تأملات في فلك ألعاب القوى المغربية
كمال ازنيدر
تعيش ألعاب القوى المغربية في هذه الأيام على إيقاع حرب ضروس وصراعات مريرة بين تيارين متناحرين. واحد يدافع عن جامعة أم الرياضات ببلدنا وآخر ينصب لها العداء. الأول يتحدث عن إنجازاتها، يبرر فشلها الرياضي ويدعو إلى دوامها، والثاني يحن إلى منجزات العهود السابقة ويطالبها بالرحيل.
الحروب والتصارعات هي في حدها شيء عادي وعادي جدا. بل هي معطى ضروري لتحقيق النهوض والنمو. لكن الشيء الغير عادي في التطاحنات التي تشهدها ألعاب القوى المغربية في الظرف الحالي هي تخطيها لحدود التصارع الفكري المسموح به. إذ لم يعد الصراع صراع أفكار بل أصبح صراع شخصاني، وصل إلى حد التشكيك في وطنية البعض ووصف أحد الأطراف بالانفصالي والانتماء لجبهة البوليساريو !!!
كعداء سابق وكإنسان جد غيور على سمعة العداء المغربي، حز في نفسي المشهد هذا. ولهذا قررت رفع قلمي وكتابة هذا المقال الذي سأحاول الرد فيه باختصار على أهم الأفكار أو المحاور التي يدور حولها النقاش الرائج حاليا بمختلف صفحات ومجموعات ألعاب القوى المغربية. وكذا سأتحدث فيه عن ثلاث أفكار إضافية لا أعلم إن كان هناك من سبق وتحدث عنها أو لا. وهذه الأفكار أو المحاور هي كالتالي :
– ترأس من لم يمارس الرياضة لجامعة رياضية ؛
– تقييم حصيلة الجامعة الحالية لألعاب القوى ؛
– المنشطات وإنجازات الجامعة السابقة ؛
– الاستهزاء بالعدائين الذين لم يحققوا ألقابا تذكر ؛
– الولاية الرابعة لعبد السلام أحيزون ؛
– حاجة العدائين إلى تكوين نقابة ؛
– محاربة الهدر المدرسي للعدائين.
– ترأس من لم يمارس الرياضة لجامعة رياضية
التيار المعادي لترأس عبد السلام أحيزون للجامعة الملكية المغربية لألعاب القوى يروج لفكرة مفادها أن السيد الرئيس الحالي لم يسبق له ممارسة أم الرياضات وبالتالي لا يمكنه أن يكون رئيسا لها. من وجهة نظر هذا التيار، فقط من كانوا عدائين سابقين من لهم الحق في التربع على عرش الجامعة الملكية المغربية لألعاب القوى، وأي شخص آخر غير هذا فهو غير كفؤ لها… وهذا، مع كامل احترامي لدعاة هذه الفكرة، خطأ ينم عن عدم مواكبة لتطورات ميدان التسيير الرياضي.
فليس من الضروري أن يكون رئيس جامعة رياضية بطلا سابقا في تلك الرياضة أو واحدا ممن سبق لهم ممارستها. ففلورنتينو بيريز مثلا لم يكن نجما سابقا في كرة القدم ولا واحدا ممن مارسوها على مستوى الأندية والفرق. ومع ذلك فهو يحقق نتائج رياضية جد مرضية كرئيس لريال مدريد. ناهيك عن نتائجه الاقتصادية على مستوى رئاسته لهذا النادي الملكي الجد مرضية كذلك. ولهذا نقول أن تجربته الرئاسية في عالم كرة القدم هي تجربة ناجحة بكل المقاييس.
بالتالي الربط بين الممارسة الرياضية والتسيير الرياضي فهو أمر خاطئ. وإن كان هناك توجه سائد ببعض البلدان المتقدمة في مجال ألعاب القوى ينحو إلى ترأس جامعاتها من قبل عدائين سابقين، فلأن هؤلاء العدائين حصلوا على شهادات جامعية عليا أو ما يعادلها في اختصاص الإدارة والتسيير الرياضي أو على الأقل في مجال التسيير الإداري بشكل عام. وبالتالي بروفايلاتهم تبقى أفضل البروفايلات الممكنة لرئاسة جامعة ألعاب القوى ببلدانهم لجمعها بين المعرفة العلمية والخبرة الميدانية.
