وباء كورونا كيف نفهمه وكيف نتعامل معه؟
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين.
وباء كورونا كيف نفهمه وكيف نتعامل معه؟
بقلم : عبد المجيد بنمسعود
لقد خلق الله عز وجل الإنسان لغاية سامية في هذه الأرض، هي أن يضطلع بوظيفة الاستخلاف، مصداقا لقوله تعالى:” وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ ( البقرة:30)” وزوده بكل ما يحتاجه لإنجاز هذه المهمة العظمى، وحمل هذه الأمانة القعساء، على مستوى منهج السير، أو خريطة الطريق، التي تضمن له الوصول إلى بر الأمان، إلى سعادة الدارين، الدنيا والآخرة.
وعلى مستوى الوسائل والإمكانات، التي تتيح له الوفاء بكل التكاليف والمتطلبات، يقول الله جل جلاله:” وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۙ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ” (النحل78).
ويقول سبحانه:” وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ” ( الجاثية: 13)
فتلك وسائل الفهم والإدراك، التي تمكنه من البحث والاستكشاف، وتمييز حقائق الأشياء، واستخراج مكنونات الأرض وذخائرها، وهذه مادة الاستخلاف ومجاله الرحب الفسيح، الذي يصول فيه الفكر ويجول، وينفذ من خلاله خطط البناء والعمران، موظفا ما حباه الله به من كيان جسماني حركي مطواع.
وحذره سبحانه وتعالى، من مغبة السقوط في مخالفة ذلك المنهج القويم، وتنكب ذلك الطريق السديد، أي مخالفة ما صدر إليه من أوامر وتعليمات وأحكام، بها استقامة نفسه، وصلاح أمره، مما ينتج عنه لا محالة، وقوع في الفساد والانحراف، الذي يعني تعطيل الطاقات، وإهدار الممكنات، وإدخال المجتمع الإنساني في نفق مظلم، يفضي إلى المجهول، وإلى ما لا يحصى من الكوارث والزلازل والهزات، التي يفقد فيها الناس نعمة الأمان، ويغرقون في لجة الشقاء، ودوامة الألم والعذاب.
هذه مقدمة أراها ضرورية لأذكر بعض الكلمات المتعلقة بالبلاء الذي ألم بالإنسانية جمعاء، بلاء كورونا الذي طرق كل باب، فكيف نفهم في ضوء كل ذلك سلوك هذا المخلوق العجيب، الذي أقض المضاجع وفرق الأحباب، وتقطعت جراءه الأسباب؟
1 -إن أول شيء ينبغي أن نستحضره لفهم كورونا،
أن نعتقد اعتقادا جازما أنها خلق من خلق الله، سلطه على العباد، لحكمة أرادها سبحانه، وأمر أبرمه لخير البلاد والعباد، فحاشى أن يقع في هذا الكون أمر لم تتعلق به إرادته جل وعلا، فهو سبحانه يقول:” أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ۗ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ” (الأعراف: 54)، ومن معاني الربوبية أن الله سبحانه وتعالى يرب عباده ويتعهدهم بالتقويم والتهذيب، ويأخذهم بالوعد والوعيد، والترغيب والترهيب، ويزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن. وأن الله عز وجل الذي يتصرف في ملكه كيف يشاء، قد يأخذ القرى بالإهلاك والاستئصال إن هي أمعنت في الغي والطغيان، وناجزته الخصومة والعداء، وأسلست قيادها للمترفين، وسقطت في حبائل الشيطان، يقول الله سبحانه وتعالى:” وَإِذَآ أَرَدۡنَآ أَن نُّهۡلِكَ قَرۡيَةً أَمَرۡنَا مُتۡرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيۡهَا ٱلۡقَوۡلُ فَدَمَّرۡنَٰهَا تَدۡمِيرٗا وَكَمۡ أَهۡلَكۡنَا مِنَ ٱلۡقُرُونِ مِنۢ بَعۡدِ نُوحٖۗ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِۦ خَبِيرَۢا بَصِيرٗا ” ( الإسراء: 16 – 17).
