تجديد الوعي
عبد السلام المساوي
قرأت كمية كبيرة من الكتب، في مختلف المجالات الفكرية والسياسية والأدبية، النقدية والإبداعية، في مقتبل حياتي، استفدت منها ما استفدت، من الدروس والعبر، ونسيت منها ما نسيت من الأفكار والنظريات والتصورات على مر السنين.
وقد تملكتني الرغبة القوية بإعادة قراءة عدد من تلك الكتب، خاصة منها تلك التي أعتقد أنها شكلت بداية تحول في وعيي الفكري والفلسفي، أو أسست لانعطاف ما في حياتي الثقافية.
وتعود هذه الرغبة القوية إلى كوني قد وصلت إلى مرحلة من العمر والوعي شعرت فيها أن هناك نواقص كثيرة في قراءاتي القديمة، وأنه لا بد من إعادة التعامل المباشر مع بعض النصوص التي لم يتوقف تأثيرها في تشكيل وعي الأجيال الحالية وتطوير وعي الجيل الذي انتمي إليه.
الغاية الصريحة هي اختبار قراءاتي القديمة في ضوء التحولات التي عرفتها المجالات والميادين التي غطتها، ضمن خرائط الفكر والسياسة والأدب، بمختلف ضروبه، وبلورة تصورات أتمنى أن تسد، ما أمكن، ثغرات تلك القراءات وتتجاوز فراغاتها ونواقصها.
ولست أخفي على أصدقائي أنني ذهلت عند بداية تطبيق هذا المشروع إلى درجة خيل لي فيها، عند إعادة قراءة بعض من الكتب، أنني أطلع لأول مرة على مضامينها وأتعرف على إشكالاتها.
لذلك قررت إعادة القراءة المنهجية في أهمها بالتوازي مع متابعة الجديد في مجالات النشر المختلفة حتى لا أسقط في بؤرة فراغ تنعدم فيه الخيوط الواصلة بين مراحل تشكل وعيي وتطوره وإعادة بلورة أفق له.
أحاول في هذه الفترة إعادة الإرتباط بعدد من الكتب الفلسفية الهامة ومنها أسطورة سيزيف والطاعون ل Albert Camus. وهكذا تكلم زارا دوسترا لنيتشه.
الاختيار اعتباطي وعفوي لكنني أشعر، بعد إعادة القراءة، أنه اختيار موفق لأنه يخلخل الكثير من المعتقدات ويدفع إلى طرح تساؤلات جدية حول الوجود الإنساني ذاته.
ولعل ما يبدو لي مفيدًا من هذا الاختيار الاصطدام مع الرتابة التي تطفيء شعلة الحياة في نهاية المطاف.
قد يكون ذلك الاصطدام مؤلما في بعض من أبعاده، لكنه ضروري لتجاوز حجر الرتابة على حيوية الحياة. وهذا أمر مهم في تصوري.