ومثل هذه البروفايلات، للأسف الشديد، هي إما منعدمة ببلدنا أو نادرة لدرجة أننا لا نراها ولا نسمع عنها بالمرة. وهذا النقص أو الخصاص، المتسبب فيه الجامعة الحالية وأيضا سابقاتها. فالمغرب يزخر بالعدائين الذي درسوا اختصاص ألعاب القوى بمعهد مولاي رشيد : زهرة لشكر، عزيز كحيوش، حمودة لعلج، محسن الشهيبي، خالد تيغزوين، لحلو بنيونس “إن لم تخني الذاكرة بخصوصه”، وغيرهم. كل هؤلاء، أو على الأقل البعض منهم، كان من المفروض دعمهم والدفع بهم إلى الحصول على دبلومات عليا في اختصاص الإدارة والتسيير الرياضي لكي يصبحوا الرؤساء والمسيرين المستقبليين لجامعة أم الرياضات… لكن، ومع كامل الأسف، شتان بيننا وبين التفكير في مستقبل الجامعة وكذا مستقبل العداء !
– تقييم حصيلة الجامعة الحالية لألعاب القوى
عبد السلام أحيزون، كرئيس لجامعة ألعاب القوى ببلدنا، أكيد يحقق نتائج اقتصادية مهمة جدا. فالمداخيل والأرباح التي شرعت في تحقيقها الجامعة منذ مجيئه إلى رئاسة الجامعة والمكانة التي أصبحت تعطى دوليا لملتقى محمد السادس لألعاب القوى هي أرقام ومنجزات لم يسبق تحقيقها حتى في الثلاث عصور الذهبية للعدائين المغاربة. وهذا أمر يحسب لصالح السيد الرئيس الحالي لجامعة أم الرياضات ببلدنا. لكن على المستوى الرياضي، فحصيلته كارثية للغاية ولا تليق بالمرة بتاريخ ألعاب القوى المغربية.
فمنذ وصوله إلى رئاسة الجامعة الملكية المغربية لألعاب القوى، لم يعزف النشيد الوطني ولا مرة واحدة في بطولة العالم ولا الألعاب الأولمبية. منذ 2006 – تاريخ مجيئه إلى هذا المنصب – إلى يومنا هذا، أي منذ ما يفوق 13 سنة، لم يحقق المغرب ولا ميدالية ذهبية واحدة في مثل هذه التظاهرات، إذ تعود آخر ميدالية من هذا المعدن النفيس تم الحصول عليها خلال هذين الحدثين العالميين الكبيرين إلى عام 2005 والتي كانت من نصيب عداء الماراثون جواد غريب.
وحتى على مستوى الفضة والنحاس، فحصيلة ما جنته ألعاب القوى المغربية في ظل رئاسة عبد السلام أحيزون هي حصيلة دون المستوى. 7 ميداليات : ثلاثة فضية وأربعة نحاسية. 7 ميداليات التي حققتها أم الرياضات ببلدنا في هذين التظاهرتين العالميتين طيلة 10 مناسبات (3 ألعاب أولمبية و7 بطولات عالمية) هي حصيلة تقارب بشكل كبير جدا الخمس ميداليات التي حققها العداؤون المغاربة في عهد محمد المديوري في مناسبة واحدة : بطولة العالم لألعاب القوى لسنة 1999 بإشبيلية بالجارة إسبانيا (2 ذهبية، 2 فضية، 1 نحاسية).
أضف إلى هذا، أن حتى النتائج الاقتصادية البالغة الأهمية المحققة في عهد الرئيس الحالي فهي لم تنعكس بالإيجاب على وضع العداء المغربي ولم يستفد منها سوى المسيرين الجامعيين وبعض رؤساء الأندية والمدربين. أما العداء المغربي فلم يستفد منها شيئا لا ماليا ولا لوجيستيكيا (أحذية وبدلات رياضية، فيتامينات، أملاح معدنية، أحماض أمينية، مساجات، تربصات رياضية، مشاركات مكثفة في الملتقيات، إلى آخره) بل ولا حتى قانونيا.