وقد يأخذها سبحانه بالتخويف، حتى ترتدع، وتؤوب راجعة بعد تمرد وعصيان، وذلك بإرسال بعض آياته، مصداقا لقوله جلت قدرته:” وَمَا نُرۡسِلُ بِٱلۡأٓيَٰتِ إِلَّا تَخۡوِيفٗا” ( الإسراء: 59).
والذي نراه رأي العيان، ونستشعره بالوجدان، أن هذا الذي يجري في كل مكان، على وجه البسيطة، هو خوف عارم يلف بني الإنسان، ويأخذ منهم كل مأخذ، ولقد بات يؤرقهم التفكير فيما سيؤول إليه أمرهم جراء استشراء هذا الوباء الغريب الوبيل، الذي يحصد الأرواح.
لقد عمت الحيرة والذهول إزاء هذا الموت الذريع، كما سماه الإمام ابن حنبل رضي الله عنه، في تفسير آيات التخويف، والموت الذريع هو موت “: فاش لا يكاد الناس يتدافَنُون” كما جاء في (معجم المعاني الجامع). لقد عصفت بالناس الوساوس والأوهام، حتى إن الواحد منهم لتنتابه الهواجس أهو سليم أم مصاب، بسبب طبيعة هذا الفيروس الذي من شأنه أن يتخفى لمدة في الأبدان، قبل أن تظهر أعراضه للعيان، فتبدأ إذ ذاك رحلة المتاعب بالخضوع للتطبب والعلاج، إن وجد المرء إلى ذلك سبيلا.
2 – الأمر الثاني : إعلان التوبة وعزم الأوبة:
أنه يترتب على فهمنا لكورونا المستجد، أو ما يطلق عليه كوفيد 19، باعتباره مخلوقا خلقه الله، ويسره لما خلق له، مصداقا لقوله تعالى:” قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ” (طه:50)، وباعتباره سببا في فيما يصيب الإنسان من أعراض مرضية خطيرة تهد كيانه، وتلفه بشتى الأوجاع والآلام، وقد تتلفه وتودي به، إن لم ينفع معه علاج، وكتب الله له الفوز بالشهادة إن هو صابر واحتسب، وأخذ بالأسباب، أسباب الوقاية وطلب العلاج والدواء، يترتب عن ذلك أن نترجم فهمنا إلى سلوك رشيد، فنجدد العهد مع الله عز وجل، ونصحح سلوكنا الذي استحققنا به هذا التحول في الأحوال، من صحة إلى اعتلال، ومن رخاء إلى إمحال، ومن أمن إلى خوف وسوء مآل، فنتوب إلى الله العزيز المتعال، مما اقترفت أيدينا من المعاصي والآثام، لعله جل وعلا يتفضل علينا بالتوبة وإصلاح الحال والمآل. فالله سبحانه وتعالى ما بدل حالنا إلا لجنوحنا وانحرافنا، وفسادنا وطغياننا، بسبب غفلتنا وانطماس بصائرنا، وقسوة قلوبنا. فالله عز وجل يقول:” وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ: ( النحل:112).
3 – الأمر الثالث: أن نأخذ بالأسباب:
فنقوم بجميع الاحتياطات التي يأمر بها المختصون من أهل الشأن الصحي، ومن هم مخولون بالسهر على أمن الشعب، ونطبق جميع التعليمات التي من شأنها أن تجنبنا العدوى، واستفحال الداء، بما في ذلك الحرص على النظافة، ولزوم الحجر الصحي، ، مستحضرين في ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم وتعليمه المتعلق بالتعامل مع الطاعون، “إذا سمعتم به بأرض فلا تدخلوا عليه وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها فرارًا منه.” ((متفق عليه). وقوله عليه الصلاة والسلام:” “لَا يُورِدُ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ”( صحيح البخاري، كتاب الطب باب لا هامة…).
