التعليم الخاص وصناعة القادة
ذ. محمود بودور
يعيش بلدنا هذه الأيام إضرابات غير مسبوقة في قطاع التعليم اضطر أزيد من 8 ملايين من التلميذات والتلاميذ إلى البقاء في منازلهم لأزيد من شهرين . الشيء الذي كانت له انعكاسات نفسية واجتماعية على التلاميذ وأولياء أمورهم كما أدت إلى هجرة غير مسبوقة إلى القطاع الخاص من أجل انقاذ ما يمكن انقاذه. فهل يا ترى هذه هي مهمة القطاع الخاص؟
تقوم الكثير من الدول بتشجيع القطاع الخاص تحت طائلة تحمل الثقل الذي أصبح يقصم ظهر القطاع العام أو بضغط من لوبيات هذا القطاع أو من أجل تلبية حاجة الأسر الميسورة في تقديم خدمة تعليمية ذات جودة أفضل تفتح آفاقا أكثر لأبنائهم وبناتهم. وأصبح هذا القطاع يسيل لعاب الكثير من المستثمرين سواء كانوا قريبين من الميدان أو بعيدين عنه بمجرد توفرهم على رأس مال لبدأ مشروع مدرسة خاصة وباتت هذه المدارس تتكاثر ثكاثرا فطريا على حساب المدارس العمومية. كما أصبح مجالا للتنافس بين هذه المدارس في من يقدم الأفضل ويلبي حاجة هذه الأسر في الاستثمار الأمثل في تعليم أبنائهم وبناتهم لمواجهة تحديات المستقبل.
أصبح الإقبال على القطاع الخاص موضة عالمية منذ تسعينيات القرن الماضي، وحتى في الدول المتقدمة حيث التعليم العمومي يعتبر من أرقى الأنظمة التعليمية في العالم. وأصبحت الأسر تستثمر في أبنائها لتهيئتهم للمستقبل لصناعة القادة والزعماء وليس لتخريج تلاميذ مثلهم مثل متخرجي التعليم العمومي.
ولأكون واضحا من البداية فإنني لست ضد هذا القطاع. فهذا توجه عالمي ولكل حريته في أن يدخل أبناءه إلى التعليم العمومي أو الخاص كل حسب إمكانياته المادية. لكن مقاربتي للموضوع له علاقة بما يحدث هذه الأيام من إضرابات وتوقف لأغلبية المدارس العمومية.
يتميز القطاع الخاص عن القطاع العام بنقط قوة لا تمتلكها أغلبية المدارس العمومية. فأغلبيتها تتوفر على بنية مادية جذابة ومجهزة بوسائل الإعلام والتواصل في أقسام صغيرة الحجم وقليلة العدد من المتعلمين، مما يحفز من تفاعل التلاميذ مع الأستاذ ويزيد هذه العلاقة تقاربا. وكما نعلم كلما زادت الهوة ببن الاستاذ والتلميذ الا زاد التعلم صعوبة وكلما تقاربت هذه المسافة زاد التفاعل أكثر بين المعلم والمتعلم وتحفز التلاميذ لتعلم أفضل. كما تتوفر هذه المدارس الخاصة في غالبيتها على وسائل النقل التي تضمن تنقل التلاميذ بأمان من وإلى منازلهم وربح الوقت وعدم التعرض للظواهر والسلوكات المشينة الموجودة في الشارع. الموارد البشرية تتوفر في أغلبيتها على مهارات وإمكانات تواصلية جيدة وملتزمة في عملها مع نسبة غياب ضعيفة مقارنة بالعمومي مما يضمن استقرارا وانسيابية جيدة في زمن التعلم . هذه المدارس لها كذلك هامش كبير في اصطياد الكفاءات العالية من اساتذة التعليم العمومي. وأغلبية المدارس تقوم أيضا بأنشطة تربوية وثقافية وفنية وخرجات تحبب التلاميذ في مؤسساتهم وتحفز انخراطهم واندماجهم في الحياة المدرسية. التلميذ في المدرسة الخاصة في صلب اهتمام وتتبع الطاقمين التربوي والاداري . كما تقوم أغلبية هذه المدارس بالتواصل الدائم مع أمهات وآباء وأولياء التلاميذ، الشيء الذي يزيد هؤلاء اطمئنانا على فلذات أكبادهم وبالتالي يزيدهم انخراطا في تدبير المؤسسة واتخاذ القرارات المناسبة في تربية أبنائهم وتشجيعهم. الحرية في تبني المناهج والمقررات المناسبة أيضا تزيد من إقبال الآباء على هذا النوع من التعليم حسب قيم ومبادئ وتوجهات الأسر.
كل هذه العوامل وغيرها يجعل الهوة بين المدارس العمومية والخاصة أكثر اتساعا. لكن دورها كما قلت في البداية وفي اعتقادي لا يكمن في إنقاذ تلاميذ فشلوا في التعليم العمومي أو هم على أبواب الفصل أو فصلوا بالفعل بعد كثرة تكرارهم.
في الدول المتطورة يقولون إن المدارس العمومية تصنع العمال أما المدارس الخاصة فتصنع القادة. وهذا هو غايتي من هذا المقال.
فما تتوفر عليه المدارس الخاصة من مقومات الجودة والنجاح، مع بعض المآخذات طبعا ، والتي لن أخوض فيها هنا، يؤهلها لأن تصنع لنا قادة وزعماء لا أن تخرج لنا تلاميذ ذوي معدلات صاروخية في المراقبة المستمرة لكنها محتشمة ومتواضعة في الامتحانات الاشهادية خاصة في البكالوريا. وأغلبية التلاميذ لا يصعدون بوديوم التميز لا على المستوى الإقليمي ولا الجهوي ولا الوطني الا نادرا. كما أنهم لا يتميزون في المسابقات العلمية الوطنية والدولية .
فتلميذ قضى مشواره الدراسي من الأولي إلى نهاية الثانوي يكون قد قضى على الأقل 14 سنة من عمره وهو يستنفذ ميزانية الأسرة. فلنا أن نتصور هذه الميزانية التي يمكن أن يستهلكها في هذه الفترة كلها علما أن بعض المدارس قد يفوق واجبها الشهري راتب أستاذ في بداية مشواره – 5000 درهما -.
فحق لنا أن نتوقع من هذا القطاع الخاص أن يخرج لنا جيلا متميزا ومؤهلا لا كباقي الأجيال. جيلا عبقريا ومبدعا يكون سببا لنهضة اقتصادية واجتماعية وثقافية تضمن مكانة مرموقة بين الأمم المتقدمة. جيلا ذا كفاءة عالية تمكنه من اكتساح مؤسسات التعليم العالي ذات الاستقطاب المحدود كمدارس الطب والهندسة في بلدنا وخارج أرض الوطن. جيلا متسلحا بالقيم الدينية والوطنية لا جيلا مسلوبا في فكره وأسلوب حياته. نريد من التعليم الخصوصي أن يستغل طاقاته وكل مؤهلاته في إنتاج جيل جديد من الشباب يحمل راية بلده في الجامعات الدولية والمحافل العالمية. نريد منهم أن يخرجوا لنا قادة اقتصاديين وزعماء سياسيين نفخر بهم داخل قبة البرلمان وخارج أرض الوطن.
ذ. محمود بودور
وجدة في : 22/12/2023