إقليم خريبكة: العاصمة العالمية للفوسفاط ومنجم الذهب الأبيض يتعرض للتهميش والبطالة ويتعثر في التنمية
خريبكة: سعيد العيدي
نحو قرن و نيف من الزمن تمكن إقليم خريبكة باعتباره العاصمة العالمية للفوسفاط من الإسهام في توفير موارد مهمة من العملة الصعبة للاقتصاد المغربي وإنعاش أرصدة خزينة المملكة التي بلغت مبالغ قياسية عن طريق تصدير الذهب الأبيض “الفوسفاط” وبكميات مختلفة إلى دول القارات الخمس، وشكلت تحويلات الفوسفاط صوب المغرب أرباحا مهمة جدا خصوصا على مستوى دعم المشاريع والقيام بالاستثمارات الداخلية والخارجية و تمويل مشتريات المغرب من السوق العالمية، لكن يحدث كل ذلك بالرغم من تنصل الإدارة الشريفة للفوسفاط في المقابل من تحريك عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية المفروض فيها القيام به بمنطقة إقليم خريبكة التي تستنزف خيراته الظاهر منها والباطن ليل نهار وتصدر إنتاجها الخام من الفوسفاط عبر قطارات أو أنابيب باطنية بعيدة عن أنظار الساكنة تحمل ملايين الأطنان يوميا دون توقف وتردد، ودون كلل أو ملل، بجشع وطمع ودون حسيب أو رقيب، ودون استفادة حقيقية لساكنتها من عائدات الأرباح الطائلة التي تحققها والتي تعد بالملايير، ولو في حدودها الدنيا والمتمثلة على الأقل في تمكين أبنائها من التشغيل والاعتراف بهم كمنتجون نشيطون يستحقون الأجر العادل وكافة الحقوق الاجتماعية.
وأمام تجاهل إدارة المكتب الشريف للفوسفاط بخريبكة حيث تشتكي فئات واسعة من الشباب بالإقليم من الحكرة والبطالة والتهميش والإقصاء والغبن والحسرة من الوضع الاجتماعي المتردي والركود الاقتصادي جراء ما يحدث له من المجمع الشريف للفوسفاط الذي تنكر له وأخل بوعوده، حيث رفع يده وتنصل من التزاماته وترك المجال لشركات المناولة التي سمحت لمتقاعدي المكتب المذكور من إعادة تشغيلهم مجددا وحرمان الشباب من الولوج لعالم الشغل باعتبارهم المحرك الأساسي لعجلة التنمية.
وأمام تجاهل إدارة المكتب الشريف للفوسفاط بخريبكة أيضا لمطلب حق التشغيل الذي توقف لأكثر من 13 سنة ونيف(2011-2024)، أي منذ ما خلفته أحداث الثلاثاء الأسود 15 مارس 2011 من تشنجات واشتباكات وما تلتها من مسيرات واعتقالات ومحاكمات وتداعيات خطيرة حينما كانت خريبكة على صفيح ساحن وعلى فوهة بركان وكانت شرارة الأزمة تلوح في الأفق بسبب معاناة أبناء المتقاعدين والمتوفين المطالبين بتمكينهم من حقهم في العمل طبقا لقانون المناجم و لمقتضيات الفصل السادس من قانون مستخدمي المجمع الشريف للفوسفاط إذ من خلاله يجري تشغيل المستخدمين على الصعيد الوطني، لكن يمكن للمكتب الشريف للفوسفاط إعطاء الأسبقية للأعوان المشطب عليهم من السجلات من جراء تسريحات جماعية، ولأبناء الأعوان المتوفين في الخدمة، ولأبناء المتقاعدين، ولأبناء الأعوان العاملين إذا استوفوا شروط التشغيل المطلوبة. وخلالها أعلن المجمع الشريف للفوسفاط عن برنامج مهارات المجمع OCP SKILS الذي كان يتكون من ثلاثة محاور أساسية تتمثل في التوظيف والتكوين ومصاحبة حاملي المشاريع والذي تم تعويضه حاليا ببرنامج اكتفور كومنيتي Act4Community.
إن الوضع المتردي الذي خلفته إدارة الفوسفاط والسلطة المحلية يدفع يوما بعد يوم وسنة بعد سنة في اتجاه تهييج مشاعر الحقد الاجتماعي وفقدان الثقة في مؤسسات الدولة التي يفترض فيها حماية حقوق المواطنين بكل فئاتها وصونها بكل ما يقتضي ذلك القانون الذي يجعل كل الأشخاص الذاتيين والمعنويين سواسية، لقد غدا حال أبناء متقاعدي الفوسفاط دلالة قاطعة على البون الشاسع بين الخطاب الرسمي الزائف وبين الواقع اليائس الذي تتجرعه هذه الفئة بمرارة وعلى مدار الأيام.
والحقيقة أن ما قامت به إدارة الفوسفاط هو محاولة يائسة للتنصل من تشغيل المزيد من العمال، ويدخل ذلك ضمن مخطط جهنمي بتوجيهات من دوائر أجنبية وضمنها صندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية، ويهدف إلى التقليص من العمال إلى أقصى الحدود، وهو ما تشهد عليه زيارة وفود أجنبية لمواقع الإنتاج وقيامها بعمليات قياس المدد الزمنية التي تستغرقها العمليات الإنتاجية، وهي عمليات ظاهرها عقلنة الإنتاج والتقليص من كلفته، لكن الجوهري فيها هو تمهيد الطريق لشركات أجنبية ومحلية للقيام ببعض الأشغال والعمليات تحت ستار المناولة، وقد سبق أن أجريت نفس الطريقة بالمكتب الوطني للسكك الحديدية ولم تؤد إلا إلى الرفع من تكلفة الخدمات بدل تخفيضها وإلى رداءتها مقارنة مع السابق.
