وجهة نظر حول حدث تعيين منصف السلاوي.
ذ. محمد ابجطيط
لم يمر خبر تعيين منصف السلاوي على رأس خلية البحث لتطوير لقاح فيروس كرونا في الولايات المتحدة الأمريكية مرور الكرام لدى رواد مواقع التواصل الاجتماعي، ولم يستقبل المغاربة هذا الخبر بنمط واحد من الفرحة والاعتزاز؛ وإنما تباينت ارتسامات المتتبعين بين مُفتخر ومُنتش بالخبر، وبين محس بالتفريط وضَيَاعٍ للطاقات والقُدرات المغرببة التي فَرط فيها المغرب واستفاد منها الغَرب.
وفي خضم هذا الزخم الهائل من الانتقادات، والردود وتضارب وجهات النظر، لا يستطيع الإنسان أن يتمالك نفسه دون أن ينخرط في التعبير عن هذه الارتسامات والانطباعات، ويَجِد هذا الحدث مناسبةً أيضاً لطرح بعض التساؤلات العفوية التي قد تُقربُنا لإدراك قيمة تأسفنا.! من قبيل: هل فعلاً لدينا الرغبة في إعادة قضية العلم والعلماء إلى أولوياتنا؟
وما هي المؤشرات الصادقة التي يمكن الاعتماد عليها في ظل هذه الانتكاسة العلمية التي نعيشها، ونقطف ثمارها اليوم؟
إن نسبة المشاهدات في هواتفنا الذكية لمقاطع الفيديو على اليوتيوب والفيسبوك، قد تكون مقياساً لمدى حبنا للعلم والعلماء، والحرص على الاستفادة من علمهم ومحاضراتهم، وندواتهم العلمية، وأنديتهم الفكرية والثقافية والتربوية!
وإن تلك الندوات العلمية التي يؤطرها خيرة أهل العلم والفكر في بلادنا بقاعاتها الشبه فارغة أحياناً قد تكون مقياساً أيضاً لهذا الحب الذي نكنه للعلم والعلماء! مقابل المنصات والقاعات الممتلئة عن آخرها، حين يتعلق الأمر برموز التفاهة وتمييع الذوق العام.!
وحتى تلك المحاضرات المسجلة اليوم على اليوتوب منذ سنوات لهؤلاء العلماء لن تجدها بلغت نسبة تلك المشاهدة الي سجلها هذا التافه أو ذلك قبيل ساعات أو أيام معدودة.!
إن من له الكلمة والميكرفون في زماننا هذا ونسبة المشاهدات والتشجيعات هم صناع التفاهة. نعم هم التافهون!! فهل كانت أزمة كرونا منبهاً يقرع آذانهم وأفئدتهم لإعادة الاعتبار للعلم والعلماء؟ فهل تعاهد هؤلاء في ما بينهم وتعاقدوا ألا يرجعوا إلى تفاهتهم، وأن يمضوا في طرق إعادة الاعتبار للعلماء مثلا.؟ فهل سيتراجع هؤلاء التافهون عن تفاهتهم، ويتماسك مشجعوهم أنفسهم دون أن تزدحم بهم رفوف المهرجانات، ويتصدرون بهؤلاء التافهون نسب المشاهدات مستقبلاً؟ أم هي مزايدات عِرقية وأيديولوجية استفَاقت عَلى وَقع هذا الحدث، للرجوع إلى الوضع القبلي السائد أيام العصور الحجرية ليس إلا.؟ خاصة ونحن نشاهد أن كل جهة تحاول اختطاف الرجل ونسبته إليها، فبعد أن كتبت الصحف العربية عن السيد منصف السلاوي، وعنونت إحدى مقالاتها ب: “منصف السلاوي.. خبير عربي لقيادة إنتاج لقاح كورونا بتكليف من ترامب” استدركت العشرات من الصحف وأكدت نسبته إلى المغرب، وكونه عالم مغربي، قبل أن يستفيق تيار آخر ليدخل على الخط ويعتبره أمازيغي سوسي قح، ولا علاقة له بالمكونات الأخرى للمجتمع المغربي أو العربي بصفة عامة.
ليس العيب أن يختار الإنسان وجهته الأمريكية أو الأوروبية ليستكمل دراسته، وينال مستواه الدراسي، الذي يطمح له، خاصة حين يتعلق الأمر بسن منصف السلاوي (من مواليد سنة: 1959م) في تلك الفترة التي اتجه فيها إلى الغرب لاستكمال دراسته، وما تعبر عنه تلك الفترة من فقر وضعف الدولة المغربية في المدراس والمختبرات العلمية والطبية، وإنما العيب أن نستمر نحن وإلى حدود سنة: 2020م، في إعطاء الشرعية بأذواقنا للتفاهة لتتكاثر وتسود في بلادنا، ونتعايش معها بمنطق الجري وراء الربح المادي، وإرضاء لشهواتنا، وأذواقنا العَليلة.
إن التجاري، والفكاهي والسياسي… وباقي أصحاب المهن والحرف، لابد وأن يستهدفوا ما تعبر عنه إرادة الناس وميولاتهم، وإلا كسدت تجارتهم، وفشلت سياساتهم، فإذا الشعب أرادا الحياة، فلا بد أن يستجب هؤلاء لإراداتهم. فعبروا رحمكم الله عن أذواقكم الراقية، وتوقفوا عن إعطاء الشرعية للتفاهة، وسيعود حتماً للعلماء مجدهم ومكانتهم.