زيارة ماكرون التي أرقت النظام الجزائري!
اسماعيل الحلوتي
بعد فترة فتور بين المغرب وفرنسا دامت ثلاث سنوات، عادت مياه العلاقات بين البلدين إلى مجاريها، بعد أن كانت تأثرت بفعل انفجار ما سمي إعلاميا بقضية “بيغاسوس” التي تضمنت بإيعاز من جهات معادية للمغرب اتهامات رخيصة للمغرب بالتجسس على مسؤولين فرنسيين وفي مقدمتهم رئيس الجمهورية إيمانويل ماكرون. لكن سرعان ما انكشفت الحقيقة وتبين أن المغرب بريء مما نسب إليه من اتهامات، فكان أن تقرر تغيير موقف فرنسا التي ظلت منذ عقود تمسك العصا من الوسط وتقف على “الحياد” في نزاع الصحراء المفتعل، حفاظا على علاقاتها مع كل من المغرب والجزائر.
فقد اختار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تقديم هدية دبلوماسية وسياسية ذات أهمية بالغة لملك المغرب محمد السادس بمناسبة احتفال المغرب بالذكرى الخامسة والعشرين لتربعه على عرش أسلافه، من خلال توجيه رسالة له يوم 30 يوليوز 2024 يعلن فيها عن دعم بلاده لمبادرة الحكم الذاتي في الأقاليم الصحراوية تحت السيادة المغربية، التي قدمها المغرب لمجلس الأمن الدولي عام 2007، باعتبارها الحل العملي الوحيد والنهائي الذي يمكن أن يضع حدا للنزاع الإقليمي حول الصحراء.
وها هو ذات الرئيس الفرنسي الذي لم يزر المغرب منذ سنة 2018 يعود إليه اليوم بدعوة كريمة من العاهل المغربي في زيارة دولة تستغرق ثلاثة أيام من الاثنين 28 أكتوبر 2024 إلى الأربعاء 30 منه، ليجد في استقباله بمطار الرباط -سلا الملك محمد السادس وولي العهد الأمير مولاي الحسن إلى جانب عدد من الأمراء والمسؤولين، قبل التوجه إلى القصر الملكي في موكب رسمي. وقد جاء ماكرون مرفوقا بحرمه السيدة “بريجيت ماكرون” ووفد إعلامي كبير وآخر من الوزراء ورؤساء شركات كبرى وشخصيات ثقافية وفنية من أصول فرنسية وأخرى مغربية. وبعدها تناول قائدا البلدين محادثات، تلاها توقيع عدة اتفاقيات في عدة مجالات متنوعة من بينها الشباب والدفاع والأمن والهجرة والطاقة والتعليم وغيره.
وإذا كانت عديد الدول قد باركت هذه الزيارة واستحسنت عودة الحرارة للعلاقات المغربية الفرنسية، التي ظلت “متجمدة” على مدى ثلاث سنوات، فإن الجزائر وحدها هي من تعيش حالة من الذهول والانزعاج لهذا التقارب بين البلدين ولا تنظر إليه بعين الرضا. ويتضح ذلك من خلال الأزمة التي نشبت بينها وبين فرنسا مباشرة بعد أن قررت هذه الأخيرة في نهاية شهر يوليوز من هذه السنة دعم المخطط الذاتي في الصحراء المقترح من طرف المغرب، وهي الأزمة التي أدت بالجزائر إلى سحب سفيرها من باريس، وإلغاء زيارة الرئيس عبد المجيد تبون لفرنسا وتراجع حجم التجارة بين البلدين، فضلا عن تعليق عمل اللجنة المشتركة للمؤرخين التي كانت تتعامل مع ملف الذاكرة، الذي يشمل قضايا عالقة من حقبة الاستعماري الفرنسي في الجزائر، مثل الاعتراف بالانتهاكات واستعادة الأرشيف.
ففي هذه الزيارة التي اعتبرتها مختلف وسائل الإعلام المغربية والفرنسية تاريخية واستراتيجية، أبى الرئيس الفرنسي إلا أن يجدد اعترافه بمغربية الصحراء أمام البرلمان المغربي بمجلسيه، مشيرا إلى أن “حاضر ومستقبل الصحراء يندرجان في إطار السيادة المغربية”، وتهدف في الوقت نفسه إلى طرح رؤية جديدة للعلاقات الفرنسية المغربية خلال العقود الثلاثة القادمة، لتطوي بذلك صفحة الخلافات بين الرباط وباريس. وبموازاة مع هذا التقارب يعيش النظام العسكري الجزائري أجواء مشحونة من التوتر وحالة من الارتياب والقلق، ليس فقط لما لقيه الرئيس الفرنسي من استقبال حار ومنقطع النظير من لدن المغاربة وتوقيع شراكة استثنائية بين المغرب وفرنسا، بل لأن من شأن هذه الزيارة التي لم تفلح الجزائر في نسفها أن تفتح فصلا جديدا ومتميزا بين البلدين الصديقين وتعيد تشكيل موازين القوى في المنطقة…
ولعلنا لن نبالغ إذا ما قلنا بأن النظام العسكري الجزائري يعيش حالة من الاكتئاب الحاد منذ أن اختارت باريس الانحياز لمبادرة الحكم الذاتي للصحراويين تحت السيادة المغربية، ولاسيما بعد إعلان الرئيس الفرنسي عن اعتزام بلاده فتح قنصلية ومركز ثقافي فرنسي بمدينة العيون، حيث أصبحت السلطات الجزائرية ترى في فرنسا التي تؤيد الطرح المغربي وتقف في الصف المعادي للجزائر بأنها باتت هي الأخرى عدو أبدي للجزائر، علما أنه لم يصدر عن السلطات الفرنسية أي تصريحات أو مواقف عدائية تجاه الجزائر، وأن فرنسا لم تقم سوى بمراجعة نفسها وما يمليه عليها ضميرها، وأن موقفها الجديد بخصوص النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية لا يمثل أدنى تهديد على أمن واستقرار وسلامة الجزائر، أو يمس باستقلالها وسيادتها.
إننا وبكل صدق لم نكن نتمنى يوما أن نرى الجزائر الشقيقة تسير في طريق الانهيار، جراء تعنت حكامها الذين ما انفكوا يكرسون كل جهودهم في اتجاه معاكسة المغرب في وحدته الترابية مهما كلفهم الأمر من ثمن باهظ. إذ أنه وفي الوقت الذي يحرص فيه المغرب على تنمية علاقاته والاستثمار في دول الساحل وغيرها، مازالت الجزائر عاجزة عن التخلص من قيود أيديولوجية الماضي وتعزيز التكامل الإقليمي، ولا تعمل عدا على تعميق عزلتها، مما سينعكس سلبا على حاضر ومستقبل الشعب الجزائري.