ومنذ أن فوتت مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط (م.م.ش.ف) مجموعة من خدماتها ومهامها إلى ما يسمى بالمقاولة المناولة، أغلقت أبواب التوظيف وأصبحت تتعامل مع المقاولات وفق دفتر للتحملات، لكن مقاولات المناولة (آنسي ماروك، كلونيت، داتا، سميسي/ ريجي SMESI /REGIE وغيرها…) التي تقوم بمجموعة من الخدمات، من نظافة وحراسة وصباغة ونجارة وترصيص واستخراج ونقل للفوسفاط لها قوانين خاصة تسري في ظل غياب أي مراقبة أو محاسبة أو متابعة، حسب ما يقوله المستخدمون الحوفارا: (-الفوسفاط حفرناه حتى شي خير ما شفناه-).
هاته الشركة العملاقة (OCP) التي تعد دولة داخل دولة تريد مواصلة أرباحها باللجوء إلى شركات التشغيل المؤقت (شركات المناولة الوهمية أو مقاولات من الباطن التي أفرزت عدة اختلالات، والتي تأتي كنتيجة لجشع الرأسمالية المتوحشة ومؤسساتها والمقثاتين على فتاتها، والتي نجد تجلياتها الواضحة في نظام الخوصصة أو الخصخصة المقنعة في تدبير المرافق العمومية من خلال مؤامرات التدبير المفوض للتشغيل أساسا، الذي يستهدف الإجهاز على الحقوق التاريخية للعمال والعاملات، عبر استنزاف قوتهم وهدر طاقتهم والمنتشر مثل السرطان في شرايين كافة القطاعات الحيوية بالبلاد.
ناهيك على كون أن شركات المناولة تبقى مجرد شبابيك لأداء الأجور، بحيث استقدمتها الإدارة للقيام بتلك الأعمال وهذا يخصها لوحدها، أما العاملون بهاته الشركات فهم يعتبرونها شركات صورية لم تملك يوما ما، لا قرار التشغيل ولا قرار الفصل وكل شيء كان يتم بشكل مباشر من طرف إدارة الفوسفاط. والأدهى والأمر أنهم لا يعرفون أي شيء لاعن مالكيها ولا عن هياكلها الإدارية، ويعتبرونها وسيلة من وسائل التحايل على الحقوق، وربما غطاء تبحث من خلاله إدارة الفوسفاط عن إمكانية التوقيف والتشريد. ومن جهة أخرى يفترض في الإدارة الشريفة للفوسفاط أن تتحلى بالسياسة الشعبية في التشغيل وأن تكون مقاولة مواطنة تساهم بشكل فعال في التنمية البشرية المندمجة مع محيطها السوسيو اقتصادي. من هذا المنطلق فالروح الوطنية تقتضي ترسيخ العدالة الاجتماعية وعدم الاستهتار بخيرات البلاد، وتقتضي أيضا تمتع الشباب بحق الشغل و العيش الكريم وعدم الإحساس بالغربة في هذا الوطن نتيجة تفاقم الفوارق الاجتماعية الفاحشة مما تسبب في تهميش المنطقة وجعلها بؤرة للاحتقان مع تفشي ظاهرة الهجرة السرية غير الشرعية عبر قوارب الموت، وما صاحبها من ارتفاع حالات الانتحار، واستفحال ظاهرة التسول بسبب الفقر المدقع وظاهرة لارناك وامتهان الاتجار في الممنوعات (الإدمان عن تعاطي المخدارت- المنشطات- المهدئات – المهلوسات-البوفا- الخمور- ماء الحياة)- مثلا ما يحدث بوادي زم وبمنطقة جمعة أولاد عبدون- و نظرا لغياب المعامل والمصانع بالإقليم وبالمجمعات والوحدات الصناعية سواء المحدثة أو الممولة من قبل المجمع أو المجالس المنتخبة أو الغرف المهنية بجميع أصنافها لحلحلة المشاكل العالقة وامتصاص جحافيل البطالة والمعطلين بالإقليم. مع إعادة النظر في شركات المناولة المكلفة بأوراش المجمع التي ترفض تشغيل أبناء خريبكة، حيث ينبغي التأكيد في دفاتر تحملاتها على ضرورة تشغيل حوالي 50 في المائة من أبناء المنطقة.
وبما أن المكتب الشريف للفوسفاط ( Office Chérifien des Phosphates) يعد من بين أهم المقاولات الفاعلة في مجال التشغيل ببلادنا، وجب عليه الحرص كل الحرص على وضع الرأسمال البشري في صلب سياسته التنموية وإعطاء الأولوية في التشغيل لشباب المناطق التي تتواجد بها أنشطته المنجمية والصناعية قصد تحسيين قدراتهم المهنية وتأهيلهم لولوج سوق الشغل، مع تخصيص برامج لمواكبة حاملي المشاريع وتشجيع هؤلاء الشباب من خلال تقديم المساعدات التقنية والمالية لمشاريعهم ذات الجدوى الاقتصادية التي تم انتقاءها. ناهيك عن ضرورة تشجيع ودعم الشباب الذين قاموا بخلق مقاولات ذاتية من الظفر بجزء من صفقات المكتب وغيرها وذلك بعدم وضع العصا في العجلة رغم وجود المنصة الخاصة بالصفقات حيث يجد المقاولون الشباب صعوبات تقنية على مستوى بوابة الصفقات العمومية أو بروز اختلالات تحول دون فتح العروض المودعة بطريقة إلكترونية وتقييمها في التاريخ مما تحول دون مشاركتهم في أغلب الأحيان، مع الدفع بحالة القوة القاهرة بغية تغيير الشروط والمواصفات التقنية وذلك بالرغم من ضرورة إخضاع إبرام الصفقات العمومية للحكامة الجيدة.
ناهيك على أن شباب المنطقة كانوا يصطدمون بالمصير نفسه عندما يتقدمون لاجتياز امتحانات خارج المدينة من باب أنهم أبناء مدينة خريبكة عاصمة الفوسفاط، أصحاب رمز بطاقة التعريف الوطنية “ك/Q أو QA” يعانون مشاكل جمة في المباريات والامتحانات الوطنية وأنه من الأولى أن يشتغلوا بالمجمع الشريف للفوسفاط. فتفاقمت أزمة الخريبكيين، وذلك بانعدام فرص الشغل بالمنطقة وهو ما زاد الطين بلة وذلك من حدة أزمة التشغيل.
