اختفاء مبهم للمجلس الأعلى للتعليم الذي يستنزف الملايير لماذا لم يشارك هؤلاء في حل أزمة التعليم و”كورونا”؟
غريب أمر مؤسسات هذه البلاد التي تعاني ميزانيتها من أزمة مالية خانقة بينما هي تغرق في مئات المؤسسات العمومية والدستورية التي تستنزف آلاف الملايير من السنتيمات من المال العام دون فائدة، علما أن بعض هذه المؤسسات تعرف تمثيلية سياسية ونقابية وأكاديمية كبيرة بالعشرات، وتدبر بتعويضات خيالية تصل الملايير، وتختفي حين تقف البلاد على رأيها أو عملها أو استشارتها لتقوم بدورها الذي خلقت من أجله، لكنها تختفي وتدخل في عطلة غير مفهومة كما يقع اليوم بالنسبة للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي.
فإذا كان الهدف من إحداث المجلس الأعلى للتربية والتعليم، الذي يرأسه عمر عزيمان، المكلف بتركيبته البشرية الثقيلة جدا وبتكلفته المالية الباهظة جدا، هو المساهمة في كل نقاشات التربية والتعليم، فإنه اختفى نهائيا في نقاش التعليم والدخول المدرسي الحالي الذي أثار نقاشا شعبيا ومجتمعيا وسياسيا مستفيضا مع وزارة التعليم، بينما المجلس المعني أصلا بتقديم الوصفات والحلول، فقد كان غائبا وفي عطلة صيفية مؤدى عنها.
ويرى مهتمون، أن العيب ليس في المجلس وحده فقط، بل كذلك في الحكومة التي لم تقم بما يسمح لها القانون به في علاقتها معه، حيث من حقها طلب الاستشارة منه، وبالتالي، كان عليها أن تطلب استشارته العاجلة ورأيه حول موضوع الدخول المدرسي الحالي، هل سيكون حضوريا أم عن بعد؟ غير أن “الحكومة فضلت رمي الكرة في ملعب آباء وأمهات التلاميذ وعدم إزعاج أعضاء هذا المجلس السمين” يقول مصدر مطلع.
ويضيف نفس المصدر موضحا، إذا كان البعض قد التمس العذر للمجلس الأعلى للتعليم، لكون الحكومة لم تطلب رأيه في موضوع الدخول المدرسي، فإن القانون رقم 105.12 المنظم لاختصاصاته وعمله يجعله مسؤولا عن الوضعية الكارثية التي يعيشها الدخول المدرسي الحالي، لأن القانون منحه، إضافة إلى اختصاص إبداء الرأي بطلب من الملك والحكومة والبرلمان، ((حق إعداد دراسات وأبحاث بمبادرة منه، بشأن كل مسألة تهم التربية والتكوين والبحث العلمي، أو تتعلق بتسيير المرافق العمومية المكلفة بها))، لذلك، فهو يملك حق التدخل المباشر في تنظيم عملية الدخول المدرسي والجامعي الحالي ومن اختصاصاته كذلك: ((إنجاز تقييمات شمولية أو قطاعية أو موضوعاتية للسياسات والبرامج العمومية في مجالات التربية والتكوين والبحث العلمي ونشر نتائجها))، وهو ما كان يلزمه بتقديم العديد من التقييمات لمجال التعلم عن بعد ونتائج الدراسة في العالم القروي، وغيرها من المناطق في ظل الحجر الصحي، لاسيما بالنظر إلى تركيبته البشرية الغنية.
