هل من الكفاءة في شيء أن يستخف مسؤول حكومي بارز بقطاع يضم 300 ألف موظف أي ما يشكل 75 في المائة من كتلة موظفي الدولة، وحوالي ثمانية ملايين تلميذا، ويستمر في ركوب رأسه غير مكترث بتلك الإضرابات المتواصلة التي شلت آلاف المؤسسات التعليمية عبر التراب الوطني، ولا بذلك الكم من الحصص الضائعة لتلاميذ أبرياء على مدى أزيد من شهر؟ ولم لم تستطع “حكومة الكفاءات” إخراج قانون النقابات والقانون التنظيمي للإضراب وسحب مرسوم النظام الأساسي بدل تجميده، والعمل على إشراك التنسيق الوطني لقطاع التعليم الذي أصبحت له قوة “ضاربة” بضمه أزيد من عشرين تنسيقية، إلى جانب النقابات التعليمية الأربع “الأكثر تمثيلية”؟
إننا وأمام ما باتت تعرفه بلادنا من احتقان شعبي متواصل، جراء إسناد المسؤوليات لغير مستحقيها، نرى أنه لم يعد مقبولا بأن يستمر هذا العبث السياسي، بعدما أصبح الجميع مقتنعا بأن عددا من الفاعلين السياسيين لا ينتجون سوى الثرثرة المزعجة والوعود الكاذبة، وأن مدبري الشأن العام يعملون فقط على إنهاك خزينة الدولة برواتبهم وامتيازاتهم وتقاعدهم. فلتسقط الحكومات الفاشلة، وليذهب وزراؤها إلى الجحيم.