وفي إطار الاستغلال البشع للثروة البيئية والمائية بإقليم خريبكة من قبل المجمع الشريف للفوسفاط حيث وجب ربط المسؤولية بالمحاسبة وربط الإنتاج بالتنمية المستدامة عن طريق اهتمام المجمع بإعادة تأهيل مواقع استخراج الفوسفاط للحفاظ على البيئة منها تجنب ثلوث الهواء بسبب الغبار المتطاير على المساكن وتلوث الآبار بسبب تسربات مواد خطرة تستعمل في غسل الفوسفاط والمجتمعة في الأحواض المائية وتضرر المواشي واجتثاث الأشجار حيث وجب زرع أكبر عدد ممكن من أشجار الكالبتوس والأشجار المتمرة “الخروب، الأركان والزيتون” للحفاظ على التوازن البيئي. وبضرورة تأهيل المساحات الخضراء التابعة للمجمع الشريف للفوسفاط وما يعتريها من إهمال لا يليق بتلك المؤسسة.
وينقل اليوم “المجمع الشريف للفوسفاط” -وهو شركة مملوكة للدولة- الجزء الأهم من الفوسفاط المستخرج قبل مروره من معامل للغربلة والتجفيف والتحميص عبر قطارات يومية التي تعد من أطول القطارات والأحزمة بالعالم وأثقلها وزنا. ما يفسر الكلفة الباهظة للنقل والبطء الذي يواكب العملية. ويصدر عبر أنبوب “البايب لاين” التحت أرضي الذي أنجزته الشركة التركية “تكفن” يربط مناجم مدينة خريبكة بوحدات التثمين المنتوج بميناء الجرف الأصفر الأطلسي بالجديدة على مسافة تبلغ 187 كيلومترا، ويؤمن نقل ما يربو عن 38 مليون طن من الفوسفاط سنويا ومن اندماج أنشطة الاستخراج ومضاعفة قدرات الإنتاج وتطوير الرؤية الاقتصادية والتنافسية للمجمع كمؤسسة رائدة في إنتاج وتسويق مادة الفوسفاط وذلك بتكلفة مالية إجمالية مهمة ناهزت 800 مليون درهم، مع الاقتصاد في الكلفة اللوجيستيكية بنسبة 90 في المائة، وتقليص الاستهلاك الطاقي. ليس ذلك فقط، فتكنولوجيا نقل لباب الفوسفاط لها مزايا بيئية، إذ بفضل المحافظة على الرطوبة الطبيعية للفوسفاط المستخرج، أصبح بالإمكان اقتصاد 3 ملايين متر مكعب من المياه سنويا، وتقليص انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون بحوالي 930 ألف طن سنويا، واقتصاد 160 ألف طن من الفيول سنويا. وينقل هذا الأنبوب الأطول في العالم الفوسفاط على شكل لباب مكون من 60% من معدن الفوسفاط و40% من الماء، لكن في الواقع العملي (كل طن من الفوسفاط يحتاج حوالي 3 طن من الماء). و هو ما استنزف الفرشة والثروة المائية من سد سيدي مسعود إلى حين الاستفادة من تحلية مياه البحر من مدينة الجديدة وربطه عبر أنبوب تحت أرضي وتشغيل محطتين جديدتين لتحلية المياه لتلبية الغرض المطلوب وهو تدبير الماء.
تم أن محطات معالجة المياه العادمة تعمل وفقا لعمليات معالجة بيولوجية ترتكز على إزالة التلوث الكربوني؛ وهو ما يمكن من استخدام مكتب الفوسفاط للمياه غير التقليدية، وبذل جهود متنامية لتقليص استهلاك المياه التقليدية وبالتالي المحافظة على الموارد المالية، إضافة إلى تجنب تصريف مياه الصرف الصحي الملوثة في الطبيعة.
ويراهن المكتب على نقل المياه العادمة التي يتم تصريفها حاليا على مستوى واد أم الربيع إلى المحطة المذكورة، لمعالجتها وتزويد المنشآت الصناعية لغسل الفوسفاط بخريبكة عبر أنابيب المياه الصناعية الحالية. ويراهن مسؤولو مكتب الفوسفاط، على استعمال المياه المعالجة بالمحطات التي يتم تشييدها في عملية غسل الفوسفاط المستخرج من مناجم خريبكة. كما يتم العمل على تزويد موقع خريبكة بتحلية مياه البحرالقادمة من الجرف الأصفر، عبر أنابيب على طول يتجاوز 200 كيلومتر. و تبلغ التكلفة الإجمالية للمشروع حوالي 850 مليون درهم، وتُعد محطة تحلية مياه البحر بالجرف الأصفر استثمارًا حيويًا، حيث من المتوقع أن تُنْتِج أكثر من 40 مليون متر مكعب من المياه المعالجة سنويًا. حيث سيتم توجيه المياه المنتجة إلى مدينة خريبكة لتلبية الاحتياجات المائية المتعلقة بالمجمع الشريف للفوسفاط.
وقد تم إطلاق خط الأنبوب بين خريبكة والجرف الأصفر، والذي ينقل الفوسفاط من المناجم إلى منشأة المعالجة بسرعة وأمان. هذا الخط، وهو أطول خط أنابيب يعمل بالجاذبية في العالم ، يوفر أكثر من 3 مليون متر مكعب من المياه سنويًا، إضافة إلى كمية كبيرة من الطاقة.
وأكدت مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط التزامها بـ”برنامج الماء” من خلال الارتباط باستغلال تقنيات حديثة غير تعاقدية تتوخى انهاء الاعتماد على المياه العذبة بحلول سنة 2026. وتعد محطة معالجة المياه العادمة، مشروعا مندمجا بامتياز، بحيث تمكن من معالجة صبيب يومي للمياه العادمة يصل إلى 18 ألف متر مكعب. 30 في المائة من الحاجيات الحالية للمجموعة تغطيها مياه غير تقليدية، في وقت تعتزم فيه المجموعة تغطية 100 في المائة من استخدام موارد المياه غير التقليدية بحلول عام 2030، وذلك بتسهيل المياه السطحية أمام استهلاك الساكنة. وتتيح المحطة الإنتاج المعقلن للمياه عبر الحفاظ على موارد المياه الجوفية للمدينة والرفع من الطاقة الإنتاجية إلى 5 ملايين متر مكعب لاستخدامها في غسل الفوسفاط، بالإضافة إلى إنشاء مساحات خضراء داخل وخارج محطة معالجة المياه لتوفير مناظر طبيعية منسجمة. ويتيح المشروع، تلبية 100 في المئة من الاحتياجات الصناعية لمجموعة المكتب الشريف للفوسفاط، عن طريق الترشيد المستدام لمصادر المياه في جميع مراحل الإنتاج.