فاليوم، العداء المغربي، عندما يشك الاتحاد الدولي لألعاب القوى باحتمال تعاطيه للمنشطات بناء على معطيات جواز سفره البيولوجي – وأشدد وأسطر بالبند العريض على “يشك” -، يجد نفسه بدون محامي وبدون خبير طبي لكي يدافعا عنه، وبالتالي هو لا يدافع عن نفسه بالمرة أو يرد على الاتحاد الدولي بشكل غير سليم مما يحول أتوماتيكيا شكه إلى يقين… وهذا تقصير وعدم احترافية في التسيير يفسر بشكل كبير التدهور المهول لنتائج ألعاب القوى المغربية وكذا ارتفاع أعداد العدائين المغاربة الموقوفين بتهمة التعاطي للمنشطات.
الأمن والاستقرار النظامي، مجال آخر فشل فيه عبد السلام أحيزون، كرئيس لجامعة ألعاب القوى ببلدنا. فألعاب القوى المغربية بحاجة إلى رئيس قريب جدا من العدائين المغاربة. هي بحاجة إلى رئيس يتابع بدقة هؤلاء العدائين، ويسعى إلى تكوين فكرة واضحة عن أسلوب حياتهم لمعرفة ما إذا كان مواتيا أو ضارا لنجاحهم وتحسن أدائهم الرياضي.
تحت المجهر، يدرك العداء أن خطواته تخضع للمراقبة وأنه عند أدنى خطأ منه، ستتم معاقبته. وضعه في عين المجهر يدفعه للامتثال للنظام ومراعاة القواعد الأخلاقية للرياضة والابتعاد قدر الإمكان عن خطواته الخاطئة وعاداته السيئة التي تعوق نموه وتطوره.
فمن أسرار نجاح محمد المديوري على رأس الجامعة الملكية المغربية لألعاب القوى، هوسه بسلوك العدائين داخل وخارج الحلبة. هذا الرجل نجح في فرض النظام في المعهد الوطني لألعاب القوى سواء بمدينة الرباط أو بإفران. في عهده، كان العداءون يركضون خلف الكرونوهات وليس خلف الفتيات كما صار الحال عليه من بعد.
هذا الضبط والانضباط افتقدتهما أم الرياضات ببلدنا بشكل رهيب جدا بعد ذهاب الحاج المديوري، وافتقدت معه دفئ وحنان ورعاية إنسان كان يعتبر نفسه أبا لكل العدائين وليس فقط عداءو المنتخب أو عداءو الكوكب المراكشي. فبفضله تمكنت معاهدنا الوطنية لألعاب القوى من إنتاج عدائين من خيرة العدائين العالميين. بعضهم، من شدة المنافسة وصعوبة الحصول على مكانة للمشاركة في بطولات العالم والألعاب الأولمبية، اضطروا للهجرة وتمثيل بلدان أخرى.
– المنشطات وإنجازات الجامعة السابقة
بعض المسؤولين الحاليين والصحفيين المحسوبين عليهم يحاولون تغطية الفشل الرياضي الذريع لجامعة عبد السلام أحيزون أو تبريره بالتشكيك في إنجازات الجامعات السابقة وربطها بالمنشطات. وهذا أمر يدعو إلى التساؤل : هل سبق لعبد السلام أحيزون ومن معه أن قرؤوا دراسة واحدة حول المقدرة البشرية أو بتعبير آخر القدرات الطبيعية للإنسان ؟!
فلو اطلعوا على دراسة واحدة من هذه الدراسات التي ازدهرت خصوصا في فترة التسعينيات وألفت حولها العديد من الكتب – بعضها كنا نتداوله فيما بيننا نحن بعض العدائين من ساكنة حي يعقوب المنصور بالرباط – لفهموا أن عالم ألعاب القوى الاحترافية هو عالم موبوء وأرقامه تحلق في مستويات فاقت بكثير الحدود الممكنة للطاقة الطبيعية للإنسان.
فالمنشطات جزء لا يتجزأ من ألعاب القوى الاحترافية. لولاها لخلت مدرجات ملاعبها من المتفرجين ولا تابعها على شاشة التلفاز الملايين من المتتبعين. فاقتصاد هذه الرياضة، ازدهاره وانتعاشه مرتبط بازدهار وانتعاش التنافس الغير شريف. وبالتالي لكي تنافس فيه وتحصل فيه على ألقاب وميداليات في بطولة العالم والألعاب الأولمبية، فليس هناك مفر من التعامل بمبدأ “عندما تكون في روما، تصرف كما يتصرف الرومان” واللجوء إلى استعمال المنشطات.
