شكرا كورونا، كشفتَ المنافقين، وأخرجتَ أضغانَهم!
(سعيد عبيد)
لا تحتاج الشعوب والأممُ إلى وحدة الكلمةِ وتكاتف الصفِّ كمثل احتياجها إليهما في وقت المِحن والأزمات، وحينها تشاءُ الإرادة الإلهية أن يبرُزَ إلى العَلن المنافقون والمثبِّطون وأعداء الأمة المدسوسون في داخلها، حيث تفضحُهم ألسنتُهم التي تقطُر حقدا على الإسلام والمسلمين، مُلصِقةً بهما كلَّ نقيصة، كما يَغيظُها كل الغيظ أن ترى التفافَ عامةَ الناس ممن هم على الفِطرة حول حبل الله المتين، وعروته الوثقى: القرآن الكريم!
كتب الدكتور كريغ كونسداين Dr. Craig Considine قبل أيام مقالا بسيطا في مجلة نيوز وِيك Newsweek، تحت عنوان “CAN THE POWER OF PRAYER ALONE STOP A PANDEMIC LIKE THE CORONAVIRUS? EVEN THE PROPHET MUHAMMAD THOUGHT OTHERWISE” (هل يمكن لسلطة الصلاة وحدها أن توقف وباءً يشبه فيروس كورونا؟ حتى النبي محمدٌ فكَّرَ بطريقة أخرى)، مبينا فيه حكمة النبي (صلى الله عليه وسلم) في إدارة شؤون الأمة وقتَ الأزمات، حيث لم يلتزم بالتطبيق الحرفي الظاهري للوحي، وإنما أخذ بروحِ الدين، وهو وحْيٌ أيضا، من خلال الأخذ بأسباب الاحتراز، ودفع عوامل المضارِّ، وغيرها مما هو معروف لدى علماء المسلمين والمتفقهين منهم كمعرفة الشمس في وسط السماء.
وفي الوقت الذي كتب فيه “كريغ” هذا التنويه بشخص النبي الكريم، نلاحظ أن الخطاب الغربي المناوئ للإسلام قد كفَّ تماما عن مهاجمته والاستهزاء به، كما هي عادتُه، وذلك لانشغاله بما هو اليومَ شُغلُ البشرية جميعا: وباء كورونا.
غير أن هذا الوباء نفسَه – من عجبٍ – سيُوقظ ألسنةَ المنافقين والمثبطين وأقلامهم ممن لا يتحلَّون بفضيلة الدكتور “كريغ”، أو على الأصح سيُخرجها إلى العلَن، مهاجِمةً الإسلام والمسلمين والقرآن وعلماء الإسلام والمساجدَ والدعاءَ وغير ذلك من مقوِّمات الدين، بدعوى أنها ليست بذات فائدة، وأنها مجردُ سلبية وانهزام، وأنها لن تقدم، ولن تؤخر، وأن الدول الغربية “الكافرة” هي من يسعى ليل نهار إلى البحث عن دواء لإنقاذ العالم، بينما الأمة الإسلامية في سبات عميق، إلى غير ذلك من الكلام المكرور الذي كثيرٌ منه مجرد تلبيس على العوامِّ، وكثير منه مجرد تدليس للحقائق، وبعض منه صحيح أُسيئَ توظيفُه للطعن في الدين، واستراتيجية “كلمة الحق التي يراد بها الباطل” من منهج المنافقين عبر التاريخ، منذ رأسِ المنافقين الأول عبد الله بن أُبيِّ بن سَلول الذي جاء يحلفُ للنبي الكريم بالأيمان المغلَّظة بأنه يؤمن به، وأنه يشهد أنه رسول الله، لكنَّ الله فضح سريرته وسرائر حِزبه إلى يوم الدين: “إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ، وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ، وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ”. صدق الله العظيم.
هؤلاء المندسُّون في صفِّ الأمة يعلمون علمَ اليقين أن القرآن الكريم ما ترك من فضيلةٍ إلا دعا إليها، ومنها فضائلُ التبريز في كافة العلوم المفيدة للبشرية إلى درجة حثهم على اكتشاف الفضاء المجهول (إن استطعتمُ أن تنفذُوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا، لا تنفذون إلا بسُلطانٍ)، سُلطانِ العلمِ، ولكنّهم يسترُونَه ليصوِّروا القرآن كأنه كتابُ جهلٍ وإخلادٍ إلى الأرض!!
هؤلاء المندسُّون في صفِّ الأمة يعلمون علم اليقين أن تاريخ الأمة حافل بأمجاد العلوم في الطب والرياضيات والكيمياء والخيمياء والصيدلة والبيطرة والهندسة والبصريات والطيران، أجل والطيران الذي نتشرف بأننا كنا أولَ أمةٍ تنجز فيه تجربة علمية في الأندلس منذ 12 قرنا، ولكنَّ المنافقين – وهم تلاميذ المستشرقين المنتقين المنحازين – يعمَوْن عن كل هاته الأضواء الساطعة، ويذهبون طولا إلى بُقَع الظلام التي لا تخلو منها أيُّ أمَّة ليبرزوها للناس كأنها هي التاريخ، كلُّ التاريخ!!