وتلتزم المجموعة، في هذا الصدد باستعادة وإعادة تدوير أكثر من 80 في المئة من المياه المستعملة في عمليات التثمين، عبر نظام مستمر، بواسطة عمليات الغسل-التعويم على مستوى وحدات الإنتاج، بالإضافة إلى الاعتماد على المياه غير التقليدية من أجل تلبية الاحتياجات المائية للمجموعة عبر التخلي عن استعمال المياه الجوفية باعتبارها موردا استراتيجيا للمملكة.
وشكل المكتب الشريف للفوسفاط قاطرة للتنمية الاقتصادية في المغرب، ليس فقط بجلبه للعملة الصعبة لخزينة الدولة، بل أيضا بتنميته لعدة قطاعات أخرى اقتصادية واجتماعية؟ حيث يحتل المغرب المرتبة الثالثة في التصدير العالمي للفوسفاط والمرتبة الأولى من حيث الاحتياطي العالمي. وتعدّ مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط من الشركات الرائدة على المستوى العالمي في سوق الفوسفاط والمنتجات المشتقة منه ويمتد نشاطها إلى خمس قارات، كما أنها أول مقاولة في المملكة المغربية حيث أصبح الفوسفاط ومشتقاته والصناعات المرتبطة به محور الحياة للسكان المحليين والوافدين من العمال المشتغلين في المناجم.
ويشكل الفوسفاط المصدر الطبيعي للفسفور الذي يعتبر أحد العناصر الغذائية الثلاثة الأكثر استخداما في الأسمدة، الذي يعد بمنزلة مخزون مهم للصناعات الكيميائية، إلى جانب النتروجين والبوتاسيوم، ويوفر الفوسفور ربع جميع العناصر الغذائية التي تحتاج إليها النباتات لنموها وتطورها، كما يمكن تحويله إلى الحامض الفسفوري المستخدم في الأغذية ومستحضرات التجميل إلى علف الحيوانات والإلكترونيات.
والمكتب الشريف للفوسفاط الذي أصبح شركة مساهمة “SA” يساهم ب 7.3% في الدخل الخام للمغرب ويساهم ب10 مليار درهم في ميزانية الدولة وخلق لوحده 25 شركة بالمغرب، وتلات شركات بالهند وشركتين بأمريكا ونيجريا وشركات في إسبانيا، تركيا، بلجيكا، رومانيا، هولندا، سنغافورة وسويسرا. ولم يقتصر نشاطه على المجال الاقتصادي الاجتماعي الفلاحي البيئي بل امتد نشاطه حتى إلى المجال السياحي حيث اقتني المكتب الشريف للفوسفاط من الحكومة المغربية حديثا حصتها في فندق “المامونية” أحد أشهر المعالم التاريخية في مدينة مراكش وأضخم فندق في القارة الإفريقية مقابل 173 مليون دولار. وتجدر الإشارة فقط أن أجرة المدير العام للمجموعة السيد “مصطفى التراب” لوحده تفوق بكثير 30 مليون سنتيم وهي تعادل أجرة أكثر من 120 عامل مستخدم يشتغل بالحد الأدنى للأجور ناهيك عن المنح والأتاوى والامتيازات الضخمة والدسمة، قص على ذلك الأجرة السمينة لأعضاء الطاقم الإداري للمجموعة وللمدراء.
يذكر في هذا الصدد أن إقليم خريبكة يتوفر على أكبر احتياطي من الفوسفاط على الصعيد الوطني، بنسبة 43 في المائة، ويعتبر الإقليم عاصمة للفوسفاط العالمية بمخزون يقدر ب 82 مليارم3 أي “¾ من الاحتياط العالمي” وبنسبة تشكل 75 %من ثروة العالم الفوسفاطية. لاسيما في حوض “أولاد عبدون” الذي يعد من أكبر الأحواض الفوسفاطية الأكثر استغلالا بالمغرب منذ حوالي قرن من الزمن، إضافة إلى منجم سيدي شنان والقرى المنجمية كالمفاسيس، أولاد عزوز، أولاد ابراهيم، الكفاف الفقراء، بولنور، حطان وبوجنيبة …. و تنتصب تلال من معدن الفوسفاط المستخرج من المناجم التي تزخر بها منطقة إقليم خريبكة. و تبلغ سعة الإنتاج بالمغرب حوالي 41.5 مليون طن في السنة، يشكل إقليم خريبكة أكثر من نصف إنتاجها من هذه المادة الأولية. ويسعى المغرب إلى رفع إنتاجه السنوي في المتوسط إلى 55 مليون طن، وزيادة إنتاج الأسمدة الفوسفاطية من 3.5 مليون طن إلى 10 مليون طن سنويا، و18 مليون طن بحلول سنة 2025.
ويتجه إنتاج الفوسفاط في الفصل الثاني من عام 2024 نحو الصعود من أجل زيادة الأرباح والمكاسب في السوق العالمية. والهدف هو تلبية الطلب في الأسواق عالية النمو، حيث تواصل مجموعة المجمع الشريف للفوسفاط تعزيز مكانتها كرائدة على مستوى العالم. واغتنامها فرصة توالي العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا أحد أكبر مصدري الأسمدة. في مقابل تضرر المغرب من الحرب في أوكرانيا -خصوصا في ظل ارتفاع أسعار المحروقات والقمح في السوق الدولية، وهو ما يكلف موازنة الدولة مليارات الدولارات- فإن البلاد استفادت من ارتفاع أسعار هذه المادة ومشتقاتها في السوق الدولية رغم تراجع الإنتاج بنسبة 11%.
