من وحي الكوفيد
الكورونا فيروس او الكوفيد 19، هو الأقوى حاليا بعد قوة الله و يعتبر عند الاطباء وعلماء البيولوحيا جرثومة مؤدية الي الجائحة ولا تري بالعين المجردة إلا باستعمال المجهر.
اعتبر بعض علماء الدين الإسلامي هذه الجرثومة جندا من جنود الله لا نراها لكن يثبت القران وجودها . قد يكون ثبوثها هذا عند البعض او ذاك عند البعض الاخر و قد يعتقد اغلب البشر ان الله سلطها على البشرية بسبب بعدها عن الطريق المستقيم، غير ان علماء آخرين لم يربطوا بين الوباء والبعد عن تطبيق التعاليم الدينية.
انبثق الوباء في الصين بكيفية او باخري لا مجال لنا للنبش فيها، ثم انتشر في دول أخرى ليسيطر علي العالم قاطبة ويذهل العالم بفعاليته المميتة حيث خلف الالاف من الضحايا. تجندت له كل القوى بجميع الوسائل الموجودة لديها لتحاصره في مرحلة أولى كوقاية وتنقذ ما يمكن إنقاذه من الناس الذين تعرضوا للعدوى ثم الانكباب علي ايجاد اللقاح المناسب والبحث عن الدواء للقضاء عليه في مرحلة ثانية.
مراكز البحث وعلماء الأوبئة في صراع مستمر مع الكوفيد 19 من اجل خفض عدد الوفيات التي تتزايد ساعة بعد ساعة في كثير من دول العالم، بداية من الصين حيث مسقط راسه منذ شهر ديسمبر الماضي الي وقتنا هذا، مرورا الي بلاد الفرس واروبا ثم امريكا، ضحايا تحصى بالألاف يوميا. ارغم هذه الدول العظمى الحاصلة علي الاسلحة النووية واسلحة الدمار الشامل علي الركوع امامه حيث لن تنفعهم في محاربته ولو سموا هذه الجائحة حربا عالمية ثالثة، كما زرع الرعب من بين الأثرياء وارباب العمل ليشغل الحكام ويحثهم على ضبط النفس واخذ الاحتياطات اللازمة ماليا لإنقاذ الاقتصاد من اي كارثة مرتقبة والذي بدأ يعيش ركودا شاملا تحصى خسائره بملايير الدولارات والمتمثل في غلق المقاولات وحبس الموصلات وتزايد العطالة.
يتم حاليا في جل الدول وضع الساكنة في حجر صحي في المدن والقرى تصاحبه نقاشات علمية وطبية وتوعية مجتمعية وكتابات وسخريات في جميع اشكالها ومنادات ومشادات. كما يسمع بكاء علي الاموات بالجملة وبأبواب المساجد والمعابد المغلقة وتضرع الي الله من اجل فتحها للعبادة الجماعية والاحتفالات الدينية كالمعتاد، عسى ان يتم الحد من انتشار هذا الوباء. رفع الاذان في اعلى الصوامع ودقت الأجراس في قمم الكنائس ونفخ في القرن داخل المعابد في آن واحد باروبا، كما سجد البشر في الازقة والساحات للتوسل الي الله.
مؤمنون وغير مؤمنون من جميع الاديان و في جميع الاقطار، مسؤولون وحكام من جميع الهيئات السياسية، الموالون لأنظمتهم والمعارضون لها، مجمعون حول شيء واحد الا هو مواجهة هذا الفيروس القاتل للقضاء عليه بالبحث و بالعلم لا بالأسلحة المذكورة اعلاه وذلك من اجل بقاء الشعوب و استمرارية الحياة، مقدمين تضحيات شتي كل حسب استطاعته، حيث ان من الناس من تطوع بوقته ومنهم من ضحى بعمله و من تبرع بماله ومنهم من تطوع بما يكسبه من اليات او مصحات او فنادق او مركبات…
فمنذ شهر تقريبا الكل يترقب ويتابع تطور ومستجدات هذه الظاهرة العالمية كتتبع كاس العالم لكرة القدم لا للترفيه والتخدير بل ليعيش فترة هدنة وتامل وتفكير في ما يجري وفي الحياة، وليبحث عن الاسباب والعواقب بتبادل وتقاسم المعلومات بين ذا وذاك و الإنصات الي الخطب وتتبع المحاضرات عبر الشاشة ومنابر ووسائل الاعلام والانكباب علي القراءة والمصالحة مع الكتاب، الشيء الذي تفقده الدول العربية والذي ليس من ثقافتها.
