ما هدف الولايات المتحدة من وراء جائزة “نساء الشجاعة”؟
بسم الله الرحمن الرحيم
ما هدف الولايات المتحدة من وراء جائزة “نساء الشجاعة”؟
الحسن جرودي
طالعتنا بعض وسائل الإعلام في الأيام الأخيرة، بخبر مفاده تتويج الولايات المتحدة الأمريكية للمغربية رابحة الحيمر بجائزة “نساء الشجاعة” أو “المرأة الشجاعة”، حسب الترجمة (The Women Of courage) ، وبما أنني لم أسمع بهذه الجائزة من قبل، فقد دفعني فضولي للبحث عن طبيعتها، وعن المؤهلات التي يتطلبها الترشيح لنيلها، وبفضل محرك البحث غوغل، علمت أنها تأسست في اليوم العالمي للمرأة لسنة 2007 من قبل وزارة الخارجية الأمريكية، في عهد الوزيرة السابقة كوندوليزا رايس، وتُمنح لاثنتي عشر امرأة من اللواتي “يُظهرن القيادة والشجاعة والحيلة والاستعداد للتضحية من أجل الآخرين، وخاصة لترويجٍ أفضل لحقوق المرأة في جميع أنحاء العالم”، غير أني لم أجد شيئا يُذكر بخصوص كيفية الترشُّح لها، ولا عن المؤهلات المشترطة في السيرة الذاتية للمترشحة، مما اضطرني إلى افتراض إمكانية استنتاجها من المسار الذي سلكته رابحة الحيمر، لكني لم أجد فيه شيئا مما له علاقة بالمراحل المتعارف عليها للضفر بجائزة من الجوائز، وكل ما يمكن استنتاجه هو أن القرار اتُّخذ بالقنصلية الأمريكية بطنجة، التي كانت تشتغل بها من خلال “تقدير مجهوداتها التي بذلتها حتى حُكِم لها بثبوت نسب ابنتها لأبيها”، والمثير للانتباه في عدد من المقالات التي تطرقت للموضوع، هو حصر معاناة رابحة في سببين اثنين: الأول هو تزويجها وهي قاصرة – أربعة عشر سنة- والثاني هو أن زواجَها كان عن طريق الفاتحة دون أن يتم توثيقه. وجدير بالذكر أن قناة ميدي 1 تيفي قامت باستضافتها عقب تسلمها “للجائزة”، وأثناء إجابتها عن أسئلة مُحاوِرَتِها التي كان الإعجاب باديا على محياها، صرحت بأنها بعدما وضعت طفلتها، وتركتها لأبويها في القرية لتربيتها، غادرت بمساعدة أحد أقاربها للاشتغال خادمة في البيوت بالدار البيضاء، أين عَرضت قضيتها على إحدى الجمعيات النسائية، وأين التقت بمخرجة بريطانية، قامت بتحويل قصتها إلى فيلم تم عرضه بالقناة الثانية في وقت سابق.
ودون الخوض في حيثيات الحكم الذي أثبت نسب ابنتها لأبيها، والذي تزامن مع صدور مدونة الأسرة لسنة 2004، وما يمكن أن يرافقها من تأثير على القضاة، على غرار ما وقع في قضية اغتصاب “طفلة تيفلت” التي حكمت فيها المحكمة الابتدائية على المتهم الرئيسي بسنتين سجنا، والذي حولته محكمة الاستئناف إلى 20 سنة بعد ضغط كل من وزير العدل، وعدد من الجمعيات النسائية المعروف توجُّهها، بغض النظر عن كل هذا، فإن الحكم في حد ذاته أمر جد إيجابي لا يمكن إلا يتم تثمينه، لكن أن يبلغ حد تسليمها جائزة “نساء الشجاعة”، وأن يتم الحرص على أن تُسلَّم لها بيدي كل من زوجة الرئيس الأمريكي، ووزير خارجيتها، بحضور السفير المغربي بنيويورك، ثم يُتبع ذلك بالاحتفاء بها في المفوضية الأمريكية بطنجة، بحضور السفير الأمريكي بالمغرب، ومديرة المفوضية الأمريكية بالمملكة، ومجموعة من المسؤولين المغاربة، فإن الأمر يدفع إلى التساؤل عن سبب أو أسباب كل هذا الاهتمام المبالغ فيه، خاصة وأن المغرب، إن لم يكن العالم بأكمله، يعج بنساء يعانين بما هو أقسى مما عانته رابحة، ويواجهنه بشجاعة لا تقل عن شجاعتها.
ومن بين الأسئلة التي تزاحمت في ذهني وأنا أتصفح مختلف المواقع التي تناولت فوز رابحة بهذه “الجائزة” أذكر ما يلي:
أليس لنا وزارة تسمى ” وزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة”؟ ألم يكن جدير بها تخصيص جوائز وطنية لأمثال رابحة، وغيرها من النساء اللواتي يكافحن دون كلل ولا ملل، وفي ظروف جد صعبة لضمان حد أدنى من العيش الكريم لأسرهن؟
هل كان من الضروري القبول بهذه الجائزة في هذا الوقت بالذات؟ علما أن شجاعة الفلسطينيات التي لا تُقارن بشجاعة أية امرأة في العالم، ومع ذلك فإن الولايات المتحدة الأمريكية استرخصت فيهن حتى حمايتهن وحماية ابنائهن من التقتيل والتنكيل اليومي، بل بالعكس من ذلك، استعملت الفيتو لأكثر من مرة للحيلولة دون قرار وقف إطلاق النار، لتستمر بذلك معاناتهن، والتي لا زالت مستمرة، حتى بعد صدور القرار الذي لم يكن سوى حبرا على ورق، ما دامت الولايات المتحدة غير عازمة على تجسيده.