هؤلاء المندسُّون في صفِّ الأمة يعلمون يقينا أن المساجد ضامن لُحمة الأمة، ومؤسستُها الاجتماعية الرائدة – لو لم تُقيِّدْها سلاسل أنظمة الحديد والنار – لذا يغلي دمهم عليها نارًا، ولو استطاعوا أن يتخذوا مسجدا ضِررا لما قصّروا، فهم يؤلِّبون الحكوماتِ عليها، وينفِّرون الناس منها، ويُسفِّهون رسالتها، وقول الله تعالى “ومنْ أظْلَمُ ممَّن منعَ مساجدَ الله أنْ يُذكَر فيها اسمُه، وسعَى في خرَابِها” يفضحهم!! (طبعا قرارُ تعليق صلاة الجمعة والجماعة في هذه الظرفية لا يَخفَى صوابُه إلا على الجُهال والمتنطعين). هؤلاء المندسُّون قاموا – نعام آسِّ – لـ”يحاسبوا” المحسنين – بدل الحكومات التي تنفق ملايير الملايير في تفاهات “الترفيه” المُخزي والتجهيل والتدجين – لماذا يصرفون أموالهم في بناء المساجد، وليَجلدوا ظهورهم بسبب إحسانهم، مع العلم أنها أموالهم الخاصة يفعلون بها ما شاؤوا، بينما أموال الدولة هي الأموال العامة، وهي المسؤولة وجوبا لا تطوعا عن إنشاء مؤسسات البحث العلمي والمستشفيات وغيرها من المرافق الضرورية. هذا علاوة على أن الإحصاءات نفسها تثبت أن البلاد تعاني نقصا في المساجد بالمقارنة مع عدد الساكنة؛ فوجدة نفسُها التي تلقب بمدينة المساجد تعتبر متخلفة للغاية بمعيار توفير المسجد لعدد مقبول من المصلين، وهو مرفق عمومي، بعدد 450 مسجدا فقط لفائدة 7000000 نسمة!!!
هؤلاء المندسُّون في صفِّ الأمة يعلمون علم اليقين أن الطاقات العلمية المسلمة التي يزخر بها الغرب دليل على أن المشكل في أنظمة التشغيل و”البحث العلمي” في البلاد الإسلامية، لذلك هُجِّرت تلك الطاقات إلى حيثُ يرحَّب بها بالأحضان، ومع ذلك لا ينفكُّون يطعنون في الإسلام كأن الإسلام الذي يدعو في ألوف الآيات إلى سلطان العلم ونفع الناس هو المسؤول عن تخلف الأمة!!
هؤلاء المندسُّون في صفِّ الأمة يعلمون علم اليقين أن الأمة الإسلامية لم تكن يوما مهدِّدة للبشرية، فلا هي التي “أنتجت” فيروس كورونا، ولا هي التي صنعت من قبلُ القنبلة الذرية ورمت بها مدنا بريئة كاملة، ولا هي من استعمر البلدان شرقا وغربا وجنوبا، ونهب خيراتها تحت ضغط الرأسمالية المتوحشة، ولا هي من استعبد ملايين الرقيق السود في أسواق القطن الأمريكية، ولا هي… ولا هي… ومع ذلك ما تركوا من نقيصة إلا ألصقوها بها، حقدا وبغيا!! في حينٍ تَسْلَم الصينُ – مثلا – من ألسنتهم، وهي مهدُ الفيروس إن لم يكن صناعة مختبرية في حرب بيولوجية خبيثة بينها وبين أمريكا يوشك العالم كله أن يدفع ثمن خُبثها!! عجبي !!
إن الأمم – في أوقات الضيق – لا يمكن أن تتجاوز مِحنَها إلا بتوجيه العلماء العاملين، وبسواعد المناضلين الصادقين، وبتجنُّد الطاقات المخلصة لأُمَّتها التي لا تقدِّم ولاءً على الولاء لها، ولو اقتضى الأمرُ منها أن تلبسَ روحًا فدائية. أما هؤلاء الذين يعملون ليل نهار، وفي السر والعلن، ليُقيِّدوا أيديَ الأمة وأرجُلَها خدمةً لأعدائها من حيث يدرُون، ويتقاضون عليه أجرا، وهم المنافقون، أو من حيث لا يدرون، ومجانا، وهم الجهلةُ، فلن يذكرهم التاريخ إلا كما يذكر المسلمون اليوم منافقي العصر النبوي الذين فضح الله سرائرهم بقرآن يُتلى إلى يوم الدين، وأيَّد – بالمقابل – المؤمنين الصادقين بنصره وعزته، (ولله العزةُ، ولرسوله، وللمؤمنين، ولكنَّ المنافقين لا يعلمون). صدق الله العظيم.