بتعبير أوضح، إما أن ننافس في ميدان ألعاب القوى الاحترافية بشكل غير شريف كما يفعل الأمريكيون والجمايكيون والروس والألمان والكينيون والإيثيوبيون وغيرهم أو نتوقف عن التنافس فيه ولنحول ما يتم تبذيره على ألعاب القوى إلى ميزانيات أولى بالإنفاق كالصحة والتعليم والبحث العلمي… والخيار الثاني، من وجهة نظري، هو الخيار الأفضل والسليم.
فهذه المبالغ من المال التي ننفقها على ألعاب القوى هي تبذير لا نستفيد منه شيء. فسواء فزنا بميداليات أولمبية أو ألقاب عالمية، سنظل دائما شعبا يعاني من التخلف والأزمات على جميع المستويات. سواء فزنا أو تحصلنا على مراتب مشرفة أم لا، سنبقى دائما شعبا لا ينتج إلا عبيدا ينشطون المسابقات الرياضية المنظمة للترفيه عن أسياد المجتمع ومواطني البلدان الغنية والمتقدمة.
هذه المبالغ من المال التي نهدرها على ألعاب القوى والرياضة الاحترافية بشكل عام، من الأفضل تخصيصها للمجالات القادرة على الدفع بعالمنا نحو الأمام. فمن التهور والغباء إضاعة الأطنان من الأموال في بناء الملاعب والمركبات والمراكز الرياضية في وقت لدينا فيه مناطق ترابية تفتقر إلى المدارس والجامعات والمكتبات والمراكز الثقافية التي ستبني وتعلم الأطفال والشباب بمجتمعنا.
فالرياضة يجب أن تستعيد مكانها الطبيعي كهواية وليس كمهنة أو حرفة. بدلا من دعم الرياضة الاحترافية، دعونا ندعم التعليم ونخلق فرص عمل للشباب. بدلا من الاستثمار في إنتاج أجيالا من الشباب لا تحلم إلا بالشهرة في عوالم ألعاب القوى وبقية الرياضات، دعونا نستثمر في تكوين طاقات شبابية لا يراودها سوى الحلم بالشهرة في عوالم العلوم والتكنولوجيا والفكر… تحررنا من التخلف والتبعية وقيود الاستعمار والعبودية وفق أشكالها الجديدة.
– الاستهزاء بالعدائين الذين لم يحققوا ألقابا تذكر
من بين النقط التي أثارت انتباهي في هذا الصراع القائم تلك النبرة الاستهزائية التي لمستها في خطابات البعض من العدائين الذين لم يحققوا ألقابا تذكر لا على المستوى الوطني ولا الدولي. هذه النبرة الاستهزائية لا تخدم بالمرة أصحابها بل تضر بهم، لما فيها من الديكتاتورية أو السلطوية و كذا النزعة الطبقية الإقصائية.
فأكثر من 90% ممن مارسوا ألعاب القوى لم يتحصلوا فيها على لقب وطني أو دولي واحد بل ولا حتى على ميدالية واحدة فضية أو نحاسية. بل فئة عريضة من هؤلاء العدائين لم يتذوقوا يوما طعم المشاركة في نهائيات البطولة الوطنية أو نهائيات كأس العرش. وهذا أمر عادي وعادي جدا. فقط فهمه يتطلب القليل من الإلمام بالرياضيات والأخذ بعين الاعتبار الأعداد الهائلة للعدائين الذين لدينا أو كانوا لدينا بالمغرب.
أصلا، في ظل المنافسة الشريفة، يصعب بل يستحيل على السواد الأعظم من العدائين تحقيق ألقاب أو الظفر بإحدى الميداليات. فما بالك إذا كانت هذه المنافسة غير شريفة ! فشخصيا، عاشرت عدائين أقوياء إلى أبعد حد. في التداريب، كانوا يحققون أرقاما يصعب على فئة عريضة من عدائي النخبة تحقيقها. لكن في يوم السباق، كانوا لا يحققون شيئا يذكر ويكتفون باحتلال المرتبة الرابعة أو الخامسة، متخطيا إياهم عداؤون مستواهم في التداريب أقل من مستواهم بكثير !!!