4 – الأمر الرابع: لزوم الدعاء:
أن نشفع توبتنا وإصلاح أعمالنا، بالتوجه إلى الله الرحمن الرحيم، العزيز الحكيم، الشافي والمعافي، النافع الضار، كاشف البلوى والأضرار، المنتقم الجبار، مالك الملك، من له الأسماء الحسنى، ندعوه باسمه الأعظم،الذي إذا دعي به أجاب، أن يرفع عنا البلاء، ويكشف عنا الداء.فالدعاء كما جاء في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم “مخ العبادة”، وفي رواية “هو العبادة”، ونستحضر في هذا المقام حديث أصحاب الغار الذين أزاح الله عنهم الصخرة وفرج عنهم ما كانوا فيه من ضيق وبلاء، بسبب تقربهم بين يديه جل جلاله، بأحسن ما قدموا بين يديه من أعمال جليلة خالصة.
5 – الأمر الخامس: التقدم بين يدي الله عز وجل بالصدقات:
ففضل الصدقة في شريعة الإسلام معروف للخاص والعام، وهو لعظمته وشهرته، يعتبر عنصرا أصيلا في ثقافة المجتمع المسلم، يعرفه الصغير والكبير. وإذا كانت فائدة الصدقة تعم جميع الأوقات والأحوال، فإنها تزيد وتربو في أحوال الشدة والأزمات، حين تشح الأموال والأقوات، كما هو الحال فيما نحن فيه جراء هذا الوباء الخطير الذي سدت بسببه كثير من أبواب طلب الأرزاق، بسبب انحباس الناس في منازلهم مخافة العدوى، وحرصا على توفير شروط العافية والشفاء، والخروج من دائرة البلاء. يقول الله عز وجل:” إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ ۖ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۚ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ” (البقرة: 271)
عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال: أتى رجل من تميم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال: يا رسول الله، إني ذو مال كثير، وذو أهل ومال، وحاضرة، فأخبرني كيف أصنع وكيف أنفق؟ فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «تخرج الزكاة من مالك فإنها طهرة تطهرك، وتصل أقرباءك وتعرف حق المسكين والجار والسائل». [رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح].
فمما لا شك فيه، أن نزول هذا البلاء، هو بسبب ما اقترفناه من معاصي وذنوب، فتكفير السيئات من ثم فتح لباب التطهر، وسبيل للتتحرر من ربقة البلاء.
وقال الإمام ابن القيم: إنّ للصدقة تأثيراً كبيراً في دفع البلاء، ويستوي في ذلك ما إن كانت من مسلمٍ، أو فاجرٍ، أو كافرٍ، أو ظالمٍ، كما ذكر في حديثه عن فوائد الصدقة أنّها تقي الإنسان من مصارع السوء، وتدفع البلاء حتّى عن الظُلّام.
6 – الأمر السادس: الصبر والاحتساب: أن نواجه هذا المصاب بالصبر والاحتساب، واضعين في الحسبان، أن الله عز وجل من شأنه أن يبتلي عباده ببعض المصائب اختبارا لإيمانهم، وصدقهم وإخلاصهم، يقول الله تعالى:” وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِين”َ (البقرة :155 ).
ومما يساعد على الصبر، إيمان المسلم بقضاء الله وقدره، الذي يشمل الأقدار المؤلمة، وثقته التامة الجازمة بأن وراء ذلك تكمن رحمة الله عز وجل، واستحضاره لحقيقة تميزه عن غيره ممن حرم نعمة الإيمان، فإذا كان الوباء الذي يصيب هؤلاء يداهمهم على حالة الكفر الذي يورث سوء العاقبة والخسران في الدار الآخرة، فإن ابتلاء المؤمن به، قد يكون سببا في الرحمة وحسن العقبى، فضلا عن أنه قد يكون فاتحة لتجديد العهد مع الله، بطي صفحة هجران كتابه الكريم، وشرعه الحكيم، والعودة إلى الاستظلال بشجرة الإسلام الوارفة الظلال، الجنية الثمار، والمورثة لبركة الأعمار، بفضل الوارث المنان الواحد القهار.
فلنجعل يا أمة سيدنا محمد العدنان، عليه الصلاة والسلام، هذا الابتلاء فرصة للتطهر من الأدران، والإذعان للواحد الديان.
وجدة في 07 – 04 – 2020 موافق 13 شعبان 1441