تم أن الفوسفاط يمثل نسبة مهمة من إيرادات الدولة، مما يساهم في تحقيق توازن في ميزان الأداءات، ويمكن أن يكون ورقة تفاوضية للدفاع عن مصالح البلاد الاستراتيجية. وفي ظل المؤشرات الحالية فإن صادرات الفوسفاط ومشتقاته تضاعفت وسجلت أرقاما قياسية على مستوى المداخيل ببلوغها العام الماضي 12 مليارات دولار.
إن ارتفاع أسعار الفوسفاط في الأسواق العالمية سيوفر للبلاد عائدات ستساعد في توفير اعتمادات جديدة لدعم المواد الأساسية الذي تقدمه الدولة لمواجهة ارتفاع الأسعار. وبلغ رقم معاملات مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط ما يعادل 19,58 مليار درهم عند متم مارس 2024، مقابل 18,28 مليار درهم خلال الفترة ذاتها من السنة الماضية، مسجلا بذلك أداءً قوياً. رغم الظرفية السوقية التي تميزت بالانخفاض الكبير في أسعار منتجات الفوسفاط مقارنة بالمستويات الاستثنائية لسنة 2022، حيث وصل رقم المعاملات ما قدره 114,5 مليار درهم و 91,27 مليار درهم سنة 2023. ووصل صافي الأرباح 28.2، ووصلت حصة المغرب من أرباح المكتب الشريف للفوسفاط مارس 2023 إلى 750 مليون دولار بانخفاض مقارنة بالسنة التي قبلها عندما بلغ 50,07 مليار درهم.
واستمرار أرباح المجمع يؤشر على قوة أداء المجموعة المدعوم بفعالية مبادراتها للتحكم في التكاليف، فضلا عن تطبيقها استراتيجية فعالة للتزود بالمواد الخام ، كما أن هذا الارتفاع الكبير يعزى إلى الظروف الدينامية للسوق التي أدت إلى زيادة هامة في المبيعات.
والمغرب مؤهل حسب صحيفة “نورثرين مينرTHE NORTHERN MINER” الأمريكية المتخصصة في المعادن لتغطية حاجيات العالم من الفوسفاط ل700 عام باعتباره المصدر الأول لهذا المعدن وذلك بالاعتماد على أحدث التقنيات التي ستمكن من خفض تكلفة الانتاج. ووفق ذات المصدر، فإن مداخيل الفوسفاط ومشتقاته هي 13 مليار سنتيم كل يوم بمعنى أنها قادرة على مسح الهشاشة والفقر من المغرب نهائيا!.
واستغربت الصحيفة ذاتها “نورثرين مينر” من التناقض الحاصل بين مداخيل الفوسفاط وإقبال المكتب الشريف للفوسفاط على فتح خطوط اقتراض مع مؤسسات عالمية من جهة. ومعاناة الفلاحيين من جهة أخرى. حيث أن غالبية الفلاحيين المغاربة لا يستطيعون اقتناء الفوسفاط لأراضيهم” على حد قول الجريدة الأمريكية الواسعة الانتشار في صفوف المهتمين بالثروات الطبيعية في العالم.
وتجدر الإشارة إلى أن مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط أعلنت عن نجاحها في إصدار سندات دولية جديدة بقيمة 1,5 مليار دولار أمريكي، وكذا القيام بإعادة شراء جزئي لسنداتها الدولية الحالية المستحقة في 2024 و2025، وأشارت المجموعة إلى أن هذه العملية حققت نجاحا باهرا تجسده العديد من المؤشرات، من بينها أن اكتتاب السندات المطروحة تجاوز 4,7 مرات، بما مجموعه 7 مليارات دولار الأمر الذي سمح برفع معدلات الاستحقاق. وقد تم إيداع تلك السندات الدولية لدى مستثمرين مؤهلين ومديري صناديق مالية وبنوك خاصة في بلدان مختلفة، بما فيها المغرب والولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة، وكذا على نطاق أوسع بأوروبا والشرق الأوسط وآسيا.
وعلى مستوى الاستثمار الأخضر، واصلت المجموعة الاستثمار على نحو مسؤول من خلال اعتماد نهج معياري بغية زيادة تنافسيتها واستدامتها، والاستجابة لانعدام الأمن الغذائي العالمي وتلبية النمو المتوقع للطلب على المدى الطويل. كما تساهم هذه المجموعة في عدة مجالات وأنشطة رياضية، ثقافية، ترفيهية وبيئية وخصوصاً تلك التي تقام في المغرب وإفريقيا، حيث أنشأ المكتب الشريف للفوسفاط فرع أفريقيا (OCP Africa)
وافتتاح مصنع لإنتاج الأسمدة (مجمع الأسمدة الأفريقي) مخصص بالكامل لأفريقيا في الجرف الأصفر، ومتصلاً بخط أنابيب الطين. وواصلت المجموعة تطورها واستمرارها لمواجهة تحديات جديدة حيث فرضت نفسها اليوم، كرائد عالمي في المنتجات الفوسفاطية، كما وضعت إفريقيا في قلب استراتيجيتها التنموية عبر برامجها المتعددة من أجل خدمة القطاع الفلاحي.
كما غطت مؤسسة المكتب الشريف للفوسفاط ملايين الهكتارات من الأراضي الإفريقية بالخرائط و أنجزت العام الماضي 265 مشروعاً، ودعمت 190 مشروعاً في إطار 12 صندوقاً بشراكة مع مؤسسات مغربية وإفريقية. وبحسب التقرير السنوي للمؤسسة فقد تمت مواكبة 600 تعاونية مغربية حديثة التأسيس العام الماضي، كما تم رسم خرائط لـ5.4 ملايين هكتار من الأراضي في 8 دول إفريقية. مبادرات المؤسسة المتنوعة شملت دولاً عدة، من بينها السنغال والرأس الأخضر وتوغو ومدغشقر وغانا ورواندا وملاوي وبوركينافاسو وإثيوبيا والكاميرون وبنغلاديش.
