هيئة المحامين بوجدة تاريخ حافل ومحطات لامعة
” الذاكرة كي تعمل جيدا في حاجة الى تمرين متصل ومستمر ، واذا لم تستدع الذكريات مرارا فإنها تتلاشى ”
الأستاذة سليمة فراجي / محامية بهيئة وجدة
سنة 1987 و في خضم سنوات الرصاص وزمن تقييد الحقوق والحريات ، نظمت جمعية هيآت المحامين بالمغرب التي كان يترأسها آنذك الاستاذ النقيب عبد العزيز بنزاكور ،مناظرة حول حقوق الانسان بالمغرب بمدينة وجدة، نظمتها وسهرت على إنجاحها هيئة المحامين بوجدة كان نقيبها انذاك الاستاذ اقويدر قنطري ، و التي بذلت مجهوذا من اجل إنجاح التظاهرة وتسجيلها بمداد الفخر في سجلات تاريخ المهنة العتيدة من جهة ، ورسمها في سجلات التاريخ السياسي ومسار حقوق الانسان الذي يعتبر حجر الزاوية و اختصاص بدون منازع لهيآت الدفاع في جميع انحاء العالم من جهة اخرى
مدينة وجدة التي استقبلت أقطابا ورجالات القانون والمبادئ وفطاحلة ساحات القضاء ، من محامين وحقوقيين لامعين ، تجرأت انذاك على اثارة مواضيع حارقة تتعلق بمواضيع الإصلاح والتغيير ،مواضيع تخص الديموقراطية والتصدي لقمع التعسفات والاختفاء القسري والتعذيب ،وانحراف القضاء وفصل السلط ونبذ الوصاية على العدالة وإعادة الاعتبار لهيبة مهنة المحاماة وحرية الرأي في زمن عرف انتهاكات جسيمة لحقوق الاتسان وفِي زمن كانت فيه قنوات التواصل الاجتماعي من ضروب الخيال ، وكان حق الوصول الى المعلومة الذي اصبح حاليا مدسترا من سابع المستحيلات
تم تنظيم المناظرة بمدينة وجدة سنة 1987 في أعقاب محاكمات سياسية عسكرية ومدنية ببعض مدن المملكة سنة 1984 ,منها مدينة وجدة التي عرفت احكاما قاسية كنا ندعوها انداك ” استانسيل ” لتشابهها وعدم دراسة وقائع كل قضية على حدة ، ولعل بعض المسؤولين حاليا واللذين عهد اليهم بمسؤوليات جسام كرئاسة مجلس المستشارين كان من بين المتهمين في هذه المحاكمات ، ناهيك عن الانتفاضات الشعبية التي عرفتها نفس السنة بمراكش وطنجة ووجدة وغيرها من المدن .
محطة اخرى من محطات هيئة وجدة العتيدةعرفتها سنة 2018 والتي ايمانا منها بالثوابت الجامعة للأمة و من بينها الوحدة الوطنية والخيار الديموقراطي ، وايمانا منها بمغرب الجهات واشعاع دور المغرب في تعزيز العلاقات والانفتاح على محيطه ، نظمت هيئة المحامين بوجدة بتاريخ 26 أكتوبر 2018 أشغال المكتب الدائم لاتحاد المحامين العرب في دورته الثانية لسنة 2018، تحت شعار : “دور المحامين العرب في بناء المنظومة الاقتصادية العربية”تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، خلال الفترة الممتدة بين 25 و27 أكتوبر 2018
وقد كان اللقاء فرصة التقى فيها المحامون العرب على مدى ثلاثة أيام، للتفكير في سبل الارتقاء بمرفق العدالة في البلدان العربية وتعزيز إمكانيات التعاون في المجالات ذات الصلة، في افق احداث ترسانة تشريعية تواكب التطور الاقتصادي وتمكن المحامين في زمن العولمة من ولوج عالم تحرير العقود ذات الطابع الاقتصادي وكل ما له علاقة بعالم الاعمال والاستثمار ،
اللقاء الذي عرف حضورا وازنا و متميزا ، عرّف خلاله السيد نقيب هيئة المحامين بوجدة الاستاذ الحسين الزياني رئيس الدورة ، بمسار الهيئة وتاريخها العتيد اذ تأسست سنة 1929 ولها باع طويل وصفحات ذهبية في الدفاع عن الوطن ومقاومة الاستعمار ، موضحا ان مدينة وجدة تجمع الكثير من التنوع الثقافي والاجتماعي والإنساني وتشكل نسيجا حضاريا من التاريخ والعلم والمعرفة،
ولعل اللقاء التاريخي الذي انعقد بمدينة السعيديةمن طرف المكتب الدائم لاتحاد المحامين العرب اتى في خضم مرحلة ما بعد دستور 2011 الذي ارتقى بالقضاء كسلطة دستورية مستقلة عن سلطتي البرلمان والحكومة، وتعمل مؤسساتها القيادية اي المجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة على بناء هياكل المؤسسة وتوطيد استقلال السلطة الذي يضمنه عاهل البلاد جلالة الملك بمقتضى الدستور.