في البداية، كنا نؤمن بتفسيرات بعض المدربين الذين يفسرون هذه المفارقة الغريبة والغريبة جدا بنظرية “عداء السباق وعداء التداريب”. لكن، مع الوقت ومن كثرة قراءة الكتب التي تناولت بشكل مباشر أو غير مباشر مجال ألعاب القوى، أدركنا أن نظرية “عداء السباق وعداء التداريب” هي نظرية فارغة ولا سند علمي لها… وإنما الهدف منها حماية عدائيهم الذين يحققون في السباقات أرقاما تفوق بكثير مستواهم الحقيقي الذي يظهر جليا في التداريب.
بالتالي عوض التعالي على هؤلاء العدائين والاستهزاء بمسارهم كان حريا احترامهم لأنهم فضلوا النظافة والتنافس الشريف وعدم تعريض صحتهم للخطر على المنافسة الغير شريفة والغوص في مستنقع المنشطات جريا وراء الألقاب والميداليات.
– الولاية الرابعة لعبد السلام أحيزون
انتخب عبد السلام أحيزون أول مرة رئيسا للجامعة الملكية المغربية لألعاب القوى في 4 دجنبر 2006، خلفا لرئيس اللجنة المؤقتة امحمد أوزال. وأعيد انتخابه لولاية ثانية في 29 نونبر 2010. ثم بعدها جددت الثقة فيه لولاية ثالثة يوم 29 يناير 2015، تلاها انتخاب لولاية رابعة في 22 يوليوز 2019.
وقد شهدت أشغال الجمع العام العادي للجامعة الملكية المغربية لألعاب القوى التي انتهت بانتخاب السيد الرئيس الحالي لولاية رابعة، احتجاجات كبيرة من قبل البطل العالمي والأولمبي هشام الكروج ومؤيديه الذين رفضوا إتمام الجمع العام بعد تقدمهم بطعن في قانونية أشغاله، إثر قبول ترشح عبد السلام أحيزون لولاية جديدة.
هذا الأمر، اعتبره هشام الكروج متعارضا مع ما نصت عليه مذكرة وزارة الشباب والرياضة ومخالفا لمقتضيات القانون رقم 09-30 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 150-10-1 الصادر في 13 من رمضان 1431 (24 غشت 2010) المتعلق بالتربية البدنية والرياضة والذي تم نشره بالجريدة الرسمية عدد 5885 الصادرة بتاريخ 16 ذو القعدة 1431 (25 أكتوبر 2010)… وفي مذهبه هذا، ظاهرة ألعاب القوى المغربية وصاحب الأرقام القياسية العالمية لمسافات 1500 والمايل و2000 متر لم يخطئ بالمرة.
فالمادة 23 من هذا القانون هي واضحة وضوح الشمس في عز النهار. مقتضياتها تنص على وجوب تضمين الأنظمة الأساسية للجامعات الرياضية بنودا تهدف على الخصوص إلى تحقيق مجموعة من النقط، من بينها : عدم استمرار الرئيس في منصبه أكثر من ولايتين متتاليتين.
وفي المادة 112، ينص هذا القانون على ما يلي : “تتوفر الجمعيات والجامعات والعصب الرياضية والشركات الرياضية الموجودة عند تاريخ دخول هذا القانون حيز التنفيذ على أجل 12 شهرا يحتسب ابتداء من التاريخ المذكور لكي تتلاءم مع أحكام هذا القانون وأحكام النصوص المتخذة لتطبيقه”. وفي مادته 118، ينص على الآتي : “تدخل أحكام هذا القانون حيز التنفيذ ابتداء من تاريخ نشر النصوص التنظيمية اللازمة لتطبيقه الكامل في الجريدة الرسمية”.
بالمختصر المفيد، كان من المفروض على الجامعة الملكية المغربية لألعاب القوى ملائمة نظامها الأساسي مع ما جاء في هذا القانون الجديد من أحكام في أجل لا يتعدى 12 شهرا من دخوله حيز التنفيذ. أي على تقدير 25 أكتوبر 2011، كان من اللازم على هذه الجامعة إصدار قانون أساسي جديد يمنع عدم استمرار الرئيس في منصبه أكثر من ولايتين متتاليتين.
لكن هذه الجامعة لم تمتثل لمقتضيات القانون الجديد ولم تقم بملائمة نظامها الأساسي مع ما جاء فيه داخل الآجال المنصوص عليها قانونيا. وهذا هو الخرق القانوني رقم واحد. ولم تقم هذه الجامعة بإصدار نظامها الأساسي الجديد لا في سنة 2011 كما كان متوقعا ولا في سنة 2012، وانتظرت 30 أكتوبر 2013 لكي تصدر وتصادق على نظامها الأساسي الجديد.
