وأخيرا.. “اغلالو” تخلع ثوب العمودية!
اسماعيل الحلوتي
في زمننا الأغبر هذا لا يسع المواطن المغربي إلا أن يأسف لما أصبح عليه المشهد السياسي ببلادنا خلال السنوات الأخيرة من ترد شديد، من حيث التهافت على المناصب والمكاسب وترجيح المصلحة الشخصية والحزبية الضيقة على المصلحة العامة، تدني مستوى الخطاب السياسي، وتحول المجالس الجماعية إلى ساحات للمعارك السياسوية، والجلسات العامة بالبرلمان إلى ما يكاد يشبه “سوق” أو “سيرك”، مما أفرغ السياسة من عمقها النبيل، ودفع بالمواطنين إلى النفور من الانخراط في الهيئات السياسية والعزوف عن المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية.
والذي يؤسف له أكثر وبحرقة أوفر هو أن البؤس السياسي لم يعد يقتصر فقط على صنف الرجال، بل انتقلت العدوى كذلك إلى بعض النساء المحظوظات اللواتي “سقطن سهوا” على الحقل السياسي، حيث لم تعرف جماعة ترابية أو مجلسا جماعيا تقودهما امرأة مشاحنات وتخبطات في التسيير وسوء التدبير، مثلما عرفه مجلس مدينة الرباط، الذي ترأسه أسماء اغلالو المحسوبة على حزب “التجمع الوطني للأحرار” بعد انتخابات الثامن شتنبر 2021.
إذ أنه وبعد أن علقت الساكنة الرباطية آمالا عريضة على العمدة الجديدة “اغلالو” ظنا منها أن المرأة أكثر دقة واستقامة ونزاهة في تحمل المسؤولية ومقاومة الفساد مقارنة مع الرجل، فإنه سرعان ما خاب ظن الجميع وشعروا بإحباط شديد، لما راكمته من أخطاء جسيمة وفضائح ثقيلة من شأنها جرها للقضاء، إن على مستوى ما أصبحت تشهده المدينة من تعثرات متوالية جراء انفرادها بالقرارات الحاسمة، سوء التدبير وارتفاع منسوب الاستياء والتبرم بينها وبين رؤساء المقاطعات الخمس بالمدينة، ولاسيما رئيس مقاطعة حسان المنتمي لذات الحزب “الأحرار”، أو على مستويات أخرى مثل ظاهرة “الموظفين الأشباح” وما نتج عنها من جدل واسع وردود فعل غاضبة، إزاء عدم سلك العمدة المساطر القانونية للحيلولة دون ما يتعرض له المال العام من استنزاف، خاصة بعد تصريحاتها الإعلامية حول وجود ما لا يقل عن 1700 شخص، يستفيدون من أجورهم الشهرية بصفة منتظمة دون القيام بأي خدمة لفائدة المجلس، فضلا عن توصلهم هم أيضا بتعويضات على غرار الموظفين الفعليين الذين يمارسون نشاطاتهم في ظروف عادية. .
فمنذ تنصيبها رئيسة على مجلس عاصمة الأنوار وأسماء اغلالو لا تتوانى عن إثارة الجدل حول طريقة تسييرها لشؤون المجلس إثر تماديها في “حماقاتها”، حيث أمضت أزيد من سنتين في معركة كسر العظم إلى أن انتهى بها الأمر في الأخير إلى شل أوصال المجلس الجماعي للمدينة، لأنها لم تكن تحسن من شيء عدا التسلط والاستفراد بالتسيير واتخاذ القرارات الارتجالية بعيدا عن أي مقاربة تشاركية، مما أفقدها أغلبيتها المشكلة من التحالف الثلاثي (التجمع الوطني للأحرار، الأصالة والمعاصرة والاستقلال) وساهم في رفض الحساب الإداري للمجلس، والأكثر من ذلك أنه تمت إزاحتها من رئاسة فريقها التجمعي وتعويضها بأحد زملائها في الحزب.
وفي الوقت الذي كانت السلطات تتهيأ لسحب البساط من تحت قدميها وإقالتها بسبب عنادها وما اقترفته من فضائح مدوية وخاصة حينما عينت زوجها محاميا للمجلس، إضافة إلى الملف المتعلق بصرف “مليار” بطريقة منافية للقانون المعمول به، وبعد أن أضحت معزولة عن محيطها ومغلولة اليد، فإنها اضطرت إلى خلع ثوب العمودية، عبر تقديم استقالتها يوم الأربعاء 28 فبراير 2024 إلى والي جهة الرباط-سلا-القنيطرة محمد اليعقوبي، مبررة قرارها الذي تأخر كثيرا برفضها لحالة الاحتقان التي يعرفها مجلس جماعة الرباط منذ شهور، وبأنها اختارت تغليب مصلحة ساكنة الرباط التي تعتز بالانتماء إليها…
ألم يكن حريا بعمدة الرباط إن كانت تسعى فعلا إلى ترجيح مصلحة ساكنة مدينتها أن تسارع إلى إنهاء الصراع الداخلي للمجلس ليس فقط مع مستشاري المعارضة، بل امتدت شرارته حتى إلى مستشاري حزبها الذين ما انفكوا يعبرون عن استنكارهم وتنديدهم بطريقة تسييرها، إلى درجة رفع عريضة ضدها؟ ثم لماذا ظلت مصرة على ركوب رأسها وغير عابئة بما يمكن أن تعرض إليه حزبها من فقدان عمودية الرباط، إذ رغم دخول رئيس الحكومة عزيز أخنوش على الخط، باعتباره رئيسا للحزب، ومحاولة إيجاد مخرج للأزمة القائمة بمعية بعض قيادات الحزب، فإنها أبت إلا أن تتوجه نحو مزيد من التصعيد، مما ساهم في تصدع الأغلبية داخل المجلس؟
إن ما حدث من أزمات متتالية سواء في مجلس مدينة الرباط أو في قطاع التعليم أو في مؤتمر حزب الأصالة والمعاصرة وتأخير عقد مؤتمر حزب الاستقلال وقضية “إسكوبار الصحراء”، بفعل افتقار الكثير من مدبري الشأن العام والفاعلين السياسيين إلى الحكمة والاستقامة والنزاهة وبعد النظر، يؤكد أن بلادنا تعيش حالة من أزمة النخب الحزبية، في ظل عدم ترشيح الكفاءات القادرة على التسيير وقيادة قطار التنمية في الاتجاه الصحيح، وإلا ما كان لعاهل البلاد محمد السادس التنبيه لذلك في رسالته السامية الموجهة لأعضاء مجلسي النواب والمستشارين خلال تخليد الذكرى الستين لتأسيس أول برلمان، والدعوة إلى الرفع من جودة النخب البرلمانية والمنتخبة.