ولعل مؤسسة المكتب الشريف للفوسفاط الحاصلة على صفة المنفعة العامة، التي تهتم بالتنمية الاجتماعية والاقتصادية للفئات الهشة في المغرب وخارجه، لتؤكد بذلك مكانتها كفاعل اجتماعي رئيسي في المغرب كما في الخارج، ملتزم بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية للفئات الهشة حيث ذكرت ضمن التقرير أن إجمالي مشاريعها بلغ 800 مشروع منذ سنة 2012، استفاد منها حوالي نصف مليون شخص. وتشتغل المؤسسة في انسجام تام مع النموذج التنموي الجديد، إذ تشمل مجالات عملها أغلب أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، مثل التعليم والبحث العلمي والابتكار الاجتماعي، والصمود في مواجهة التغيرات المناخية وحماية التنوع البيولوجي. ومنحت المؤسسة العام الماضي نحو 3323 منحة للدراسة عبر مؤسسة ابن رشد للعلوم والابتكار، كما تم تبني 60 مدرسة، وعقد شراكات مع 16 جمعية لمواكبة 5000 مستفيد في وضعية هشة.
وتهتم المؤسسة بالمناطق حيث تتواجد مجموعة OCP، وأيضاً على المستوى الدولي في إطار التعاون جنوب-جنوب، حيث تبادر وتدعم التنمية البشرية للمجتمعات المحلية الهشة في الدول الإفريقية والآسيوية.
ومجموعة المكتب الشريف للفوسفاط المغربية تستثمر 30 مليون دولار في مبادرة “space to place” التي أطلقتها الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية لصالح المزارعين في إفريقيا. حيث وقعت المجموعة المغربية والوكالة الأمريكية شراكة تمتد 4 سنوت لتنفيذ مبادرة لتحسين كفاءة ومردودية قطاع الفلاحة في جميع أنحاء القارة من خلال دعم الاستخدام الفعال للأسمدة في دول جنوب الصحراء، يضاف إلى دلك تمويل ocp لاستثمار الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية البالغ 40 مليون دولار والمخصص لتوسعة نطاق المبادرة المعلن عنها في قمة أفريقيا للأسمدة وصحة التربة التي أقيمت في نيروبي.
كما أن مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط OCP الرائد العالمي في تغذية النباتات والأسمدة الفوسفاطية، و”Fortescue Energy”، التابعة للشركة الرائدة عالميا في مجال الطاقة الخضراء والمعادن والتكنولوجيا (FortescueLtd)، أعلنت انخراطها في إنتاج الهيدروجين الأخضر والأسمدة الخضراء بعقد شراكة مع رائد أسترالي. والإعلان عن مشروع مشترك بنسب متساوية يهدف إلى تطوير الطاقة الخضراء والهيدروجين الأخضر والأمونيا والأسمدة الخضراء بالمغرب وأوروبا والأسواق الدولية، مشيرتين إلى أنها تشمل أيضا التطوير المحتمل لتجهيزات التصنيع ومركزا للبحث والتطوير للنهوض بصناعة الطاقة المتجددة التي تعرف نموا متسارعا بالمغرب. ناهيك عن إنشاء محطة الطاقة الشمسية الكهروضوئية التابعة للمجمع الشريف للفوسفاط التي ستوفر طاقة إّجمالية للميغاواط.
بناءا على ما سبق دكره من معطيات وأرقام فإن المجمع الشريف للفوسفاط رفع يده على التنمية بإقليم خريبكة، مما جعل الإقليم عرضة للإقصاء والتهميش والمآمرة لاسيما بعد آخر زيارة ملكية للإقليم سنة 2012 وما رافق تلك الزيارة من غضبة ملكية بسبب الفوضى العارمة والخلاقة التي صدرت من أناس معتصمين احتجوا بمقربة من الإقامة الملكية بالحي الأوروبي سواء بقصد أو بدون قصد حيث كان من الأحرى فتح تحقيق عاجل في الموضوع لمعرفة حيثياته وملابساته.
فأي مكتب شريف للفوسفاط هذا، الذي عمل على سلب أجود الأراضي بإقليم خريبكة واستغل خيراتها الظاهر منها والباطن بلهف وجشع قرابة أكثر من قرن من الزمن (1921-2024)، وجنا من وراءها أرباحا خيالية تقدر بملايير مليارات الدولارات بلا حسيب ولا رقيب، ودون استفادة الساكنة المحلية والإقليمية من مداخيله وثرواته ومشاريعه واستثماراته الإنمائية المبرمجة وطنيا، قاريا ودوليا باعتباره شركة مساهمة أو على الأقل بتشغيل أبناء المتقاعدين حسب ما تنص عليه المادة السادسة من قانون المناجم، رغم ما خلفه وراءه من ويلات تلوث البيئة والغطاء النباتي والفقر والحرمان والإقصاء والتهميش. ومن تدهور في صحة الساكنة عبر انتشار أمراض القلب والشرايين والضغط الدموي والانهيار العصبي وأمراض فتاكة ومزمنة كأمراض القصور الكلوي والحساسية والربو ومشاكل ضيق التنفس بسبب الغبار والأدخنة المتسربة من معامل الفوسفاط والمتطايرة في الهواء، والإشعاع المفرط في لورانيوم والسيليكوز، وانتشار مرض السرطان والسرطان الرؤوي والتهاب البروستات لاسيما للعمال والمتقاعدين الذين كانوا يشتغلن بالغار (من الغار للكار ومن الكار للبار ومن البار للدار)، حيث كان من الواجب تخصيص منحة من إدارة المجمع الشريف للفوسفاط لسكان المدن والقرى المنجمية والتفكير في إيجاد صيغ لجبر الضرر بالنسبة إلى الساكنة المجاورة للاستغلالات المنجمية الفاحشة والمتضررة بشكل مباشر أو غير مباشر من التلوث على تحملهم العيش في هذه الأجواء الملوثة والمضرة بالإنسان والبيئة، وما خلفه أيضا من تصدعات في المنازل وانشقاقها بفعل قوة المتفجرات المستعملة أثناء التنقيب واستخراج الفوسفاط من الباطن، مع الاستهتار بأرواح المستخدمين البسطاء بسبب حوادث الشغل المميتة. وفي الأخير تنكر لأبناء إقليم خريبكة الأحرار وعمالها الأشاوس الأبرار وجازاهم بالإهانة والإدانة والطرد والتسريح بدل التكريم والتوشيح كما حدث سابقا لعمال السميسي ريجي قبل مطالبتهم بالترسيم بالمجمع.
