العالم إلى أين؟ صراع الجبابرة
سفيان مرجع
الحرب التجارية الشرسة التي إندلعت بين أمريكا و الصين منذ سنة 2018 ليست إلا إنعكاسا للهلع و الخوف اللذان أصابا أمريكا بسبب النمو المتسارع للإقتصاد الصيني، مما قد يؤدي إلى تبوء الصين قيادة العالم الجديد مع نهاية 2020 أو نصف 2021 على أبعد تقدير، الشيئ الذي لن تتقبله أمريكا بصفتها أعظم دولة في العالم، مما دفعها إلى القيام بردات فعل عنيفة تجلت في تنزيل سياسة حمائية لإقتصادها بفرض ضرائب جمركية بملايير الدولارات على كل المنتجات المستوردة من جل دول العالم، و منها من طالت حتى حلفائها داخل “حلف الناتو”، الشيئ الذي أدخل العالم في “ركود إقتصادي حاد” بدأ يتحول إلى أزمة إقتصادية عالمية بالتدرج. و مما زاد من شدة هذه الأزمة، حرب أسعار البيترول الجارية بين منظمة “أوبيك بزعامة السعودية” و التي تخدم مصالح الأمريكيين، و روسيا التي تريد أن تمنع أمريكا من الإستمرار في إنتاج النفط الصخري و من توسيع حصتها من السوق العالمية للبيترول.
كيف ذلك؟ لكي نفهم اللعبة، يجب معرفة أن تكلفة إستخراج البيترول العادي في العالم تتراوح بين 10 و 15 دولار للبرميل، و هي تختلف بين الدول المنتجة حسب ضروف الإستخراج و الطاقة الإنتاجية للآبار و تكنولوجيا الإستغلال و الظروف الطبيعة و التضاريس و قيمة العملة و سعر اليد العاملة و حتى بنود عقود الإستغلال المبرمة بين الشركات و الدول المنتجة…
المهم، مع مطلع 2020، و إلى حدود اليوم، سعر البرميل نزل إلى ما يقارب 20 دولار للبرميل، و هو أدنى مستوى له مند ما يزيد عن 18 سنة، ويمكن أن يواصل نزوله إلى 12 دولار حسب المختصين في المجال، الشيئ الذي يجعل أمريكا عاجزة أمام هذا الوضع، حيث أن هذه الأسعار أقل بكثير من كلفة إستخراج النفط الصخري الأمريكي (لي قاتلانا بيه ماريكان فالإعالم وكاتنفخ فالمميزات ديالوا وتحاول تقلل من مصاريف ديالوا أمام العالم) الدي يتطلب تكنولوجيا عالية جدا تسمى تكنولوجيا الزلازل، تجعل من كلفة إستخراجه تتجاوز سقف 40 دولار أمريكي للبرميييل، مما سيعلق إستخراج و إستغلال البيترول الصخري الأمريكي و سيدفع العديد من الشركات و المقاولات الأمريكية إلى الإفلاس، و بالتالي تضرر كبير للإقتصاد الأمريكي و فقدان آلاف مناصب الشغل و شلل للبورصات و فقدان الدولار هيمنته على النظام العالمي.
اذا، روسيا، و بإتباع سياسة إغراق السوق العالمية بالنفط و عدم خفض إنتاجها اليومي كما طلبت منها ذالك منظمة OPEC، زد على ذالك النقص الكبير للطلب الذي تعرفه السوق العالمية بسبب الركود الإقتصادي العالمي بسبب وقف عجلة الإنتاج العالمي و تضرر إقتصاد الصين من وباء فيروس كورونا مما جعلها تخفض من إستهلاكها اليومي للبيترول، و جر روسيا للمملكة العربية السعودية للدخول في حرب تنزيل الأسعار بالزيادة في إنتاجها اليومي من البيترول (أي السعودية) علما أن إقتصاد روسيا يعتمد فقط على 30% من عائدات البيترول فيما إقتصاد السعودية يتجاوز إعتماده على مداخيل البيترول 70%. كلها معطيات و عوامل أدخلت بورصات العالم في إنهيار تام، و بالتالي إنهيار نظام الدولار مما سينهي قريبا الهيمنة الأمريكية على الإقتصاد العالمي.
أمريكا بالطبع لها مختصين و مؤسسات و مراكز دراسات و تقارير تستبق السقوط في هذا المخطط المحكم، مما جعلها كما قلت سابقا ترد بعنف و في كل الإتجاهات للحيلولة دون وقوع ذالك، فمثلا، حاولت إقناع الدول الأوروبية بالإستغناء عن الغاز الطبيعي الروسي الذي يغطي نسبة كبيرة من إحتياجات القارة العجوز من هذا المصدر الطاقي المهم، حيث تصل نسبة إعتماد بعض الدول الأوروبية على الغاز الروسي كألمانيا إلى 70%.