اللقاء كان فرصة للتعريف والدفاع عن قضيتنا الوطنية ووحدتنا الترابية التي كانت محل تشويش منذ ان قرر المغرب استرجاع اراضيه المغتصبة ، وبذلك كانت هيئة المحامين بوجدة التي عرفت نقباء من مختلف الجنسيات مند عهد الاستعمار ،مدافعة شرسة عن سيادة الوطن وحوزته .
كل ذلك ليس بالأمر الغريب عن مدينة عرفت انطلاقة ثورة الملك والشعب في 16غشت 1953 وكانت حصنا حصينا امام توغلات الدولة العثمانية, كما قادت حملات شرسة ضد الاستعمار الفرنسي وشدت ازر الجارة الجزائر الى حين حصولها على الاستقلال سنة 1962 ،ايمانا بالوحدة وبالتكامل المغاربي ، بل ان الوقفة الاحتجاجية من اجل المطالبة بفتح الحدود بين المغرب والجزائر رأفة بالساكنة ودفاعا عن حقوق الانسان التي من بينها صلة الرحم و التي ضمت نقباء من مختلف الدول العربية ، عرفها المؤتمر المنظم بمدينة السعيدية ووجدة خلال يونيو 2013 ، وبذلك تكون المدينة الألفية التي عرفت أول محكمة عصرية وأول نقابة للمحامين سنة 1929وأول محطة للقطار و وابرز الثانويات التي تخرج منها رجالات دولة ، واول مستشفى عسكري دشنه الرئيس الامريكي ايزنهاور سنة 1946 , و معالم عمرانية وثقافية ومعرفية ، و التي عانت لعقود من الاقصاء والتهميش مدينة الدفاع عن حقوق الانسان والسير بالمسار الديموقراطي بكل امتياز وكان محاموها عبر التاريخ يؤمنون بالعطاء السخي ونبذ الوصولية والانتهازية بل لم يحظ واحد من هؤلاء ببهرجات التكريمات والألقاب الرنانة ، لكون الجهة تقاوم و تشتغل في صمت وبخطى حثيثة من اجل غد افضل ووطن يوفر العيش الكريم ويضمن الحقوق والحريات .
ثلاثة وثلاثون سنة مرت على تنظيم مناظرة حقوق الانسان بوجدة ، تحققت خلال ثلاث عقود أهداف شتى ووقع نكوص وتراجع في قضايا شتى ، وجاء دستور2011 و رفع سقف الحقوق والحريات بعد تقلبات وهبوب رياح وطنية ودولية عاصفة ، ونظمت بعد ثلاثين سنة مناظرة بمراكش لعلها تربط الماضي بالحاضر لاستنهاض الهمم واعادة ترتيب وتطهير البيت الداخلي من الشوائب ،وإعادة الهيبة للقاضي والمحامي ،والتصدي لكل تطاول اوإضعاف الهمة ، في زمن كثر فيه اللغط واختلطت الأمور على أصحابها وأصبحت الفتاوى تصدر من طرف من لا اختصاص له وأصبح الاحتجاج هو الأصل و العمل الجاد هو الاستثناء ، زمن الغش والحصول على الديبلومات بسلطة المال والزبونية ، زمن تدني المستويات هذا التدني الذي يجب ان يجابه بقوة وارادة بالنسبة للمحامي عن طريق رفع المستوى التكويني والمعرفي والتوعية الحقوقية والمساهمة في العمل التشريعي عن طريق عمل تشاركي مع المحامين البرلمانيين من اجل نصوص قانونية تعيد الاعتبار لأمجاد المهنة والدفاع عن حقوق الانسان وطنيا ودوليا ورد الاعتبار لثوابت المهنة وأعرافها وآدابها وتاريخها بدل الاقتصار على اعتبار المهنة مجالا يقتصر على در الدخل والحصول على المكاسب المادية وسبيلا عرضيا لمواجهة وامتصاص غضب بطالة المجازين .
واذا كانت مسؤوليتنا هي الحفاظ على نبل المهنة والتذكير بأمجادها فاننا مطالبون بربط الماضي بالحاضر والتذكير بمجهوذات محامين قبل وبعد الاستقلال من مختلف المدن انحناء وتقديرا واعترافا لهم بالتضحيات من اجل مغرب الحريات متصد للتردي وتدني المستويات، والدفاع عن حقوق الانسان وطنيا ودوليا ،
ولعل التذكير بالتاريخ الذهبي لهيئة مدينة سكانها هم حراس الحدود، وهي للمغرب في الشرق الجناح يعتبر محفزا للمقبلين على المهنة من الاجيال الصاعدة و للحقوقيين ، للمزيد من العطاء القانوني الفكري وكذا المساهمة جديا في بناء المنظومة الاقتصادية الاجتماعية القانونية في ظل سيادة الوطن وثوابته الراسخة
سليمة فراجي – محامية بهيئة المحامين بوجدة – نائبة برلمانية سابقة