جناح الخزف…ايام زمان بسوق جماعة سيدي لحسن
محمد شحلال
كان السوق الأسبوعي ببلدة ،،سيدي لحسن،،من أشهر الأسواق الجهوية في الماضي،حيث ظل يحتكر فضاء القوى الشرائية المحتملة- بلغة الاقتصاد-مما جعله مقصدا لكل الفبائل المتناثرة في المنطقة،ناهيك عن التجار الوافدين من المدن القريبة.
كانت السلع الرائجة في زمن طفولتي والتي ،،يناضل،،من أجلها السواد الأعظم من المتسوقين،تكاد تنحصر في السكر والشاي ،وبعض الملح الخام،ثم قنينة من الغاز السائل لتشغيل قنديل الإنارة الأسطوري قبل أن ينتقل الباحثون عن الترقي الاجتماعي، إلى اقتناء نوع من المصابيح التي صنعتها ألمانيا لفائدة،،المعذبين في الأرض،، وكانت قاعدتها تحمل علامة الجرمان التجارية :Made in Germany !
كان اقتناء السكر والشاي، قد تحول إلى بند ثابت في حاجيات البدو،لكن ذلك لا يسوغ معه أن ننسى متاعا لا حياة بدونه للعوائل، وأعني إناء الخزف المعد لطهو الخبز،والذي كان يصل بعد سفر مضن من مشارف مدينة العيون إلى سوق بلدتنا عبر جبال،،دادة علي،، ووادي،،زا،،أو ،،الوادي الحي،،.
كان هذا المصنوع الخزفي يحظى برعاية خاصة من ربة البيت،ذلك أنه يؤدي وظيفة لاغنى عنها،وكل عطب يصيبه،يعني توقف تحضير الخبز والتعرض لعقوبات لفظية جارحة في حق الفاعلة بل ،وتعنيف قاس في معظم الحالات.
وبسبب هذه المكانة التي يحظى بها،،بوغروم،،باللغة المحلية،فإن ربات البيوت،كن يخصصن له جناحا منيعا في الخيمة يقيه من الإصابة أو البلل،ولا تفارقه قطعة القماش المسودة التي يحمل بواسطتها والتي تعرف ب،،أسواي،،.
وإلى جانب تحضير الخبز،فإن،،بوغروم،،كان يستخدم لتحضير عجة لا يفوز بها إلا معظم الضيوف أو الأبناء الذين تميزوا بتحقيق إنجاز يسترعي الاهتمام.
وبما أن تعطل ،،بوغروم،،كان نذير شؤم للنساء،فإن الجدات كن قد أعددن للخلف من بناتهن ،وصفة الإصلاح التي تتمثل في الجبر عبر طحال الشياه قبل أن يتولى بعض الرجال رتق الكسر بواسطة أثقاب متقابلة تجمع بينها أسلاك حديدية تخفف من حدة المصاب.
اشتهرت صناعة الخزف المتمثلة في ،،بوغروم،،كمتاع أساسي ،ثم بعض الأوني الأخرى لتجميع اللبن وزيت الزيتون، بين أهالي دوار يدعى :،،اث علي،، الذين يعرفون بين أهالينا ب،،إعوشيظن،،وكان هؤلاء الناس يتحملون مشاق يصعب وصفها خلال مراحل إعداد الأواني الخزفية،ثم أثناء رحلة نقلها إلى سوق بلدتنا عبر الدواب ،حيث لا تخلو الرحلة المضنية من خسائر عند تعثر الدواب أونزول أمطار مفاجئة.
لقد تعرضت صنعة الخزف لمنافسة شرسة حينما ظهرت في السوق أوان حديدية بديلة تتميز بصلابتها وقدرتها على الصمود، والقيام بأدوار جديدة لا يقوى عليها الخزف،وهو ما لم تتأخر نتائجه على الصناع من ،،اث ثعلي،،الذين أوقفوا كل علاقة لهم بسوق بلدتنا بعدما بخست سلعتهم،ولم يعد الجيل المعاصر يعرف أو يسمع عنهم مثلما كان الحال مع بعض المصنوعات المحلية التي كان يعج بها هذا السوق،وكلها مصنوعات يدوية من مادة الحلفاء التي كان من ضمنها برادع الدواب وغيرها من أدوات تخزين الحبوب أو ما يستجيب لحاجيات الفلاحين.
تناولت الشاي كالعادة ،صباح اليوم بأحد مقاهي السوق التي خرجت عن المألوف،حيث استبدلت الحصير بالكراسي،وكانت فرصة لأدل أحد الشباب على بعض أجنحة السوق التي لم يعايشها،إلى أن توقفت ب،،الرحبة،،التي كان يستأثر بها،،اث علي،،ذات زمان لعرض إبداعاتهم الخزفية،والتي كان المتسوقون يصطحبون إليها نساء ممن رفع عنهن مانع دخول السوق لاختيار،،الماعون المناسب،،بالاصطلاح اللبق، و،،بوغروم،،باللغة العارية من التصنع !
لقد أصبح جناح الخزف قفرا،وصار المجال مفتوحا أمام الكلاب المتجولة، لتتخذه مراحا، وهي التي دأبت على ارتياد السوق لتجرب حظها مع الجزارين الذين يجهزون على ما بقي من ماعز، لعلهم يجودون عليها ببعض ما لا يباع، لتكون الغنيمة من نصيب الأقوياء،بينما يعود الضعفاء من هذه الحيوانات بجروح دامية تجر عليها عقابا إضافيا من مالكيها الذين يعيبون عليها ضعف الأداء، والتسلل إلى السوق في غفلة عنهم.
انقطعت صلة ،،اث علي،،بسوق بلدتنا،وغابت مصنوعاتهم اليدوية،لكن جيلنا لن ينسى فضائل هؤلاء الناس على أهالينا البسطاء، الذين وجدوا في الأواني الطبيعية، وسيلة مثلى لادخار زيت الزيتون والسمن والعسل،ناهيك عن،،ثيغويا،، ج.ثاغويث،،وهي جرة خاصة لترويب الحليب لم يخل منها بيت ذات زمن وكان الطلب عليها يبلغ أوجه منذ حلول فصل الربيع،فمتى تتوقف الة التحول المتسارعة التي شملت المادة والإنسان ؟….