الاكتفاء الذاتي و نهاية العولمـة
محمد المهدي ـ تاوريرت
إن ما نشاهده اليوم من تداعيات خطيرة جَـر التفشي السريع لوباء كورونا المستجد، هذا الأخير الذي حل بيننا دون سابق إنذار، إلى حد أنه فاجأ أكبر الدوائر البحثية المستقبلية في العالم، و أحرج أكبر القوى العالمية و أضخم الاقتصادات الحالية.. تداعيات خطيرة شملت كل جوانب الحياة العامة و الخاصة، ما فتئت تتزايد و تتسع يوما بعد يوم، إلى درجة لا يمكن لأي كان أن يتوقع مـآلاتِـها المستقبلية و انعكاساتها على الاقتصاد و على كل المجالات المرتبطة به، خاصة وأن الوباء لا يزال يتوسع عبر الجغرافيا العالمية حاصدا المزيد من الأرواح، و مُحطّما المزيد من الاقتصادات الوطنية و على الخصوص بالدول الفقيرة .
لكن العاقل من استفاد من نوائب الدهر و عوادي الزمن، و اتخذ من المحن دروسا و عبرا تَدْرأُ عنه ما قد يُلاقيه من كوارث مستقبلية.. وبالتالي ومن هذا المنطلق البسيط، يجب أن تفكر كل الحكومات بمصائر شعوبها، و في مقدمتها حكومات البلاد المسماة نامية أو “السائرة في طريق النمو” ومنها حكومتنا الموقرة التي ابتلي بها هذا البلد الأمين في هذا الزمن الأغبر. إذ أضحى حَري بها أكثر من أي وقت مضى التفكير ألف مرة بما حدث وسيحدث من جرّاء انتشار هذه الجائحة، كما يجب عليها إعادة حساباتها بعد انجلاء الأزمة بحول الله، والتسلح بِنِيَّــةٍ حقيقية للإصلاح الحقيقي لإعادة بناء الوطن والتخطيط السليم لتحقيق غاية واحدة و وحيدة و هي تحقيق “الاكتفاء الذاتي” و وضعِه كهدف حقيقي لسياسة الدولة مهما اختلفت أو تعاقبت الحكومات، لأن هذه الجائحة وضعت كل بلد أمام حقيقته الصارخة دون تنميق أو رتوشات أو بهرجة إعلامية خداعة، كما أبانت عن حقيقة مهمة للغاية، وهي أن أي دولة لن تصمد أمام مثل هذه التحديات الخطيرة إلا إذا كانت مُكتفيةً ذاتياً، فإن لم يكن من جميع النواحي، فعلى الأقل في المجالات الحيوية كالتعليم و الصحة و الفلاحـة.. وأنه لن ينفعك أحد في وقت الشدة إلا ما قدّمَت يَداك، لأنه حينَها سيكون الكل منشغلا بنفسه، ولن يَلتفت إلى استغاثَتِك أو صراخك أحد..!!
و بلدنا المغرب – و الحمد لله – له من الموارد و الطاقات و الكفاءات ما يُمَكّنه من تحقيق النهضة الشاملة التي تأخرت بفعل عوامل ذاتية و أخرى موضوعية لا يَسمح المجال هنا بالخوض فيها. إذ لا ينقصنا إلا توافر الإرادة السياسية و النيات الحسنة من طرف المسؤولين و أصحاب رؤوس الأموال و المستثمرين المحليين الذين يجب إيلاؤهم الأولوية و الأسبقية في كل شيء ، وحماية مشاريعهم التي تشكل خميرة الاقتصاد الوطني من المنافسة الأجنبية، وتقديم جميع أنواع الدعم إليهم، وذلك بتمكينهم من امتيازات ضريبية و قروض مُيسرة على مُدَدٍ معقولة، و بحماية المنتوج الوطني من خلال رفع الرسوم على الاستيراد، بل و فرض حواجز جمركية إذا اقتضت الضرورة ذلك. هذا بالإضافة إلى تشجيع المشاريع المتوسطة و الصغرى في المجال الصناعي و الخدماتي و الزراعي و الحيواني..إلخ.
إن الاهتمام بهذه القطاعات الحيوية والنهوض بها سيمكننا من تحقيق الاكتفاء الذاتي في أهم القطاعات، كما سيمكننا من تحقيق الأمن الغذائي للمواطن، و سيمنحنا القدرة على الصمود في وجه أي تهديد مستقبلي، و يجعلنا لا نحتاج إلى الآخر ، بالخصوص في الأشياء الضرورية لاستمرار الحياة بأقل الخسائر الممكنة..
أعتقد أنه من حسنات جائحة كورونا، أنها جعلتنا نَلتفتُ إلى الكفاءات المغربية و الطاقات الشابّة التي يَزخر بها بَلدنا ، كفاءات وطنية أصيلة تَسابقت في صورة زاهية لخدمة الوطن بكل إخلاص و وطنية جياشة ، كل من موقعه و كل حسب اختصاصه : ” خبراء ، مخترعون، جمعويون، أطباء، مسعفون، أساتذة، شرطة ، درك، قوات مساعدة، جنود ، رجال سلطة ، رجال نظافة، رجال أعمال..” .. صورة أعادت إلى الأذهان المواقف التاريخية للمغاربة عبر العصور. تلك المواقف التي أظهرت دون مجال للشك الطينة الطيبة لهذا الشعب الكريم و الصبور و الوفي ، شعب ما ينقصه سوى أن يَلتفت إليه المسؤولون، بأن يُلْقوا السمع إلى صوته، من أجل حقه في الكرامة و الحرية و العدالة الاجتماعية.
هذا نداء إلى الحكومة الحالية و للحكومات التي تليـها، أن تجعل “الاكتفاء الذاتي” للبلد و القطع مع تَبَعِيته للمستعمر هدفاّ استراتيجياَ لعملها، وأن تعمل بكل ما أوتيت من إمكانات لتحقيق هذا الهدف الأسمى، ضمانا لمصلحة الشعب و كرامة الوطن، وأن تُسخّر موارد البلاد المادية و البشرية لتحقيق هذا الهدف الذي سيجعلنا نَصمُد أمام ما تُخبِّـئُه لنا الأيام من مفاجئات..
هذا صَوتُنا جهْوريا قَد صَدحْنا به.. فهل سيَجِـد لدى من يهمهم الأمر صَدى ؟؟.
كلنا أمل في الغد !!
محمد المهدي ـ تاوريرت
17/04/2020