إن هذا المجلس الذي يتكون من أزيد من 90 عضوا من خيرة النخبة بالمغرب، بل من نخبة النخبة بالبلاد، لم يتم استغلال طاقاتها وأسمائها الوازنة وتجربتها الكبيرة في مجال التربية والتعليم، وعلى رأسهم أكاديميون جامعيون رجال ثقافة ومفكرون كبار مهتمين بمختلف المجالات، من الدين إلى الفلسفة إلى الهجرة إلى العلوم الإنسانية، أمثال رشيد الفيلالي المكناسي، عبد الحميد عقار رئيس المثقفين سابقا، وأحمد عبادي رئيس الرابطة المحمدية لعلماء المغرب، نور الدين الصايل، نور الدين عيوش، نادية البرنوصي وربيعة الناصري وأحمد بوكوس وغيرهم.
فغنى تركيبة المجلس ليس في عددها فقط، بل كذلك في تنوعها السياسي، حيث ضمان تمثيلية أكبر التيارات والتوجهات السياسية والحزبية، سواء من السياسيين بصفتهم البرلمانية، أو من أعضاء الحكومة، وكذلك التنوع النقابي وضمان تمثيلية النقابات وممثلي هيئات ومؤسسات الحكامة وحقوق الإنسان، وممثلي مؤسسات التربية والتكوين، وممثلي الأطر التربوية والإدارية، وممثلي جمعيات آباء وأمهات التلاميذ، وممثلي الطلبة والتلاميذ والجماعات الترابية والمجتمع المدني والنسيج المقاولاتي، وممثلي مؤسسات التعليم والتكوين الخاصة وغيرهم، حتى أصبحت تركيبة هذا المجلس تشبه “دولة” داخل الدولة، ورغم ذلك، ظل صوته غائبا عن نقاشات ومعارك التربية والتعليم في زمن جائحة “كورونا”.
أما على مستوى الميزانية العامة التي يستنزفها هذا المجلس، فتظل بعيدة عن رقابة البرلمان وممثلي الشعب كما هو الحال بالنسبة لميزانية المجلس الوطني لحقوق الإنسان أو ميزانية مندوبية السجون أو حتى المجلس الأعلى للسلطة القضائية وهيئة محاربة الرشوة ومندوبية التخطيط، وغيرها من المؤسسات، التي تقدم ميزانيتها سنويا أمام ممثلي الأمة لمراقبتها ومناقشتها على ضوء البرامج المسطرة، بينما تصرف ميزانية هذا المجلس بعيدا عن رقابة البرلمان، لأنها بحسب المادة 26 من القانون المنظم له، تسجل في ميزانية رئيس الحكومة، ويتولى محاسب عمومي يلحق بالمجلس بقرار من السلطة الحكومية المكلفة بالمالية، القيام لدى رئيس المجلس، بممارسة الاختصاصات المسندة إلى المحاسبين العموميين بمقتضى القوانين والأنظمة المعمول بها.
وتشير بعض التقارير الإعلامية إلى أن ميزانية المجلس، تقدر بحوالي 10 ملايير سنتيم سنويا، كنفقات للتسيير دون الحديث عن نفقات الاستثمار، أما مرسوم تعويضات أعضاء المجلس، فقد سبق وحدد تعويضا خاصا بإنجاز التقارير ما بين 14 ألفا و285 درهما كحد أدنى، و57 ألفا و142 درهما كحد أقصى لكل عضو حسب نوع العمل المنجز، ومبلغ 7142 درهما شهريا عن الاجتماعات التي يحضرها، و3571 درهما عن كل يوم عمل لرؤساء اللجان، وتعويض يومي قدره 2500 درهم لليوم خلال السفر خارج المغرب، و1000 درهم داخل المغرب، مع تحمل المجلس مصاريف الإقامة للأعضاء بالرباط الذين يبعدون عن العاصمة بـ 50 كيلومتر حين حضورهم أشغال المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، كل هذه التركيبة البشرية المتنوعة والتكلفة المالية الباهظة، والمجلس بقي غائبا عن نقاش التعليم في ظل جائحة “كورونا” وما عرفه القطاع من تطورات لا أحد يمكنه تخمين نتائج القرارات المتخذة.
===
المصدر : جريدة الأسبوع