سلطان بدون وزير
محمد شحلال
بوسع الإنسان أن يحلم بالوصول إلى أسمى المناصب، إلا منصب السلطان الذي لا مجال فيه للأحلام،حيث ظلت تحكمه أعراف وشرائع احتمت بالقانون ليظل صاحبه في منأى عن الأطماع.
وبما أن لقب السلطان يظل مميزا بحمولة السمو في كل شيء،فإن الناس قد ابتدعوا مسوغات لتبوء السلطنة الرمزية في مناسبات محددة.
إن أبرز مناسبة تتيح للرجل أن يصبح سلطانا عابرا في تجمع سكاني محدود،هي الأعراس.
لقد كان من حظ المقبلين على الزواج أن يتقلدوا لقب السلطان العابر من غير أبسط المؤهلات،حيث كان المتزوجون عندنا في البادية ينتقلون مباشرة من لقب الراعي النمطي، إلى لقب سلطان،،سبعة أيام،،يحظى خلالها بكامل الاحترام قبل أن يخلع لبوس السلطنة من غير انقلاب، ليعود لمعانقة الأوصاف السابقة واللاحقة.
وبما أن الحياة في بلدتنا قديما،كانت تقوم على نوع من التعاقد الاجتماعي العرفي،فإن الذين كانوا يتعاقبون على اكتساب لقب السلطان،ما كان سلطانهم ليستقيم من غير الاستعانة بخدمات وزير له ما يكفي من الخبرة ليتجاوز مدة الانتداب السلطاني بسلاسة.
ليس منصب الوزير بجديد في الثقافة والتراث الإنسانيين،ذلك أن كل سلاطين الأرض ،قد احتاجوا لوزراء يساعدونهم في تدبير الشؤون،بل إن نبي الله موسى عليه السلام قد سأل الله أن يجعل من أخيه هارون وزيرا يشد أزره ،فكان له ما سأل،لأنه سيواجه ملكا جبارا قد تخونه عقدة لسانه في مقارعته.
أما بالنسبة لسلاطين بلدتي،فإن حاجتهم إلى وزير اقتضتها،،مواجهة،، امرأة يقضي معها بقية حياته إن حسنت العلاقات المتبادلة،وهو يراها عن قرب لأول مرة في الغالب.
كان وجود وزير ،،الحميمية ،،معروفا بين الناس،وظلت خدماته مطلوبة إلى زمن غير بعيد،وذلك لسبب وجيه،هو أن المقبلين على الزواج،يجهلون كل شيء عن المرأة،وكانت معلوماتهم المتضاربة تتوقف على الروايات المتباينة،مما يجعل معظمهم يستسلم للخوف فلا يجتاز امتحان العمر بسلام !
لقد كان على الوزير أن يخص سلطانه بدروس استباقية ،لكنه قد يضطر لتجديد التعليمات في الليلة الحاسمة حتى لا يتحول السلطان إلى مادة للتندر والسخرية،كما حصل للعديدين.
كان على الوزير أن يظل غير بعيد عن السلطان ليقدم له الخدمة عند الضرورة،وكثيرا ما اقتحم حميمية العروسين ليساعدهما على تسريع الإنجاز الذي ينتظره أهل السلطان بلهفة، لتتعالى زغاريد النصر، بل إن السلطان البارع كان هو من يريح الأهل منذ حلول الظلام لترتاح أم العروس وتنطلق الرقصات وكل أشكال الطرب.
لم يكن حظ بعض السلاطين في الموعد ،حيث أن فشلهم الذي لم يجد معه تدخل الوزير،كان يفسح المجال أمام الفقيه الذي يتحول إلى بطل تغذق عليه العطايا إن هو تمكن من ،،حل الثقاف،،المسلط على أحد العروسين ،أو كليهما بدافع الحسد والغيرة وباقي ما في اللائحة من مبررات.
يجزم كثير من الناس بأن ظاهرة،،الثقاف،، موجودة منذ القدم،ويمكن تسليطها على الضحية بشتى الوسائل،بينما يظل السبب نفسيا في كثير من الحالات،مما يسمح للفقيه بأن يرفع من ثمن الخدمة ،وإن كانت طلاسيمه مجرد جرعة معنوية تسمح للعريس باستعادة زمام المبادرة.
وكما كان للعريس وزير،فإن العروس كانت تختار بدورها ،،وزيرة،، تظل قريبة منها،حيث تنفرد بها عند الحاجة لتقدم لها ما يسعفها على تجاوز الامتحان بسلام.
وبالعودة إلى ظروف يومئذ،فإنه لا يسوغ أن نتشفى في العرسان وأعطابهم لسببين رئيسيين : أولهما أن العريس ظل بعيدا عن عالم المرأة امتثالا للتقاليد والأعراف الصارمة إلا فيما ندر،ولذلك كان يجد نفسه وجها لوجه مع فتاة لا تقل عنه تزمتا وحياء، مما يجعل مهمتهما شبه مستحيلة.
أما السبب الثاني، فيتجلى في المسكن،حيث كان جل الأهالي يقيمون بالخيام،وخلال إقامة العرس، يخصص مكان للعروسين في زاويةمن الخيمة لا تسمح بأبسط شروط الحميمية، التي قد يتابعها أو يتلصص عليها من شاء ،وكان هذا،، المحجز،، البئيس يعرف ب: ،،ثوغللت،،سيئة الذكر !
ظل المقبلون على الزواج يجتازون امتحانا نمطيا ،لم يخل من مخلفات اجتماعية ونفسية، ولم يبدإ التغيير إلا بتنامي الوعي والاستقرار الذي فرض بناء بيوت تضمن بعض الستر،وهو ما عجل بانقراض وظيفة وزير السلطان التي يتذكرها الناس بحسرة وندم باعتبار ذلك ممارسة بغيضة كانت تسهم في تشييء المرأة التي يتعين أن تصان كرامتها في كل مراحل حياتها.
إن المتأمل في سيرورة الأشياء ،لن يفوته أن يدرك بأن الناس ما إن يتخلصوا من تقليد عفا عنه الزمان،حتى يسقطوا في آخر لا يقل قبحا.
وهكذا،فقد اختفى وزير،،الحميية،، وحلت محله،،النكافة،، والمصور والحلاق ،،،وكلهم يتحولون إلى شركاء في لحظات كان من المفروض أن يعيشها أهلها بعيدا عن الفضول الزائد ، والله أعلم