أمريكا وعدت الدول الأوربية بإخراجها من قبضة بوتين وهيمنته على حاجياتهم من الغاز، و ذلك رفع صادراتها من الغاز الطبيعي نحو أوروبا بملايين الأطنان، كما عرضت عليهم حل إنشاء أنبوب الغاز المسيل “الشرق الأوسط – أوربا” عبر اليونان، لكن الدول الأوروبية تفطنت لخطة أمريكا ومحاولتها التحكم في مصادر الطاقة الأوربية، وعلى رأسهم ألمانيا التي فهمت مدى خطورة الإستغناء عن الغاز الروسي و الإعتماد على الغاز المريكي، بأنه عملية إنتحارية جماعية لأوربا، كما أن سعر الغاز الأمريكي سيكون أغلى بكثير من سعر الغاز الروسي و الذي تأقلموا معه و يعرفون خاصياته و تقلبات أسعاره و خصوصياته، مما زاد من حدة ردات فعل ترامب ضد أوربا، و بالتالي تفاقم الأزمة الإقتصادية العالمية. أمريكا و بإتباعها سياسة فرض الضرائب على المنتجات و الصادرات الأوربية نحو أمريكا تحاول لعب آخر ورقة لها من أجل الضغط على الدول الأوروبية للحفاظ عليها كحليف و شريك أساسي في المواجهة القائمة بينها و بين حلف الصين و روسيا.
موضوع آخر جد مهم يسبب الرعب و الخوف لأمريكا من الهيمنة الصينية و توسيع رقعة توغلها في العالم، و هو مشروع “طريق الحرير الجديد” الذي يربط أقصى شرق الكرة الأرضية (الصين) بأقصى غربها مرورا بأزيد من 123 دولة حول العالم، و الذي يعرف تقدما كبيرا و توافقا بين كل الدول التي سيقطعها هذا الطريق سواءا في نسخته البرية أو البحرية، مما يتطلب مضاعفة عدد القواعد العسكرية الصينية على طول هذا المشروع لحمايته. و إذا كان طريق الحرير القديم ساهم في إزدهار و تطور حظارات عديدة عبر التاريخ و بالوسائل البسيطة المتاحة آنذاك (الحضارة المصرية و الهندية و الرومانية…)، تصوروا معي مذا تأثيره على العالم في زمن التيكنولوجيا و الجيل الخامس من الأنترنت و سرعة التنقل و تتطور وسائل اللوجيستيك، ألا يسبب كل هذا رعبا حقيقيا لأمريكا؟
اليوم، و بعد تفشي وباء كورونا في العالم، بدأ تبادل الإتهامات المباشرة و التراشق اللفظى بين القيادات بيكين و واشنطن حول من تسبب في هذا الوباء، مما زاد من إشتعال وقود الحرب المقبلة بين القوتين. فمع إقتراب موعد الإنتخابات الأمريكية المقبلة، ووضع الجمهوريين الفوز بالرئاسيات المقبلة نصب أعينهم، أي فوز ترامب بولاية ثانية، لن يكون هناك حل غير إعلان ترامب الحرب ضد الصين قبل نهاية 2020. حرب ليس الهدف منها إثبات من الأقوى أو من سيفوز، لكن الهدف الحقيقي منها هو الجلوس على طاولة المفاوضات من أجل رسم النظام العالمي الجديد لأنه الحل الوحيد المتاح أمامها، حيث أن أمريكا لن تقبل خسارة هيمنتها على العالم لصالح دولة أو حلف آخر، لكنها قد تقبل إقتسام هذا الدور و المركز، فالتاريخ اليوم يعيد نفسه، بعودتنا لنفس النظام العالمي قبل إنهيار الإتحاد السوفياتي سنة 1991، إلى نظام عالمي بقطبين، لكن القطبين هذه المرة هما قطب الولايات المتحدة الأمريكية و وقطب مشترك بين الصين الشعبية و روسيا الإتحادية.
إذا، السؤال المطروح الآن، أين نحن من كل هذا؟ و كيف ستتمركز باقي دول العالم من النظام العالمي الجديد؟ فنحن لا محالة سنضطر للتعامل مع هذا العالم الجديد، لذا يجب علينا رسم خارطة طريق مفصلة، و تحديد كيفية التموضع و التعامل مع النظام العالمي الجديد، بدءا ببلادنا. علما أن المغرب بالقيادة الرشيدة لصاحب الجلالة نصره الله و سياسته الإستباقية، لطالما خلق توازنا جيدا في علاقاته بين كل مكونات هذين القطبين، مما يمكنه من لعب دور إستراتيجي قيادي بتحكمه في مقود السفينة الإفريقية، لما للمغرب من دور قيادي بالقارة السمراء و علاقته الوطيدة بجل الدول الأفريقية التي بدأ إشتغال الديبلوماسية المغربية مند سنوات.
في الأخير، يجب علينا إعداد فريق عمل بأسرع وقت ممكن لدراسة كيفية الإستفادة من هذه التغيرات الجيوسياسية و من الأزمة الإقتصادية العالمية و تحويلها لفرصة، لأن كل أزمة هي في الحقيقة فرصة، إذا أحسنا إستغلالها سنربح، و إذا لم نحسن إستغلالها سنخسر.
في الأخير، أنا لست بعالم أو باحث أو منجم، لكنني أطلع على مجموعة من التقارير الرسمية، و أتابع مستجدات العالم و أهتم بما يقع من حولنا، و أحاول ربط المعطيات فيما بينها للخروج بصورة واضحة لما يقع و توقع القادم.