ومن جهة ثانية يفترض في إقليم خريبكة أن تكون جل واجهات عماراته وإداراته ومرافقه العمومية من زجاج ورصيف طرقاته من ذهب نظرا لما يجنيه من أرباح ضخمة من عائدات الذهب الأبيض “الفوسفاط”، وأن يكون قطب الجهة وليس بقرية مجالية أو مقاطعة تابعة لعاصمة الجهة إقليم بني ملال ورديفه إقليم أزيلال التي استوطنت بهم جل المشاريع التنموية الكبرى ويعتبرون خريبكة بقرة حلوب بقرة حاحا كما غنا (الشيخ إمام) ” ناح النواح و النواحة على بقرة حاحا النطاحة “و البقرة حلوب/حاحا/ تحلب قنطار/حاحا/ لكن مسلوب /حاحا/ من اهل الدار/حاحا/… ، تساهم في مالية الجهة بحصة وافرة من ضريبة المناجم ورسومها وحصيصها المالي الطبيعي بالجهة، في حين تفتقر لأبسط شروط التنمية فيما تم تهميش وإقصاء باقي الأقاليم الثلاثة.
ولعل اللائمة هنا تعود على منتخبيه وممثليه بالجهة في الولايتين السابقة والحالية الذين رفعوا شعار “التزام الصمت والمباركة العمياء” وقضاء المصالح الخاصة الضيقة ومنهم أمييون وذوو سوابق عدلية لهم ماضي متسخ أضاعوا العديد من الفرص و لم يترافعوا بالشكل المطلوب ويدافعوا بشراسة على جلب استثمارات ومشاريع تعود بالنفع العميم على الإقليم في إطار الحق في الدفاع عن تحقيق مبدأ العدالة المجالية والحكامة المالية الجهوية، والتناغم مع ما جاء به “القانون التنظيمي المنظم للجهات 111.14، وفي إطار الجهوية المتقدمة” حتى يتم توزيع مالية الجهة على مشاريع الأقاليم الخمسة بالتساوي دون هيمنة إقليم على آخر، ولو قمنا بجمع الأغلفة المالية المخصصة للمشاريع لا سيما الكبرى منها في ميزانية الجهة للأقاليم الخمس المشكلة لها خلال الولايتين معا ليبرز البون الشاسع بينها والذي نكاد نجزم أنه يشبه الفرق بين السماء والأرض ولن تسمح ساكنة الإقليم بهذا الميز المفضوح. ناهيك على أن تسمية الجهة لم يذكر فيها إسم إقليم خريبكة على غرار باقي جهات المملكة التي تتكون تسميتها من ثلاث أقاليم على الأقل وتم الاكتفاء باسم جهة بني ملال خنيفرة مع العلم أنه كان من الأحرى أن تكون عاصمة الجهة وقطبها هي خريبكة وأن تبدأ تسمية الجهة بخريبكة وهو ما يعد إجحافا عنصريا صريحا وحقدا دفينا وتعصبا معلن عنه مند البداية ضد الإقليم، وذلك نظرا للعديد من المعطيات التاريخية، السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، الثقافية والرياضية. ولعل أهمها قرب إقليم خريبكة من العاصمة الإدارية والعاصمة الاقتصادية للمملكة ومن مطارها الدولي محمد الخامس بحوالي 40 دقيقة.
ألا يستحق إقليم خريبكة في نظرهم إنجاز مثل هذه المشاريع التنموية الكبرى والبنيات التحتية والمرافق الضرورية على أرضه، من أكاديميات تربوية ورياضية وجامعات وكليات للآداب واللغات والحقوق والعلوم والتقنيات والطب والبيطرة ومستشفيات وأحياء جامعية ومتخصصة ومعاهد عليا للتمريض والتجارة والهندسة والصحافة والإعلام والاتصال والإذاعات المسموعة والمرئية والصناعات الرقمية والغذائية والفلاحية والأكروبول ودار المهاجر وملاعب رياضية وتشجيع السياحة الدينية بأبي الجعد والسياحة الجبلية الفوسفاطية الترفيهية بخريبكة ووادي زم وتوفير المنتزهات “مثلا: إقامة منتجع سياحي ومركز للاصطياف والتخييم و فضاءات للترفيه بغابة الكناديزالتي تظم 1206 هكتار من غابة الفلين” وبناء الفنادق المصنفة والمسابيح والأكوابارك والملاعب الرياضية ناهيك عن المطارات “مثلا: توسيع مطار حيان العسكري، وإقامة مطار مدني بمواصفات دولية لتشجيع الملاحة الجوية كما هو الحال ببني ملال نظرا لتواجد جالية مهمة من المغاربة المقيمين بالخارج خاصة بإيطاليا، فرنسا، إسبانيا وألمانيا” وإقامة ميناء جاف، وإنشاء المعامل والمصانع والأقطاب الصناعية وتشجيع الاستثمار خاصة ما يتعلق بإنتاج مشتقات الفوسفاط وسلاسل للإنتاج. والتسريع في إنجاز أشغال المنجم الأخضر وجميع مرافقه الحيوية المتعثرة في الإنجاز على أرض الواقع والذي أعطى انطلاقته الفعلية جلالة الملك محمد السادس قرابة 18 سنة خلت (2007/2024) بحضور السيد مصطفى التراب المدير التنفيذي للمكتب الشريف للفوسفاط وشخصيات وزارية ومستثمرين ومهندسين مختصين. أم أن الأمر يتعلق فقط بالاستفادة من مشاريع محتشمة من جهة بني ملال خنيفرة عبارة عن “سيارات النقل المدرسي، الدراجات العادية، سيارات الإسعاف، السقايات، النا فورات العمومية، وبعض المسالك الطرقية وغيرها…” وفي الأخير يتحول إقليم خريبكة من مصدر لليد العاملة بالخارج إلى ملجأ يستقبل فئات واسعة وعريضة من الأفارقة الوافدين من جنوب الصحراء والمرضى النفسيون والمختلون عقليا الذين تدفقوا في الآونة الأخيرة على الإقليم بشكل مهول ومقلق للغاية.
