أخبار جهويةأخبار محليةأخبار وطنية - دولية

قراءة في كتابات الأديب المغربي الأستاذ فؤاد عفاني وجه لا يشيخ نموذجا –

ميديا كوم ... جريدة إلكترونية ... شاملة - MEDIA COM ميديا كوم ... جريدة إلكترونية ... شاملة -  MEDIA COM

أحمد الجبلي
شاءت الأقدار أن أتعرف على مجلة “الجديد”، وهي مجلة ورقية الكترونية تصدر من لندن إلى جانب مجموعة أخرى من المجلات والجرائد كمجلة “العرب” و “العرب ويكلي”, مدير مجلس إدارة هذه المجموعة ورئيس تحريرها هو الدكتور هيثم الزبيدي.
مما أثارني في هذه المجلة الأدبية كونها تجمع تلة من الأدباء من مختلف دروب الفن كالشعر والقصة والمقالة والمسرح والسينما …وينتمون لمختلف الأقطار العربية،
والذي أثارني أكثر هو وجود أديب مغربي متميز صنع له موقع قدم ضمن تلك الزمرة من أمهر الأدباء وصناع الكلمة في الوطن العربي، وهو الأديب المغربي الدكتور الأستاذ فؤاد عفاني.
يتميز الأديب المغربي فؤاد عفاني بأسلوب أخاذ يشدك إلى الموضوع شدا، وبانسيابية في التعبير كأنه نهر رقراق ينساب زلالا، وبسردية منتظمة وفق سياقات تمليها طبيعة الأطروحة التي يعالجها، يحدد الخصائص والأوصاف والسمات التي تتماشى والنسق الأدبي حسب نوعه وموضوعه.
إن جميع الكتابات التي قرأتها، بنهم، للأديب المغربي الأستاذ عفاني، جعلتني أخلص إلى أن الرجل قد اختار مسارا أدبيا متفردا، فكتاباته عبارة عن توظيف لأنواع شتى من الفنون التي تجعل من الحرف أذاة، ومن الكلمة لبنة، فيجمع بين الخاطرة والقصة والمقالة الأدبية والحس الشعري، فيدمج الجميع لينصهر في بوثقة واحدة ليعطينا شكلا أدبيا جميلا ممتعا. ففي لوحته الفنية الأدبية “وجه لا يشيخ” والتي نشرها في مجلة “الجديد” بتاريخ فاتح مارس 2022، جمع فيها بين القصة والمقالة والإحساس الشاعري الرهيف والموقف السياسي الذي يدل على أن الأدب لم يكن في يوم من الأيام معزولا عن قضايا الأمة، أو متخاذلا يتوارى في ظل النكوص والتخاذل.
بل كان ولا يزال يعيش زمانه ويتخندق في قضايا الوطن وهمومه، ويتصدى لمشاريع التجزئة والتفسيخ وإركاع الشعوب واستيلابها لتتعايش مع المغتصب والدخيل المتغطرس.
لقد ألفنا في الأدباء والكتاب والفنانين الذين يحلقون بنا على متن أقلامهم في كل الفضاءات الأدبية الجميلة، أن يبدؤوا من البدايات، فيحترمون كرونولوجيا السرد، ربما خوفا على القراء من التيه، أو احترازا من أن تنفلت حبات العقد فتصعب لملمتها، ولكن بكل جرأة وإقدام يبدأ أديبنا في “وجه لا يشيخ” من النهاية ولا يبالي.
“أخيرا وجدت الصورة طريقها للنشر..صورة حافلة بالمعاني دون الكلمات..صورة لجثة دون روح، لكنها مع ذلك تتكلم كل اللغات”
هكذا إذن، نحن كقراء نعلم أن الهدف سيتحقق، وأن الصحفي البطل سيصل إلى مبتغاه. ولكن هل نملك الآن دافعا للاستمرار في القراءة بما أن الغطاء قد انكشف والسر قد بان وانجلى.
إن كلمة “أخيرا” كانت هي المفتاح الذي فتح الصندوق لينكشف ما فيه، ولكن في نفس الوقت فتح بابا أكبر في عقولنا ولو من باب التطفل والفضول لنسأل أنفسنا كيف حدث ذلك، خصوصا وأن بدايات السرد تلقي في وجوهنا بكلمات كالألغام ( جثة ;حزن ; وباء ; عابرون ; هاربون ; موتى )، إذن فالأمر يستحق أن نبقى هنا مرابطين مع الكاتب لنتابع بكل انتباه كلمة بكلمة وسطرا بسطر وفقرة بفقرة لنستكمل الصورة وحينها فقط سنعرف كل شيء.
