عمر حجيرة : ذكريات درب شقفان البراني
عمر حجيرة
ذكريات درب شقفان البراني
في سياق واجبي لمتابعة عمليات تنظيف وتعقيم وطلاء عدد من مناطق المدينة التي تقوم بها المصالح البلدية المختصة، كنت مؤخرا بالمدينة العتيقة لوجدة، حيث إنتابني شعور غريب وأنا أجوب دروبها خاصة بعدما ارتدت حلة جميلة وتحرر ملكها العام وأشرف البرنامج المندمج للتأهيل الذي رعاه جلالة الملك محمد السادس نصره الله على انتهاء الأشغال بها.
وجدة تفتخر بإستمرار بمدينتها العتيقة الذي تشهد على أكثر من ألف سنة من النضال والحضور والتألق على مدى العصور والأجيال، من المرابطين والمرينيين والسعديين ومواجهة الأتراك والاستعمار الفرنسي ونزول القوات الأمريكية ومؤازرة المقاومة المسلحة الجزائرية الى صفحات المقاومة المغربية الخالدة ثم المشاريع الملكية الكبيرة التي أشرف عليها جلالة الملك والتي أرجعت للمدينة رونقها …. صفحات خالدة من الصمود من أجل المحافظة عن وجدان المدينة في ريادة الانتماء للدولة المغربية الشامخة عبر العصور والقرون والأجيال.
وأنا أتجول بأزقة ودروب المدينة من زنقة الصياغة إلى سوق الجلد مرورا بساحة العطارين وصلت الى درب شقفان البراني، أحد الدروب المعروفة بالمدينة القديمة، حيث رجعت بي الذاكرة إلى سنوات طفولتي حيث كنا نزور هذا الدرب كل عيد لنتبادل التهاني مع خال والدي رحمه الله والذي كان يتقاسم بيتا مغربيا فسيحا مع جدي وأسرته.
في نفس هذا الدرب نشأ وترعرع الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، وعدد كبير من العائلات الوجدية العريقة في جو مغربي أصيل ورائع كان أبي يحكي لنا عن تفاصيل عيشهم وعن تضامن وتماسك الجيران وأهل المدينة بشكل قوي قل نظيره.
في درب شقفان لبراني كثير منا لا زال يستحضر رقية ميميس والزكراوي اللذان كانا يقطنان نفس الحي وقهوة البغدادي قرب نفس الزنقة وطيبوبة الحلاق عزوز لحلو وغير بعيد عن الدرب دكان معزوز وعمر الشقوبي وزاوية لقنادسة وضريح سيدي عبدالوهاب والجزارة وقهوة الشاي والبراد لعشاري التي يجتمع فيها فنانو الزامر والعلاوي والنهاري وكل ألوان الفن المحلي.
كان والدي رحمه الله يسعد حين يقودنا نحن أولاده في زيارة بين أطراف شقفان ومنزل جدي ليحكي لنا بشغف ظاهر عن الدار التي ازداد فيها ومعالم طفولته ودراسته بمدرسة سيدي زيان وأماكن لعبة الحرب بين أطفال مختلف دروب المدينة، ثم يمر كالمرشد المتمكن ليحكي لنا عن مراحل الصبى والشباب الى أن اقتادته من دار خاله حميدو بشقفان فيالق فرنسية من أنواع الجيوش الفرنسية المختلفة مدججة بالسلاح الثقيل الى وجهة مجهولة عقب اندلاع ثورة 16غشت 1953 الخالدة …
لا يمكن أن نتجول بأزقة ودروب المدينة العتيقة دون أن نفتخر ونتستحضر نساءا ورجالا شامخين ينتمون الى مدينة وجدة من المقاومة والدين والفكر والعلم والرياضة والفن والسياسية وكبار مسؤولي الدولة المغربية انجبتهم مدينتي وسيتحدث عنهم الحاضر والتاريخ بكل فخر واعتزاز، هم أسماء موجودة وستبقى كالأنوار الساطعة تنير في كل أرجاء المغرب وخارجه.
وأنا أغوص في ذكريات زمن جميل أخرجني صديق صادفته هناك من فوق السحب التي امتطيتها حين سألني: اخويا عمر راحنا طبنا في الدار وا فوكاش هاد المصيبة نتاع كورونا تروح علينا ….. أجبته أن فرج الله قريب.
ونحن نعيش هاته الأيام الفضيلة من شهر رمضان المبارك اللهم ارحم كل من رحل عنا إلى دار البقاء واللهم عجل برحيل هذا الوباء وارفع عنا البلاء لنرجع إلى حياتنا ومدينتنا وأهلنا واصدقاءنا في اقرب الأوقات وبأقل الأضرار .
اللهم احفظ بلادنا وملكنا من كل مكروه