مريم بترونين، وماكرون الحزين: هل الإسلام في أزمة؟
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وآله وصحبه أجمعين
مريم بترونين، وماكرون الحزين: هل الإسلام في أزمة؟
بقلم:عبد المجيد بنمسعود
لقد أثبتت سنة الله عز وجل في الصراع بين الحق والباطل، أو بين دين الله، وبين شانئيه والمفتاتين عليه، والمناصبين له العداء، والمتربصين به الدوائر، أن الغلبة والظهور والانتصار، هي دوما لهذا الدين، لأنه قدر الله في هذا الكون، وأمره الذي لا يرد، وسلطانه الذي لا يغلب. يقول الله سبحانه وتعالى:” وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ المنصورون وإن جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ” (الصافات171 – 173).
وإن انتصار هذا الدين وظهوره، ليتجليان في مستويات لا حصر لها ولا حد، فهو يفرض تحديه في جميع المعارك في معترك الحياة، وكل ميادين النزال، فيخرج منها لا محالة ظافرا مظفرا، يحمل أكاليل الغار والانتصار، ويكبد أعداءه أفدح التكاليف، ويردهم على أعقابهم خاسرين، وهو مع ذلك يقدم لأعدائه في أتون الحرب وخضم النزال إشارات هادية وعلامات مضيئة، إذا ما أحسنوا التقاطها واقتباسها، كانت قمينة بإنقاذهم، ونقلهم من عدوة الباطل إلى عدوة الحق.
والذي ينبغي أن يكون نصب العين وملء العقل في مقام الحديث عن الإسلام، وصراعه ضد أعدائه، الذين يريدون إطفاء نوره، هو أن نميز بين وضعين: الوضع الأول: وضع الإسلام حالة التلبس به وحمل شارته ولوائه من قبل جماعة أو أمة تحمله وتستلهم قيمه وتعاليمه ونظمه، وتمخر به عباب البحر، وتذرع به أقطار الأرض داعية هادية، مبشرة بما يختزنه من أسباب السعادة وشروط الطمأنينة والأمان، ومحذرة من مغبة الإعراض عنه، بله مناكفته والصد عنه، فثمرة هذا الوضع، هي النصر والغلبة والتمكين، ودحر المعتدين، ونصب الإشارات للغافلين والمغفلين. والقانون أو السنة التي تحكم هذا الوضع وتؤطره هو قول الله تعالى: ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ” ( محمد: 7)، وقوله تعالى:” وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ( الحج: 40).
أما الوضع الآخر، فهو وضع الإسلام حالة الإعراض عنه، والانسلاخ من عهده، والتنصل من تعاليمه، جزئيا أو كليا، فنتيجة هذا الوضع كما هو واضح من قوانين الإسلام وسنن الله الثابتة الحاكمة للكون، وحركة الناس فيه، هي الهزيمة والانكسار، والذل والبوار، لمن تنصلوا منه وحادوا عن سبيله، وذلك على المستوى العام الذي يتعلق بالحكم الأغلبي، بغض النظر عن الأفراد، فمن المعلوم أن من سنن الله في الاجتماع البشري، أن صلاح بعض الأفراد في أمة الإسلام حالة انحرافها وافتتانها، ليس بعاصمهم من شرر تلك الفتن، وهذه السنة هي ما يعبر عنه قول الله عز وجل:” وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ” (الأنفال: 25).
غير أن الذي ينبغي أن لا يغيب عن الأذهان، هو أن هزيمة المسلمين، مهما يكن شكل هذه الهزيمة أو حجمها، لا ينسحب إطلاقا على الإسلام، وإنما يظل محصورا في المسلمين، ملتصقا بهم، حالة استمرارهم في بعدهم عن تعاليمه، ومخالفتهم لأوامره ونواهيه. وتنزاح عنهم ظلة الهزيمة حال أوبتهم إليه صادقين منيبين.
