هل هي مجرد كذبة أبريل؟!
اسماعيل الحلوتي
في خضم مسلسل ارتفاع الأسعار المتواصلة حلقاته منذ شهور، والذي انعكست آثاره سلبا على غالبية المواطنات والموطنين، سواء منهم المنتمون للطبقات الفقيرة وذوو الدخل المحدود أو للطبقات المتوسطة، ولاسيما في هذا الشهر الفضيل رمضان حيث تتضاعف المصاريف اليومية. وفي الوقت الذي مازالت آلاف الأسر المغربية الفقيرة تنتظر حدوث “معجزة” للاستفادة من الدعم الاجتماعي المباشر، وإن كانت تعلم مسبقا أنه حتى في حالة ما إذا تحقق حلمها وحصلت على تلك ال”500″ درهم في الشهر، فإنها لن تكون كافية للتخفيف عنها من أعباء الحياة وتكاليفها.
أبت بعض الجهات إلا أن تروج أخبارا زائفة عن استعداد حكومة عزيز أخنوش التي ما انفكت تتحدث بإسهاب وفي أكثر من مناسبة عن شروعها في إرساء أسس الدولة الاجتماعية، للزيادة في سعر “البوطاغاز” بما قدره 10 دراهم دفعة واحدة ابتداء من فاتح أبريل 2024 ليقفز بذلك ثمن القنينة من فئة 12 كيلو غراما إلى 50 درهما عوض أربعين فقط، وهو ما من شأنه الإسهام في تعميق جراح المكتوين بنيران الغلاء الفاحش، ومعهم أولئك الذين تم استبعادهم من الدعم المادي المباشر…
ذلك أنه بينما كان الحديث يدور بحنق ومرارة حول إقدام السلطات على توقيف “الدعم المباشر” لعدد من الأسر المغربية الفقيرة، ويتساءل الكثيرون منهم عن المعايير المعتمدة في انتقاء الفئات المستهدفة، خاصة منهم أولئك الذين فوجئوا بإشعارات على المنصة الخاصة بالدعم، تخبرهم من خلالها برفض طلباتهم واستبعادهم من قائمة المستفيدين، تحت ذريعة عدم توفرهم على شروط الاستفادة وفق معايير جديدة بما في ذلك امتلاكهم لقنينة غاز ذات الحجم الكبير وهاتف نقال، بعد أن كانوا يستفيدون منذ نهاية شهر دجنبر 2023، مما أثار حالة من السخط وموجة عارمة من الغضب…
فإذا بمعظم المغاربة يتفاجؤون بعزم الحكومة تنفيذ وعدها في رفع الدعم تدريجيا عن غاز البوتان، عبر تفعيل قرار الزيادة في سعر “قنينة الغاز”، ليصبح ثمن “البوطاغاز” من فئة 12 كيلوغراما هو 50 درهما. وهو ما اعتبره البعض هدية مسمومة في هذه العشر الأواخر من شهر الغفران رمضان، خاصة أنه سبق للحكومة أن أعلنت عن هذا القرار ضمن إجراءات التقليص التدريجي لنفقات دعم الدولة. بيد أنه لم يلبث أن اكتشف المواطنون بأن الأمر لا يعدو أن يكون “كذبة أبريل”، بعد أن مر اليوم الأول من شهر أبريل بسلام، وبقيت “البوطاغاز” في مكانها دون أن يصيبها ما يجعلها تحلق بهم بعيدا في الهواء.
وهنا كان لا بد من التساؤل حول ما إذا كان أمر الزيادة في “البوطاغاز” مجرد “كذبة أبريل”؟ يبدو أنه ليس كذلك، وإنما يرجح أن يكون “بالون اختبار” مادامت الحكومة أعلنت في وقت سابق عن نيتها في إنهاء مرحلة استفادة الجميع من دعم “البوطاغاز”، رافضة أن يستمر الأغنياء في شراء قنينات الغاز بنفس الثمن المخصص للفقراء، وهو ما أكده رئيسها عزيز أخنوش عندما كشف في أواخر شهر أكتوبر 2023 إبان مداخلة له أمام أعضاء البرلمان في جلسة عمومية مشتركة بين مجلسي النواب والمستشارين، عن عزم حكومته إقرار العمل بالسجل الاجتماعي الموحد وصرف الدعم المباشر للأسر المستحقة، موازاة مع الشروع في الإلغاء التدريجي للدعم المخصص لقنينات الغاز مع مطلع شهر أبريل 2024، وأضاف قائلا بأن “البوطا” التي تباع للمستهلك ب”40″ درهما حاليا، يصل سعرها الحقيقي إلى 130 و140 درهما، وهو ما تضطر معه الدولة إلى أداء الباقي من الميزانية العامة.
وبالرغم من كون الزيادة في أسعار قنينات الغاز لم تدخل حيز التنفيذ صباح يوم الاثنين فاتح أبريل 2024 كما كان مبرمجا لها بعد المصادقة على قانون المالية برسم سنة 2024، ومن أن حالة من القلق والتوجس استبدت كثيرا بالمواطنات والمواطنين، في ظل ما رافق ذلك من صمت حكومي رهيب، فإن هذا لا يعني أن الحكومة ستتراجع عن قرار الرفع التدريجي لدعم غاز البوتان ومن ثم الزيادة في سعر “البوطاغاز”، وإنما أرادت فقط تأجيل ذلك إلى حين نهاية شهر رمضان وصدور قرار حكومي رسمي، تفاديا لكل ما من شأنه أن يتسبب في إثارة المزيد من الاحتقان وتهديد الاستقرار والسلم الاجتماعي…
إننا لا نعترض عن الزيادة في سعر “البوطاغاز” بشكل تدريجي إلى أن يصل 70 درهما سنة 2026، مادام الهدف هو إلغاء صندوق المقاصة وسد قطع الطريق أمام كبار الفلاحين والأثرياء الذين يقدمون على شراء أعداد كبيرة منها بنفس ثمن الفقراء، بيد أننا نرفض بشدة حرمان آلاف الأسر الفقيرة من الاستفادة من الدعم الاجتماعي المباشر بدعوى ارتفاع “المؤشر”، ونطالب بإعادة النظر فيه حتى تعم الفائدة على قدم المساواة بين كافة المستحقين، والزيادة العامة في أجور الموظفين والعمال ومعاشات المتقاعدين، الذين لا نعلم الجهة التي تصر على إقصائهم عند إقرار أي زيادة مهما كانت جد هزيلة.