فحتى المجال الرياضي بإقليم خريبكة لم يسلم هو الآخر من تبعات الأزمة حيث أن المكتب الشريف للفوسفاط رفع يده على تسيير جل الرياضات وعلى رأسها رياضة كرة القدم، فبعد أن كان فريق اولمبيك خريبكة فريق يحتذى به ويضرب به المثل، عرف تسييرا محكما من قبل أطر المجمع ولعب الأدوار الطلائعية الوطنية والقارية وحقق نتائج جد مهمة منها: لقب كأس العرب سنة 1996 ولقب البطولة الوطنية سنة “2006/2007” ولقب كأس العرش للموسمين الرياضيين “2005/2006″ و”2014/2015” و بعد صموده في قسم الأضواء مدة 37 سنة نزل الفريق للقسم الوطني الثاني سنة 2023 وهي نفس سنة احتفاله بالذكرى المائوية لتأسيسه (1923/2023) حيث قبع هذه السنة في أسفل الترتيب على مسافة قليلة من الانبطاح في قسم الهواة وذلك بسبب الارتجالية والعشوائية وسوء التسيير للمكتب والشركة، وهو ما جعل المحبين من الجماهير الخريبكية الغيورة على الفريق تطالب وتلح بضرورة عودة أطر المكتب الشريف للفوسفاط لتسيير الفريق والرفع من المنحة المخصصة له من أجل القطع مع التسيير الهاوي والعودة السريعة للقسم الممتاز، سيما وأن مجموعة OCP المغربية أطلقت رسميا فرعها الرياضي واختارت مدينة الجديدة كمقر له باستثمار أولي تفوق قيمته 37 مليار سنتيم، وسيشيد الفرع الجديد مراكز تكوينية وأكاديميات كروية من الطراز العالي في آسفي، الجديدة وخريبكة.
وأخيرا وليس بأخير فالحري بالذكران إقليم خريبكة الذي بدأ نشأة الفوسفاط به قدم الزمان وكان بمثابة صخور رسوبية تشكلت منذ نحو 72 مليون سنة، أي في الحقبة الجيولوجية المعروفة باسم العصر الطباشيري نتيجة تراكم المواد العضوية والأحياء البحرية في قاع المحيطات. لا تتواجد به فقط هياكل عظمية تحت أرضية أو مجسمات أو مستحاثات لديناصورات مفترسة ذات أحجام مختلفة عمرت عشرات القرون متواجدة باطنيا أو بمتاحف كديناصور “أجنابيا أوديسيوس” (Ajnabia odysseus) ويبلغ عمره 66 مليون سنة الذي له خصائص مورفولوجية يصنف داخل مجموعة الديناصورات الهادروصورية وديناصورات “أنكيلوصوروس” الذي عمر بالمغرب أكثر من 167 مليون سنة، أو ديناصورات “الكابتورينيدات” التي عمرت قرابة 252 مليون سنة، “وللإشارة هنا فقد سبق لسفارة المغرب بفرنسا بتنسيق مع جمعية حماية التراث الجيولوجي أن استرجعت هيكل ديناصور بحري أثري منهوب عمره 66 مليون سنة اكتشف في حوض الفوسفاط ضواحي مدينة خريبكة، حيث كان سيعرض في مزاد علني مقابل مبلغ 450 مليون سنتيم”. قص على ذلك انتشار التنقيبات غير المشروعة والتصدير غير القانوني للأحافير في خرق للمقتضيات القانونية والتنظيمية الجاري بها العمل بالمغرب.
لكن الغريب في الأمر أن فوق أرض إقليم خريبكة وأقاليم الجهة يعيش هناك دهاقنة عبارة عن ديناصورات بشرية حية ترزق بلحومها وشحومها وعظامها وعروقها ودمائها وتكشر أسنانها وأنيابها فتصول وتجول وتعبث فسادا في الأرض يعرفهم الكبير والصغير والعادي والبادي، راكموا الثروة بالملاييرفي البنوك وبشتى الأساليب والطرق الملتوية و الاغتناء السريع. وقاموا بتبييض الأموال واستخدام الربا والطالع “المتيريس” في التجزئات والوداديات والعقارات السكنية والمشاريع التجارية والصفقات المشبوهة تحت غطاء إنعاش الاستثمار والاستفادة من الاحتماء وراء مظلات الأحزاب والوزارات والحكومة مع الإفلات من العقاب دون حسيب ولا رقيب “من أين لكم هذا- فالسماء لا تمطر ذهبا ولا فظة- لكن هيهات هيهات تا الله ستحاسبون في المحكمة الربانية عن القطير والقطمير ومهما طال الليل لابد من بزوغ الفجر” حيث يعملن زمن الانتخابات مثلا على استمالة جل الناخبين الصغار والكبار والمواطنين وشراء دممهم بدريهمات معدودات “زرقلاف” وإفساد الديمقراطية التمثيلة والقيام بالشطط في استعمال السلطة واستغلال النفود والمناصب، وامتهان سرقة الأموال العمومية جهارا “وعلى عينك يا بنعدي”، ومنهم من حوكم بأحكام نهائية نافدة لكنها لم تنفذ بأرض الواقع لأن لهم يد من حديد تحميهم كما يدعون. وما زالوا يمارسون مهامهم التمثيلية، الجماعية، الترابية والنيابية بأريحية فكانت محاكماتهم والأحكام الصادرة في حقهم كزوبعة في فنجان أو نفخة في رماد، أثرت بشكل أو بآخر على التنمية بإقليم خريبكة وأقاليم الجهة ولا يهم مسؤوليه القائمين على تدبير شؤونه الداخلية والعامة تقل السؤال والحساب.