مهن حرة لمقاومة البطالة!
اسماعيل الحلوتي
في ظل ما باتت تشهده المحلات التجارية والأسواق المغربية من استشراء الغلاء الفاحش، الذي طال جميع المواد الأساسية والأكثر استهلاكا لدى المواطنات والموطنين، جراء مسلسل ارتفاع أسعار المحروقات التي انعكس أثرها على باقي السلع والمنتوجات، مما أضر كثيرا بالقدرة الشرائية للطبقات الفقيرة والمتوسطة، دون أن تستطيع الحكومة مواجهة هذه الزيادات المقلقة والمؤرقة أو التصدي للمضاربات، وتزايد معدلات الفقر والبطالة، وخاصة في أوساط ذوي الشهادات العليا.
فالإحصائيات الرسمية الأخيرة أظهرت بوضوح أن معدل البطالة ببلادنا ارتفع في الربع الثالث من السنة الحالية 2023 إلى 13,5 في المائة مقابل 11,4 في المائة خلال نفس الفترة من عام 2022، حيث أوضحت المندوبية السامية للتخطيط في تقريرها الأخير أن الاقتصاد الوطني فقد 297 ألف فرصة عمل ما بين الربع الثالث من عام 2022 والربع نفسه من السنة الحالية 2023، وعرفت المدن فقدان 29 ألف فرصة عمل مقابل 269 ألف في القرى، وذلك راجع بالأساس إلى موجة الجفاف التي ضربت المغرب ولم يشهد مثيلا لها منذ عقود، مما أدى إلى بلوغ عدد العاطلين عن العمل مليون و625 ألف شخص خلال الربع الثالث من سنة 2023، إذ تؤكد المندوبية السامية أن معدل البطالة بقي مرتفعا بين: الشباب الذين تتراوح أعمارهم ما بين 15 و24 سنة مسجلا 38,2 في المائة، والنساء بنسبة 19,8 في المائة، والحاصلين على شهادة 19,8 في المائة. ومن جهته توقع صندوق النقد الدولي أن يرتفع معدل البطالة من 11,8 في المائة عام 2022 إلى 12 في المائة عام 2023، قبل يتراجع في العام المقبل 2024 إلى 11,7 في المائة.
وأمام انسداد الآفاق وتفشي ظاهرة البطالة في بلادنا، واعتماد الحكومات المتعاقبة على حلول ترقيعية لامتصاص الغضب مثل برنامج “أوراش” وغيره، عوض العمل الجاد على توفير فرص شغل حقيقية وملائمة للشباب العاطل وخاصة منهم ذوي الشهادات العليا، يضطر الكثيرون منهم ممن أعياهم طرق الأبواب دون جدوى، إلى ابتكار بعض الحلول المؤقتة من أجل تأمين مصروفهم اليومي ومساعدة أسرهم الفقيرة، وذلك من خلال اللجوء إلى بعض المهن الحرة وغير المكلفة على المستويين المادي والمعنوي، سواء منها الموسمية أو الدائمة.
إذ بصرف النظر عن تلك المهن التي تزدهر في المناسبات والأعياد الدينية والتظاهرات الرياضية، ومنها مثلا حراسة الدراجات النارية في الأحياء الشعبية وأمام المساجد والأسواق، بيع ملابس الأطفال أيام الأعياد، وعرض الأكلات السريعة وغيرها من الأقمصة أثناء مباريات البطولة الوطنية أو القارية والدولية في كرة القدم وغيرها من البطولات الرياضية في الملاعب وبمحيطها الخارجي، فضلا عن بيع كل ما يتناسب مع إحياء شعيرة عيد الأضحى من فحم وأعلاف وأواني وشحذ السكاكين وسواها من الأنشطة التي تضفي انتعاشة اقتصادية على العاطلين.
فإن هناك مهنا أخرى مربحة تشمل عدة مجالات، بدأت تتكاثر بشكل لافت خلال السنوات الأخيرة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر التجارة الإلكترونية، صناعة الفطائر المختلفة والحلويات في البيوت، فتح محلات لبيع الخبز والأكلات الخفيفة، بيع الخضر والفواكه والبيض والسمك في عربات متنقلة تجوب الأحياء والشوارع تحت صياح أصحابها، تنامي تجارة الطيور والكلاب والقطط على اختلاف أنواعها، ولعل من بين أكثر المهن التي اجتاحت المدن وعرفت ازدهارا واسعا، هي بيع القهوة الجاهزة للنقل في سيارات خاصة أو في دكاكين صغيرة داخل الأحياء الشعبية.
ذلك أن عددا من الأشخاص العاطلين فرض عليهم ضيق ذات اليد في ظل غياب فرص شغل مناسبة، مقاومة عطالتهم بالبحث عن مورد رزق حلال يكفيهم شر مد اليد إلى الأبوين اللذين غالبا ما يكونان هما أيضا في أمس الحاجة إليهم لإعالتهما، اهتدوا في الشهور الأخيرة إلى إنشاء مشاريع تجارية صغيرة، بهدف توفير مصاريف يومية ومنها بيع القهوة في الفضاء العام، وهو ما لا يتطلب عدا التوفر على محل صغير أو سيار شخصية وجهاز إعداد القهوة، أكواب وقنينات ماء معدني صغيرة، مع ضرورة الحصول على ترخيص من قبل المصالح المختصة في الجماعات الترابية، ومن ثم الشروع في بيع القهوة بأثمنة مقبولة لدى الجميع في الشوارع أو جنبات الطرق وأمام المستشفيات أو الأسواق والشواطئ وغيرها.
فليس من العيب لجوء بعض الشباب العاطل من حملة الشهادات إلى التشغيل الذاتي، في انتظار أن تتوفر لهم فرص شغل مناسبة تحفظ كرامتهم، لكن العيب في أن تظل الحكومات عاجزة عن معالجة ملف التشغيل، ولاسيما أن الحق في الشغل يحتل وضعا مركزيا في منظومة حقوق الإنسان، التي التزم المغرب باحترامها كما هي متعارف عليها دوليا، وصادق على عدة اتفاقيات دولية تتعلق بالشغل، باعتباره حقا اقتصاديا واجتماعيا أساسيا، كرسه الدستور بمقتضى الفصل 31 الذي ينص على “تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، على تعبئة كل الوسائل المتاحة لتيسير استفادة المواطنات والمواطنين، على قدم المساواة، من الحق في الشغل والدعم من طرف السلطات العمومية في البحث على منصب شغل، أو في التشغيل الذاتي”