كواليس أمازيغية بلدتي
محمد شحلال
لا امتلك أدوات البحث الانتروبولجي اللازمة للخوض في نشأة اللغة الأمازيغية،لكنني أقر مقابل ذلك ، بوجود اختلاف في فروعها التي لا شك أنها تعود لأصل واحد.
وهكذا،ومن باب الإنصاف،فإن اللغة السائدة بين أهالي بلدتي وإن كانت تتيح التواصل المطلوب في كل مناحي الحياة،فإنها تعاني من شح في بعض المصطلحات وتوفير كل أساليب التعبير، بالمقارنة مع أمازيغية الأطلس وسوس والريف،حيث ينفرد أبناء هذه المناطق بميزة الغناء عبر هذه اللغة التي تجعلهم في غنى عن الاقتباس من اللغة الدارجة،وهي ظاهرة نلمسها لدى أمازيغ الشرق المغربي بصفة عامة مع استثناءات بسيطة، لا تخلو من تصنع حينما يحاول البعض تقويل هذه اللغة ما لم تقله في الماضي.
وقبل تقديم نماذج من الثروة اللغوية في أمازيغية بلدتي،فإنه لا بد من الإشارة إلى وجود تفاوت في اللغات المتداولة في الجهة الشرقية،بل بين لغة قبائل متجاورة.
إن أهالي بلدتي يستعملون حروفا لا توجد في لسان غيرهم،والعكس صحيح،حيث إن الحرف الموجود في الكلمة الأمازيغية التي تطلق على ما يعرف عند العاربة ب،،التليس،،لا يمكن كتابته إلا بحرف بديل يسمح بتقريب المعنى ،إذ يعوض بحرف،،الشين،،لنقول عن،،التليس،،بالأمازيغية: ساشو.
وبناء عليه،فإن حرف،،الشين،، ينوب عن الحرف المتعذر في الكتابة في كل الكلمات التي يحملها والتي لا حصر لها من قبيل: أمشان للمكان وجمعه : إموشان و،،أمشلي،،للغذاء وجمعه : إمشليون …الخ.
لقد عمد أبناء قبيلة،، بني شبل،،المجاورة،إلى توظيف حرف الشين وتفادوا بذلك الحرف الذي مازال صامدا في بلدتي،وكذلك ينطبق الأمر على قبيلة ،،بني بوزكو،،،بينما يقاسمنا ،،بنو يزناسن،،توظيف الحرف العنيد،حيث يعتقد بعض الرواة بأن قبيلتنا إنما انفصلت عن بني يزناسن وظلت هذه القواسم مشتركة،والله أعلم.
وبعد هذه،،الفذلكة،،فإني أود عرض نماذج مما يعتبر في- نظري على الأقل- دليلا على أصالة اللغة الأمازيغية وليست مجرد لهجة كما يورد بعض المستخفين بها إيثارا منهم للعربية التي نعتز بها جميعا ، ولا ينبغي أن تشكل عامل صراع في وطن غني بالتنوع العرقي والحضاري.
يعتبر البيدر من المصطلحات المشتركة بين أمازيغ المغرب،حيث يطلق عليه : أرنان،لكن الخلاف لا يتأخر عند جمع هذه الكلمة،حيث تصبح ببلدتنا : إنورار،بينما يكتفي الاخرون بإضافة علامة الجمع فيقولون: إرنانن،التي تعتبر عند فطاحل أمازيغية بلدتي حلا متسرعا ويحرصون على التمسك ب ،،إنورار،،لبلاغتها !
ولعل النموذجين اللذين يعززان هذا الرأي،هو كلمة : أمجر( المنجل) التي تحمل ذات الاسم عند كل الأمازيغ،لكن أهالينا يجمعون الكلمة على: إيميران بينما تجمع عند اخرين على : إيمجران !
وإلى جانب الاختلاف في جمع بعض الكلمات،فإن أمازيغية البلدة عندنا تنفرد ببعض التقابل مع العربية الفصحى خاصة في بعض القضايا اللغوية، مثل الكلمات التي لا مفرد لها من لفظها ،أو تتغير تماما عند الجمع من قبيل : ثامطوث( المرأة) التي تصبح عند الجمع : ثيفراخ،و،،ثيخسي،،( النعجة) التي تصبح : أولي بتشديد اللام وإن كان أهل سوس والريف يقولون : ثيخسوين عند الجمع،أما المثال الاخر،فهو التغير الذي يحصل في مجال الخيل،فالفرس التي هي: ثايمارث،يصبح جمعها : ثيغالين بتشديد اللام،بينما يجمع الخيل بذكوره وإناثه في كلمة: الكوم( الكاف معجمة)!
ولا يتوقف الأمر عند هذه النماذج في حالة الجمع وما يحصل من تغيير في بنية مفرده،وهكذا تصبح كلمة : أزطا بتشديد الطاء والتي تعني : المنسج عند الجمع : إزظوان،كما تجمع اللفة الأولى في هذا المنسج التي تعرف ب: ثيدي بتشديد الدال،على: ثيدا .
وللمزيد من ،،المعارك،،اللغوية – محليا- فإنك تلاحظ بأن من جلس،يقال له : يقيم،لكن مصدر الفعل ( الجلوس) يصبح: أغيمي الذي يقال عنه في منطقة الأطلس : أقجذيم،والفأس التي تعرف عندنا ب : أيزيم بتشديد الزاي تجمع على إيزام،
بينما ينطقها اهل الأطلس : أليزيم،وبالمناسبة ،يحضرني بيت شعري اخرجه غاضب من أبناء هذا الأطلس حين اشتد غبنه فصاح:
اشين إفاسيين أغروم سوقجذيم،اشينت إمازيغن سلبالا ذوليزيم !( ومعذرة عن كل هفوة محتملة لأبناء الأطلس )!
حسبي من اسرار الأمازيغية وكواليسها ما تزاحم اليوم بذهني وقد اطلت المقام بمسقط الرأس،حيث تستفزني بعض بقايا الماضي،كما تستفزني اللغة الشحيحة التي تسود بين الساكنة ،وهي لغة فقدت كل مقومات بلاغتها وغناها،بل إن الأهالي يكتفون بما يضمن التواصل بأقل تكلفة،أما خزانتي من هذا التراث،فقد تحولت إلى مجرد مونولوغ صامت ربما يدخلني في عالم الدراويش الذين اختاروا العزلة ،وكان ،،المرحوم حمراش،،نموذا بارزا منهم في بلدتي،وكثيرا ما قصفتني به الوالدة- رحمها الله- على سبيل التشبيه وهي تمازحني حينما يطول غيابي،غير أن،،حمراش،، قد انفرد بحكمة ألهث وراءها لكني لم اظفر بها إلى الان !… محمد شحلال