يظن القارئ، في أول وهلة، بأن الأمر يتعلق بسردية خيالية تعمَه في الضباب، بعيدة عن الواقع، أو حكي أسطوري تدور أحداثه قرب فندق يصفه الأديب بأنه شامخ، ويصنع له ملامح عربية وينفخ فيه الروح فيجعله يتنفس عبق التاريخ، فالفندق التليد واقع حي شامخ كما الشموخ العربي، وهو مكان نزول البطل/ المصور. يرافقه واقع مواز آخر يمكن اعتباره واقعا معنويا وهو الحزن العربي “الحزن العربي الذي أضحى يتناسل كالوباء”، فواقعية الحزن لا تختلف عن واقعية التناسل والاستمرارية في الزمن وكأنه ضربة لازب أو قدر محتوم. فالفندق العربي الشامخ الذي يتنفس عبق التاريخ عندما يروي حكاية العابرين والهاربين والموتى، فالعابرون الناجون والهاربون المرعوبون لازالوا يحكون لنا ولأبنائهم ولوسائل الإعلام في كل بقاع الأرض عن الجثث الملقاة هنا وهناك، وعن رؤوس الأطفال المقطوعة، وبطون الأمهات المبقورة، والأشلاء المبثوثة كأنها قطع غيار في مصنع الدمى المتحركة. فالأمر صار مكشوفا، وواضحا بأن الأمر حقيقي وواقعي وليس مجرد صور مفبركة في استوديوهات هوليود.
إن واقعية الكاتب تتعدى مجرد الحديث عن صاحب الأرض الذي يناور ويتسلل لضعف الإمكانيات ليقتنص عدوا مدججا بأسلحة معاصرة فتاكة، إلى الإيحاء والتنبيه لواقع مستور وجب كشفه يمثله العملاء الذين يتقاسمون معنا نفس الوطن.
إن الشموخ العربي التاريخي الذي يلمح له الأديب، أمر واقع أرخ له العدو قبل الصديق، والمستشرق قبل المستغرب، فانطلاقا من نداء” وامعتصماه”، إلى البطولات الخالدة في عين جالوت والزلاقة ومعركة السند وتدمير خط بارليف في حرب أكتوبر إلى عمليات تحرير الكثير من الدول العربية من الاستعمار الأوربي الغاشم.
إن وصف الفندق بالشامخ وذي الملامح العربية والتاريخية يمثل برمزيته حقيقة لكنها مجرد تاريخ يتقاطع مع الحاضر المر الذي يتميز بالخذلان والصمت (الصمت الموروث كما يسميه الكاتب) بل والتطبيع والتواطئ،
إن بين الطفل الذي يطارد فراشة هاربة، وبين المصور الذي يحمل آلة تصوير باردة، تتقاطع جميع الرموز، فالفراشة لا تستطيع أن تعيش في جو موبوء ملوث بغازات محرمة دوليا، وروائح الموتى التي تصنع الوباء، ورصاص طائش يتبعثر في الأرض والسماء، ومصور يحمل آلة باردة لعدم شروق شمس الحرية والكرامة، وانعدام الدفء الذي لا ينمو إلا في ظل السلم والاستقلال والطمأنينة.
حتى العدسة ليست عدسة عادية لأنها في مكان وزمان غير عاديين، فهي لا تلتقط الصور بل تقتنصها، لان الأجواء أجواء قنص، فإما تقنص أو تقنص، وإما تطارد أو تطارد، ولكنها لا تدري ماذا تقتنص لذلك هي حائرة بين قنص من يحلم بحماية وطن أضحى غريبا، وبين قنص من يحلم بإنقاذ وطن أضحى ذليلا؟
ويختم الكاتب هذه الرحلة، رحلة القنص/ الضغط على الزر بشكل مختلف تماما عن النهاية التي استهل بها قصته/ مقالته/ خاطرته/ هذا النموذج الأدبي الفريد، فالنهاية الأولى كانت مجرد طعم، أو أكلة خفيفة لتفتح شهيتنا لمزيد من القراءة لمعرفة ما جرى، ولكن النهاية الحقيقية كانت عبارة عن إطار حيث تجتمع فيه كل المعاني وتلتقي كل الخيوط، وكل الألوان، وكل اللغات، كما يلتقي الزمان والمكان، فيلتقي الطفل الشهيد برصاصة الغدر الطائشة، في لحظة يتجمد فيها كل شيء بما في ذلك وجه الطفل الذي سيبقى غضا طريا لا يتغير وإن تغير الزمان والمكان، ويبقى الغائب الوحيد عن الإطار هو المصور الذي لازال جرحه غائرا جراء رصاصة معنوية هدت كيانه ووصلت إلى أبعد نقطة داخل الضمير.

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock