الوفاء لروح المسيرة الخضراء!
اسماعيل الحلوتي
ما من شك في أن النظام العسكري الجزائري ومعه صنيعته جبهة البوليساريو الانفصالية والإرهابية ومعهما المبعوث الأممي للصحراء ستيغان دي ميستورا وجميع خصوم وأعداء وحدة المغرب الترابية، يعلمون جيدا أن المغاربة من طنجة إلى لكويرة يحرصون على تخليد ذكرى المسيرة الخضراء المظفرة كلما حل السادس نونبر من كل سنة، وهي الذكرى التي تشكل لهم لحظة قوية، إذ يستحضرون من خلالها الأمجاد التي بصمت على هذه الملحمة التاريخية الخالدة، التي لم يسبق للعالم أجمع أن عرف مثيلا لها، والتي ستظل إلى ما شاء الله راسخة في الذاكرة الحية للمغرب رغم كل المناورات والمؤامرات.
ولعل كل المتآمرين على وحدة المغرب الترابية والداعين إلى تقسيم صحرائه بينه وبين شرذمة من المرتزقة الانفصاليين، نسوا أو تناسوا أن مبدع المسيرة الخضراء ومحرر الصحراء المغفور له الملك الراحل الحسن الثاني، كان قد دعا في 6 نونبر 1975 إلى انطلاق هذه المسيرة السلمية، التي شارك فيها 350 ألف متطوع من كل فئات وشرائح المجتمع المغربي ومن سائر ربوع المملكة، صوب الأقاليم الصحراوية قصد تحريرها من قيود الاحتلال الإسباني، لا سلاح لهم عدا المصحف الكريم والأعلام الوطنية وقوة الإيمان الراسخ بعدالة قضيتهم وإحياء صلة الرحم مع إخوانهم في الصحراء المغربية.
ففي خطابه السامي إلى الأمة يوم الأربعاء 6 نونبر 1978 بمناسبة تخليد الذكرى الثالثة للمسيرة الخضراء، كشف الملك الراحل للمغاربة عن مصدر استلهام “قسم المسيرة الخضراء” من ذلك الحوار القدسي الرائع الذي دار بين الله سبحانه وتعالى وبين روحه سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام، عندما قال سيدنا عيسى ما ورد في أواخر الآية الكريمة 117 من سورة المائدة “وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم، فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد” إذ قال المغفور له الملك الحسن الثاني: “فهذا القسم شعبي العزيز، أقسمت أنك ستكون بارا به، كما أقسمت أن تلقنه لأسرتك وعثرتك، لأن الأجيال تمر ، والبلاد تدوم، الرجال بمثابة الوقود، والمسؤولية كجهنم تأكل الرجال أكلا، لكن على القيم أن تدوم، وعلى القسم أن يدوم…”
إذ أنه من الوهم الاعتقاد أن من ظل يؤمن على مر أزيد من خمسة عقود بعدالة قضيته الوطنية الأولى ويردد في سره وعلانيته قسم المسيرة الخضراء الذي يقول: “أقسم بالله العلي العظيم أن أبقى وفيا لروح المسيرة الخضراء مكافحا عن وحدة وطني، من البوغاز إلى الصحراء. وأقسم بالله العلي العظيم أن ألقن هذا القسم أسرتي وعشيرتي في سري وعلانيتي، والله سبحانه هو الرقيب على طويتي، وصدق نيتي” أن يقبل بالمقترح الأهوج لدي ميستورا ومن يقفون خلفه من عساكر الجزائر أو يسمح للمتآمرين والطامعين في التوسع باغتيال حلم ملايين المغاربة باسترجاع أقاليمهم الجنوبية المغتصبة
فمما لا ريب فيه أن واقع الحال كما هو واضح على أرض الواقع بالنسبة لملف الصحراء المغربية، الذي ما انفك يكرس عزلة النظام العسكري الجزائري وتراجع دعم الأطروحة الانفصالية، رغم ما استنزفته من ميزانيات ضخمة من أموال الشعب الجزائري المقهور، أمام الزخم الكبير من الدعم الذي يحظى به مقترح الحكم الذاتي بالصحراء تحت السيادة المغربية من قبل عديد الدول الكبرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية وإسبانيا وألمانيا وإيطاليا وهولندا وفرنسا وغيرها، فضلا عن تزايد أعداد القنصليات الأجنبية التي فتحت أبوابها في مدينتي العيون والداخلة، هو ما أدى عودة مبعوث الأمم المتحدة للصحراء ستيفان دي ميستورا بإيعاز من السلطات الجزائرية لإحياء النقاش حول مقترح تقسيم الصحراء، الذي يعود إلى فترة المبعوث الأممي الأسبق جيمس بيكر كحل للنزاع المفتعل في الصحراء منذ عام 1975، حيث قال في إحاطته لمجلس الأمن يوم 17 أكتوبر 2024 إن التقسيم “يمكن أن يسمح بإنشاء دولة مستقلة في الجزء الجنوبي من ناحية، ومن ناحية أخرى دمج بقية الإقليم كجزء من المغرب، مع الاعتراف الدولي بسيادته عليه” وهو يعلم جيدا أن أقصى ما يمكن للمغرب أن يقدمه كحل سياسي في هذا الملف، هو الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية.
وهو المقترح البائد الذي أثار غضبا واسعا في أوساط المغاربة الذين طالبوا بضرورة إبعاد دي ميستورا بعدما بدا واضحا أنه انحرف عن طريق الصواب وانحاز للطرح الانفصالي الجزائري، ولم يفلح في الدفع بعجلة التسوية السياسية إلى الأمام على مدى ثلاث سنوات من توليه مسؤولية إدارة هذا الملف الثقيل، لاسيما أن اختياره بعض المحاورين الإقليميين مثل جنوب إفريقيا لم يكن بريئا على الإطلاق.
إن المغاربة لا يهمهم ما جاء به دي ميستورا من مقترح أهوج ولا من اوحى له بإعادة طرحه، بقدر ما يهمهم ما ورد على لسان قائدهم الملهم الملك محمد السادس سليل مبدع المسيرة الخضراء المظفرة، في أكثر من مناسبة حول قضية الصحراء، وخاصة عندما أكد بأن المغرب أبى من أبى وكره من كره سيظل في صحرائه والصحراء في مغربها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. إذ لا يمكن لمن قدم تضحيات مادية ومعنوية جسيمة من أجل تنمية أقاليمه الجنوبية وتقاسم خيراتها مع إخوانه في الجنوب، أن يفرط في شبر من تراب وطنه أو حبة رمل من صحرائه.