هل من الضروري الركوب على معاناة هذه المسكينة، والاستشهاد، على الرغم من كونها أمية، بتصريحاتها التي أصبحت “تكتسي أهمية بالغة” في شأن قضية زواج “القاصر”؟ وهي القضية التي تدخل في صميم اختصاص علماء الشريعة، وعلماء الاجتماع، بالإضافة إلى القضاة، وغيرهم ممن يوثَقُ في تقديرهم لمصلحة المسماة قاصرا.
ألم تكن هذه “الجائزة” مناسبة لتقديم فروض الطاعة والولاء للذين يخططون لعلمنة المغرب؟ خاصة وأن كلمة السفير المغربي بالولايات المتحدة تسير في هذا الاتجاه، وإلا فما معنى، أن يصرح عقب حفل تسليم هذه الجائزة الذي تم تنظيمه في البيت الأبيض، “بأن دستور2011، الذي ينص على المساواة بين الرجال والنساء في كافة المجالات، كرس خيار المغرب، الذي لا رجعة فيه، لفائدة الحقوق والحريات الأساسية.”
ما معنى أن يُحتفل برابحة من قبل المفوضية الأمريكية بعد رجوعها من واشنطن؟ أهي مواطنة مغربية أم مواطنة أمريكية؟ فإذا كانت لهذه الجائزة قيمة وطنية أو لنقل حداثية، فلماذا لم تحتفل بها الجمعيات الحداثية عوض المفوضية؟ أليست هذه سبة في حقهن وفي كل حق كل من يعتبر هذا الحدث جائزة مُستحقَّة؟
لماذا يتم استثناء الدول الغربية بهذه الجائزة؟ في الوقت الذي يتم التركيز فيه على الدول النامية، وعلى الدول الإسلامية بالخصوص؟ ذلك أنه منذ إنشائها سنة 2007 إلى حدود 2023، لم تمنح سوى مرة واحدة سنة 2016 لفرنسية من أصول مغربية، وأعتقد أن الإجابة واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار، خاصة إذا علمنا أن من بين المستفيدين من “الجائزة” متحولون جنسيا، أمثال الماليزية نيشا أيوب سنة 2016 المعروفة بدفاعها عن حقوق المتحولين جنسيا الذين يتعرضون للاضطهاد في ظل الشريعة الإسلامية في مختلف مناطق ماليزيا حسب زعمها، وأمثال الأرجنتينية ألبا رويدا المعروفة بدفاعها عن المثليين سنة 2023…مما يدل على أن المسماة “جائزة نساء الشجاعة ” تهدف بالأساس إلى محاربة كل القيم الفطرية التي تتصدرها القيم الإسلامية.
ألا يُعتبر منح رابحة هذه “الجائزة” وسيلة لشرعنة استغلال مأساتها، بهدف محاربة الزواج الشرعي، ومن ثم فتح الباب أمام إلحاق أبناء الزنا بآبائهم البيولوجيين، بالمرور عبر بوابة زواج الفاتحة وزواج القاصرات؟ ذلك أن ما وقع لرابحة وهي قاصرة – مع العلم أن ذلك حصل برضى والديها- يمكن أن يقع لأية فتاة قاصرة أو بالغة، في حالة حملها عن طريق علاقة غير شرعية، وهنا بيت القصيد، ذلك أنه إذا كانت الشريعة قد حسمت مع هذا النوع من العلاقات بتحريمها تحريما قطعيا، فإن حل المشكل بالنسبة للمدافعين عن العلاقات الزنائية المسماة زورا رضائية، يمر عبر احتمالين لا ثالث لهما: إما الإجهاض، إما إلحاق المولود بأبيه البيولوجي، ولكلا الاحتمالين نتائج وخيمة على الأسرة وعلى تماسك المجتمع.
في الختام لا يسعني إلا أندد بهذا النوع من الممارسات، التي تعتمد الجوائز طُعْما لاصطياد طرائدها مع العمل على ملاءمة الطعم لنوعية الطريدة، ليبقى في الأخير الهدف واحدا، ألا وهو خدمة الأجندة الغربية التي تتصدرها الولايات المتحدة والدائرين في فلكها، ومن ثم فلا فرق بين “جائزة المرأة الشجاعة” التي مُنحت لرابحة، وجائزة الغونكور الفرنسية، التي مُنحت للطاهر بنجلون عن روايته “ليلة القدر” التي تضرب الإسلام في العمق، ولا حتى بين جائزة نوبل في الآداب، التي مُنحت لنجيب محفوظ الذي لم تَخْلُ رواياته من التطاول على الذات الإلهية، كما في روايته “أولاد حارتنا”، وعليه فإني أزعم بأن المغاربة لا يشرفهم الحصول على “جائزة” يوجد من ضمن الممنوحة لهم عدد كبير من الشواذ والمتحولين جنسيا. لقد كان على المسؤولين الذين يُفترض فيهم الدفاع عن الثوابت المغربية، إلزام رابحة بالتخلي عن الجائزة الطعم، على غرار ما قامت به الحقوقية الأردنية هديل عبد العزيز التي تخلت عن الجائزة التي مُنحت لها سنة 2023، والتي صرحت بأن ذلك جاء نتيجة “موقف الإدارة الأمريكية من العدوان الإسرائيلي على غزة، البعيد جدا عن قيم الشجاعة والعدالة والدفاع عن حقوق الإنسان”. وذلك أضعف الإيمان.