لا تنمية دون مكافحة الرشوة!
اسماعيل الحلوتي
في نهاية الأسبوع الأول من السنة الميلادية الجديدة 2024 حل موعد اليوم الوطني لمكافحة الرشوة، الذي يصادف السادس يناير من كل سنة، وهي مناسبة مهمة ينبغي للقائمين على الشأن العام ببلادنا الوقوف عندها بتمعن شديد لمعرفة أين وصلت تلك الجهود المضنية التي ما انفكت السلطات العمومية تبذلها من أجل التصدي لهذه الظاهرة المقلقة والمؤرقة، باعتبارها عائقا رئيسيا من بين أبرز العوائق التي تقف حجرة عثرة في طريق التقدم وتحول دون تحقيق التنمية ببلادنا.
ذلك أنه وحسب ما تؤكده عديد التقارير الوطنية والدولية، لا يمكن الدفع بعجلة التنمية في الاتجاه الصحيح وتحقيق الإقلاع الاقتصادي المأمول، ما لم يتم القضاء على ظاهرة الرشوة التي تتفاقم بشكل لافت في المجتمع المغربي، وهو ما بدا واضحا فيما جاء به التقرير الصادر عن لجنة النموذج التنموي الجديد، الذي شدد على ضرورة تضافر جهود جميع فعاليات المجتمع والمؤسسات الوطنية قصد تطويق هذه الآفة المدمرة على جميع المستويات.
وبالرغم من أن هناك اختلافا كبيرا في تعريف الرشوة بشكل دقيق، فإن التابث هو أن كل التعريفات تشترك في مفهوم واحد، وهو أن الرشوة نوع من أنواع الفساد، وواحدة من بين أخطر الآفات القديمة التي يكاد لا يخلو منها مجتمع من المجتمعات على بقاع الأرض، حيث يقوم شخص ما بدفع مبلغ من المال لموظف قصد الحصول على خدمة ليس له الحق فيها، أو بهدف التهرب من واجب يفترض فيه القيام به مثله مثل كافة المواطنين، وهي كذلك طريقة غير مشروعة في كسب المال، سواء عبر استغلال المنصب أو المركز أو المكانة الاجتماعية…
ففي هذا السياق وسعيا منها إلى محاولة محاصرة هذه الآفة الخطيرة، اعتمدت بلادنا في وقت سابق ما يعرف ب”الخط الأخطر” وهو خط مباشر للتبليغ عن الرشوة ومختلف مظاهر الفساد، الذي ساهم خلال السنوات الأخيرة في إسقاط عدد كبير من الأشخاص المرتشين والراشين أيضا، بيد أن هذه الخطوة تظل غير كافية في الحد من هذه الظاهرة التي تنخر الإدارة المغربية، إذ ما زالت بلادنا تواجه عدة تحديات أمام غياب الإرادة السياسية الحقيقية في ردع كبار المسؤولين المرتشين، لما لممارساتهم من آثار سلبية على الاقتصاد الوطني والمنافسة الشريفة.
وقد أكد بعض الفاعلين الحقوقيين على ضرورة تحيين الاستراتيجية الوطنية لمحاربة الفساد بفتح حوار وطني يشمل كل الفاعلين والمتدخلين من أجهزة قضائية وأمنية ومصالح حكومية معنية، مع إشراك المجتمع المدني، قصد بلورة سياسة وطنية تتصدى لمن يصرون على استمرار الظاهرة في المجتمع، وخاصة داخل المؤسسات المنتخبة وغيرها. كما أن والي بنك المغرب عبد اللطيف الجواهري سبق له التصريح منذ حوالي ثلاث سنوات أمام اللجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب، بأن الوضع الاقتصادي بالمغرب سيعرف مشاكل كثيرة في المدى القريب، لكونه اقتصادا هشا وسريع التأثر بالأزمات، مشددا على تكثيف الجهود في اتجاه محاربة الرشوة والفساد على أعلى مستوى، من وزراء ومدراء المؤسسات العمومية والمقاولات، وربط المسؤولية بالمحاسبة وفق ما ينص عليه دستور المملكة…
فقد نص دستور 2011 في عدد من بنوده على دعم الآليات التي من شأنها ترسيخ قيم الشفافية وتعزيز الحكامة الجيدة ومكافحة كل مظاهر الفساد ومن ضمنها الرشوة، وذلك بتفعيل “ربط المسؤولية بالمحاسبة”، للإسهام في تخليق الحياة العامة والحفاظ على أموال الشعب والممتلكات العمومية. وفي هذا الصدد أشار عاهل البلاد محمد السادس في خطابه السامي الموجه إلى الأمة بتاريخ: 14 أكتوبر 2016 بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الأولى من الولاية التشريعية العاشرة، إلى أن “توظيف التكنولوجيات الحديثة، يساهم في تسهيل حصول المواطن على الخدمات، في أقرب الآجال، دون الحاجة إلى كثرة التنقل والاحتكاك بالإدارة، الذي يعد السبب الرئيسي لانتشار ظاهرة الرشوة، واستغلال النفوذ”.
ومنذ ذلك الحين ظل المغرب يراهن على التحول الرقمي بغرض تحقيق الأهداف المرسومة للاستراتيجية الوطنية للوقاية من الرشوة (2025/2015) التي أوصت بها اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد. حيث أنه ومن خلال تجارب عديد الدول تعد الرقمنة من بين أهم الأدوات الأساسية التي تمهد السبل نحو إرساء الحكامة الجيدة والمسؤولة، والشفافية والوقاية من الرشوة ومكافحتها. مما أدى بالهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها المحدثة بموجب القانون رقم 12-113 لسنة 2015، إلى تسليط الضوء في تقريرها السنوي برسم سنة 2022 على العلاقة الوطيدة بين التحول الرقمي من جهة، والحكامة والشفافية والوقاية من الرشوة ومحاربتها من جهة أخرى.
علينا جميعا الوعي بأضرار ومخاطر الرشوة، وأن نجعل من هذه المعضلة قضية وطنية، تستدعي إلى جانب توفر إرادة سياسية قوية وحقيقية لدى مدبري الشأن العام، انخراط الجميع من أسرة ومدرسة ومجتمع مدني ومنظمات حقوقية ونقابية وهيئات سياسية ووسائل الإعلام في تطويقها والعمل على الوقاية منها ومكافحتها بكل الوسائل القانونية اللازمة، وذلك في إطار التعبئة الجماعية والتكامل المؤسسي وتكريس قيم الشفافية والنزاهة في أوساط المواطنات والمواطنين.