وبما أنها لم تدعو إلى انعقاد جمع عام غیر عادي لانتخاب رئيس جديد وفق مقتضيات النظام الأساسي الجديد للجامعة، فهذا يجعل من الولاية الثانية لعبد السلام أحيزون أول ولاية في ظل التنظيم القانوني الجديد. الولاية الثانية هي الولاية الثالثة للرئيس الحالي والتي تحصل عليها في الجمع العام العادي للجامعة يوم 29 يناير 2015. وبالتالي ما كان له أن يترشح لولاية رابعة “ثالثة في ظل التنظيم القانوني الجديد”… إذ يعد ترشحه في هذه الحالة غير قانوني أو باطل كما أكد على ذلك هشام الكروج في مرات عديدة.
– حاجة العدائين إلى تكوين نقابة
من بين الأمور التي كنت أقولها في بداية القرن الجديد حينما كنت واحدا من العدائين وسأعيدها مرة أخرى وأنا اليوم مجرد متابع عن بعد لسوق ألعاب القوى – وأشدد وأسطر بالبند العريض على كلمة سوق – : “ما أحوج العدائين المغاربة إلى نقابة تدافع عن حقوقهم ومصالحهم الجماعية”.
النقابة، من شأنها أن تقوي ظهر أي عداء – مغمورا كان أو نجم – في صراعاته ضد الجامعة أو النادي الذي ينتمي إليه. هي من شأنها أن تعمل على تغيير المنظومة القانونية المؤطرة لألعاب القوى وتجعل من العدائين فاعلين في صناعة سياسات الجامعة وكذا في تنصيب رؤسائها كما هو الحال في الدول المتقدمة.
أما الاحتجاجات الفردية فهي لا تغير من حال ألعاب القوى في بلدنا في شيء. في أفضل الأحوال، يتم إخماد بعض أصواتها بمنصب شغل أو قدر من المال… وتبقى دار لقمان على حالها.
– محاربة الهدر المدرسي للعدائين
الحلم فقط بالنجاح الرياضي، عامل يشجع السلبية ولا يساعد على تنمية العقول. وضع حد للحياة الدراسية بغية التركيز على الحياة الرياضية لا يغني الحقيبة المعرفية للشباب في مجتمعنا، ولا يرفع من مستواهم الفكري… وبالإضافة إلى كل هذا، فهذا الاختيار هو قرار محفوف بالمخاطر.
فالمحترف للرياضة، مسيرته الرياضية في خطر دائم. هي دائما مهددة بالنسف. أقل إصابة قد يتعرض لها سواء في التداريب أو في المسابقات قد تدمر مستقبله الرياضي وكل عمله الجبار وكل ما قام ببنائه وتنميته خلال شهور طويلة بل سنوات طويلة من التحضير والإعداد الشاق.
فلعنة الإصابات بعثرت حسابات العديد من الرياضيين وحطمت أحلامهم. من كان يزاوج بين الدراسة والرياضة، تمكن من إنقاذ نفسه بفضل عدم تفريطه في حياته الرياضية. ومن وضع حدا لهذه الحياة، وجد نفسه في الهاوية بدون حرفة ولا دبلومات.
وهذا الوضع، المسؤول عنه هؤلاء الرؤساء والمسيرين والمدربين الذين ينصحون الأطفال والشباب الرياضيين بوضع حد لمسارهم الدراسي والتركيز فقط على مسيرتهم الرياضية. هؤلاء الفيروسات كثر في الحقل الرياضي ببلدنا ويجب سن سياسات تطهر هذا الحقل منهم وتجبر الجامعات والجمعيات الرياضية على تشجيع التعليم ومحاربة الهدر المدرسي.
وكإشارة أخيرة، تعاطي المنشطات له ارتباط وطيد بالهدر المدرسي. فالعداء الذي يتخلى عن الدراسة ولا يتمكن من بلوغ أهدافه الرياضية المسطرة بشكل شريف، يضطر في نهاية المطاف إلى سلوك الطرق الغير شريفة لكي لا يخرج من هذا العالم خالي الوفاض.
(*) كمال ازنيدر : كاتب إسلامي وباحث في الأداء السياسي والمؤسساتي