فخلال شهر من الحجر الصحي تمكن هذا الفيروس من خلق توازن اولا بيئي علي مستوى الكرة الارضية وخصوصا المدن المصنعة والمكتظة بالسكان وبالتالي ايكولوجيا على مستوى الطبيعة وما تكتسيه من نباتات ومياه وحيوانات و ثانيا اجتماعيا على مستوى الساكنة وما يترتب عليها من طبائع وتفاعل وتصرفات وتعايش وتغيرات في نمط العيش وتعامل مع الذات ومع الاخر وخاصة في البلدان النامية كبلادنا وحتى السجون التي تعيش اكتظاظا كبيرا عرفت إطلاق سراح عدد كبير من سجنائها لإيجاد توازنها ، ولا شك ان هذا سوف يخلق توازنا فكريا ببلدنا . اما الشي ء الذي يثير الانتباه وهو معاملة الطاقم الصحي العمومي المجند و الجد اجابي مع المصابين ومساعدات المصحات الخصوصية التي كانت ترغم الوافدين عليها علي دفع شيك موقع علي بياض قبل الاستشفاء حياة او موتا، ومراعاة الفقراء وذوي الدخل المحدود والعمل الغير الدائم بتدخل الدولة والمؤسسات ومساعدتهم ماديا لتزويدهم بنفس اخر من اجل الصمود وسد الرمق والحرص علي احترام الحجر الصحي…
فمنذ شهر تقريبا ، من القطاعات التي تعاملت مع الاوضاع الجديدة بمقاربة جريئة نذكر قطاع التعليم الذي تبنى مقاربة جديدة تتمثل في “التعليم عن بعد” حتى يواصل التلاميذ والطلاب دروسهم بواسطة هذه التكنولوجيا العالية والهائلة. في هذا السياق علينا ان نوجه تحية لنساء ورجال التعليم على مجهوداتهم للتكيف مع هذه المقاربة رغم صعوبة تنفيذها. حتي لا ننسى المجتمع المدني الذي تجند هو الاخر لمواصلة التوعية والمساعدات بتموين المحتاجين وإيواء المشردين تحت اشراف الوزارة الوصية، والطبقات الاجتماعية فيما بينها في اطار التكافل الاجتماعي . . الكل مطلع بواسطة وسائل الاعلام و التواصل الاجتماعي بما يجري ساعة بعد أخرى او من خلال ما نعيشه وما نراه بأم عيننا يوميا علي الساحة.
وحتى لا اطيل في هذه الأشياء التي الكل يعرفها يجب ان نتساءل على ما نترقب له مستقبلا من سيرورة بلدنا في هذا النمط منها الاعتناء بقطاع الصحة بكيفية انسانية واجهزة ومر افق موازية واطر ذوي كفاءات عالية التي نحن في امس الحاجة اليها دون اي محسوبية او زبونيه و تدعيم التدريس بتلك الوسائل و الكيفية الراقية وتلقينه بضمير مهني وبداغوجية عالية الشيء الذي فقده هذا القطاع الحيوي ثم الاستمرار في نشر التعايش بين الساكنة والسلطات المحلية بداية من مراقبة واحترام متبادل وامن حتي يعم الامان وينخفض الانحراف ويقل الاجرام ويخفف عن المحاكم وتقفل السجون وتنصب المدارس في المناطق النائية لمحاربة الجهل لتهيئ الاجيال الصاعدة كما نصبت المستشفيات العسكرية للضرورة القصوى كالتي نعيشها حاليا … اتذكر هنا نصا للكاتب مصطفي لطفي المنفلوطي رحمه الله لقن لنا بالقسم الابتدائي وعنوانه ” اين الفضيلة؟” فما كان تلقين مثل تلك النصوص لأجيال الامس الا لأعدادها للغد. فهل سيدعم البحث العلمي وتعطى له الاهمية من طرف من يحكموننا حتى يرد الاعتبار لعلمائنا ومفكرينا ومن اجل اكتشاف مواهب وطاقات فكرية وحث الادمغة علي البقاء في البلاد؟ موضوع أشرت اليه في مقال سابق نشر باللغة الفرنسية بموقع وجدة سيتي وعنوانهLe Coquelicot de l’Angad, وارجاع وتشجيع من هاجروا منها الي اروبا وامريكا من اجل النمو بالابتكار والاختراع والاكتشاف كما هو الشأن خلال البدء في اختراع الات الاكسيجين وتطوير المختبرات الطبية الذي تزامن صدفة مع اختراع وانتاج مركبة كهربائية. كفانا من النوم والعبث والاعتماد علي الاخر، نحن قادرون علي دفع عربتنا الي الامام بمجهوداتنا ووسائلنا الخاصة.
لقد عجز الانسان بعقله وقوة جسمه على اسعاف التطبيب وإنقاذ التعليم فجاء فيروس كورونا بعلته وحجمه الغير المرئي بالعين لارغام هذا الانسان ليعطيه درسا في الوطنية والمواطنة و توفير مبالغ طائلة من اجل الاستعداد لاعادة النظر في الاعتناء بهذين القطاعين الحساسين اللذين هما مبدئيا متواجدان في الواجهة واساس تطور وازدهار المجتمع وانقاذه من اي وباء، صحي او فكري كان… سيقرأ من طرف الاجيال المقبلة ما كتب و يسمع ما سجل حول هذه الظاهرة خلال عامنا هذا ليلقب ” بعام كورونا” كما هو الشان “لعام البون ” و سوف نحاكم علي كتاباتنا و اقوالنا لا محالة محاكمة دون استئناف احببنا ام كرهنا، اصبنا ام لم نصب.
وحتي لا تفوتني الفرصة اتقدم بأصدق التعازي الي اسر ضحايا هذا الوباء، كما اهنئ كل الذين من الله عليهم بالشفاء من هذا المرض.
كانت خاتمتي هاته بمثابة نداء لحكامنا ولمن يمثلوننا حيث تتوفر لديهم كل اليات التغيير، وكذا لذوي الضمائر الحية، من اجل المصالحة وتفقد الرعية حتي تعيش البشرية في رفاهية واطمئنان وسلام ، ومن اجل الإنصات الي مفكرينا وعلمائنا المهمشين بعد ما تذكر ولات امورنا ومدبرو شؤوننا انهم كلهم راع و كلهم مسؤول عن رعيته، “وعسى ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم”.
محمد بوعصابة ، فاعل جمعوي وكاتب / الرباط