فوائد الخرجات التربوية
ذ. محمود بودور
تعتبر الخرجات التربوية أو الرحلات التربوية الميدانية جزءا أساسيا من التجربة التعليمية الناجحة وفق الأدبيات التربوية الحديثة.
فهي تكسب المتعلم فرصة اكتشاف أماكن وثقافات وأفكار خارج الفصول الدراسية التقليدية من خلال الوقوف على تجارب وأشياء جديدة وأماكن حقيقية يرونها رأي العين كمعارض العلوم التي يقف فيها التلاميذ على تجارب علمية من تنظيم أقران لهم أو مختصين في المجالات العلمية.
كما يمكن للخرجات التربوية أن تمكن التلاميذ من التعرف على ثقافات مختلفة على ثقافتهم وبالتالي تساهم في توسيع آفاق تفكيرهم وتكسبهم مهارة التواصل مع الآخر وتقبل الاختلافات.
الخرجات التربوية تحسن أيضا من مهارات التلاميذ الاجتماعية. فهي فرصة لتواصلهم المباشر مع الآخرين بعيدا عن الفصول الدراسية. هذا التواصل الحقيقي ينمي قدراتهم التواصلية والتفاعلية الفردية والجماعية ليكسبهم في الأخير مهارات قيادية تقوم على القدرة على حل المشكلات والصعوبات والمهارات الحياتية الأخرى. هذه المهارات من أهم ما يحتاجونه في التعامل مع تحديات مستقبلهم الشخصي والمهني.
الخرجات التربوية قد تحسن أيضا من قيمة الثقة بالنفس وثقافة الاعتماد على الذات من خلال التشجيع على الخروج من منطقة الراحة. هذا ما يمكن أن يكتسبه المتعلمون مثلا أثناء المخيمات المدرسية. حيث يدرب المتعلم على خدمة نفسه بنفسه في المأكل والمشرب والملبس ومكان نومه. كما يمكنه اكتشاف مناطق غير مألوفة لديه تزيد من شجاعته وثقته بنفسه. وقد يتعلم مهارة السباحة والرسم والأناشيد والمسرح في المخيمات الصيفية الشاطئية والجبلية. وقد يتمكن من اكتشاف مواهب لديه لم تكن في حسبانه.
الخرجات التربوية تنمي الأداء الأكاديمي للتلاميذ. فزيارة مكان تاريخي لأستاذ مادة التاريخ والجغرافيا مع تلامذته وأستاذ العلوم الطبيعية لمكان طبيعي لاكتشاف الصخور والمستحثات والحياة البرية والمائية لها وقع كبير على نفسية المتعلمين وأدائهم العلمي. كما يتدربون على مهارة كتابة التقارير الوصفية والمقالات العلمية والأدبية من خلال التفاعل مع العالم الخارجي والمساهمة في ترسيخ المعارف التي يتلقونها في فصولهم الدراسية. ففي بعض الدول المتقدمة تبرمج المدرسة خرجات استكشافية لمختلف مناطق البلاد. ولا يكاد التلميذ ينهي مشواره الدراسي حتى يكون قد زار واكتشف مختلف مناطق ومدن بلاده اكتشافا حقيقيا وليس خياليا على الخريطة فحسب. .
الخرجات التربوية فرصة لغرس ذكريات قد تدوم مدى الحياة. هذه الذكريات قد تصبح محفزا ودافعا فعالا لمواصلة التعلم والنجاح . كما يمكن لهذه الذكريات أن تكون مواد خصبة لتقاسمها مع العائلة والأصدقاء مما يحفز من العلاقات ويزيد في متانتها. فلا زال الكثير منا يتذكر تفاصيل خرجة تربوية مرت عليها سنوات طويلة من حياته ولا يزال ربما يحدث بها كلما سنحت الفرصة بذلك لأصدقائه وأولاده.
الخرجات التربوية فرصة لتمتين قيم التضامن والتآزر والعمل التطوعي. فخرجة إلى دور الأيتام والعجزة أو مراكز الاستشفاء أو الجمعيات الخيرية التي تقوم بخدمة المجتمع ودعم الفئات الهشة قد تسهم بشكل كبير في تكوين جيل جديد حريص على استمرارية قيمنا الدينية والوطنية التي تساهم في بناء وطن متماسك ومتضامن تسوده قيم وأخلاق تسهم في بناء صرح ومجد وطن متمدن ومتحضر.
وفي الأخير يمكننا أن نجمل أن للخرجات التربوية فوائد كثيرة في الحياة التعليمية للمتعلمين. فهل يفكر المسؤولون في جعلها جزءا لا يتجزأ من العملية التعليمية التعلمية في مختلف مراحلها؟ وهل تصبح جزءا من مشاريع المؤسسة التربوية التي لا زالت في غالبتها حبيسة أسوار المؤسسات التعليمية؟ وهل تمكن هذه المؤسسات في يوم من الأيام من الوسائل المادية والمالية و اللوجيستيكية لتغطية هذه الخرجات التربوية؟ وهل تفكر الوزارة في إصدار التشريعات والقوانين التي تشجع وتحفز المؤسسات التعليمية على الانخراط في الأنشطة غير الصفية مع الضمانات الضرورية التي تحمي وتؤطر هذه الأنشطة والمشاركين فيها ؟
ذ. محمود بودور
وجدة في 13 أبريل 2024