إن الإسلام باعتباره عقيدة وشريعة ومنهج حياة شامل، وباعتباره كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وباعتباره حاملا لما لا حد له من الحقائق والأسرار، ودليلا للمناعة والقوة والعزة، يتأبى على الهزيمة والانكسار، ويستحيل في حقه أن يوصف بالأزمة، لأن وصف شيء بالأزمة معناه تعرضه للشدة والضيق، أو الاختناق، أو الانحباس، والتعرض للاختلال، وفقدان التوازن، وينسحب هذا الوصف على كل ميدان من الميادين، أو نشاط من الأنشطة الإنسانية، كلما نكص عن الشروط والقوانين التي من شأنها أن تضمن له التناسق والانسجام، وأن يقوم على قاعدة صلبة من مراعاة معايير الحق والعدل.
مهدت بهذا الكلام، للتطرق للحلقة الأخيرة والجديدة ضمن سلسلة حلقات اللغو والسقوط الأدبي، وسخف التصرف والسلوك الذي هوى به رئيس فرنسا، ماكرون، إلى أسفل سافلين. لقد ظل ماكرون يداور ويناور، في أمد من الزمان، في التعبير عن كرهه للإسلام ولمزه للمسلمين، ومضايقتهم ومكايدتهم، تحت أغطية وذرائع شتى، من قبيل ما يشترك في استعماله مع من يقاسمونه الكراهية والعداء لدين الله عز وجل من ذرائع ومصطلحات، وخاصة الذريعة المفضلة في المرحلة الراهنة من الحرب الضروس ضد الإسلام، وهي ذريعة محاربة “الإرهاب”، إلى أن جاءت اللحظة التي أسفر فيها بشكل كامل عن وجهه القبيح، وعن طويته الخبيثة تجاه الإسلام، حين قال في أحد تصريحاته، بأن الإسلام في أزمة.
وإن المتتبع لسيرة ماكرون، منذ أن تولى حكم دولة فرنسا، بمقدوره أن يرصد كثيرا من ملامح شخصيته المشبعة بالروح الصليبية الناقمة على الإسلام، والنائية عن أي إمكان لفتح جسور الحوار والتعاون مع المسلمين- الذين لهم حق المشاركة بحكم المواطنة، وحق التميز والحفاظ على شخصيتهم الثقافية ، بحكم قوانين العلمانية- ولو في حدودها الدنيا، علاوة على الحق الفطري.
كما أنه بمقدور المتتبع أن يرصد بعض الأسباب المباشرة التي كانت وراء فقدان ماكرون “لرشده” و”صوابه”، ودخوله في حالة من الهستيريا المتأججة، التي انعكست في شحنات موتورة وعنيفة من السب والشتم، والقذف والتطاول على الإسلام والمسلمين، مستشعرا روح الزعامة والريادة وسط حلفائه وبني قومه، بدافع مما يلقيه شيطانه في روعه، من ضرورة القيام بإيقاف زحف الإسلام، الذي يتغلغل بطريقة ناعمة في صفوف الشعوب الغربية، رغم الداء والأعداء، وضرورة تحصين الكيان العلماني المزور، المشمئز من كل ما يراه مشوشا للمشهد الثقافي الليبرالي اللاديني، من العناصر الثقافية الدخيلة ذات الحمولة الدينية، أو الرمزية الحضارية المحيلة إلى المرجعية الإسلامية على وجه الخصوص، في اختلاف صارخ، عن بعض الدول الغربية التي تميز بعض قادتها وحكوماتها بقسط محمود من الحكمة في التصرف مع المسلمين، على أساس التعارف والتعايش والاحترام، كما هو الشأن في بريطانيا ونيوزيلندا على سبيل المثال. وما موقف دولة فرنسا- في سياق معاندة المسلمين- من الحجاب إلا واحد من الأشكال القبيحة والمستهجنة، للحرب الثقافية المسكونة بنزعة التذويب والاستئصال، والرغبة الجارفة في تحقيق الاندماج القسري، الذي ينتفي معه أدنى مقوم من مقومات الشخصية الإسلامية، يمكن أن يحمل رسالة معنوية، أو دعوة تلقائية، لقيم الإسلام،وخصائصه الحضارية المتميزة.
نعم إن بوسع المتابع لسيرة ماكرون، الراصد لتحركاته وردود أفعاله، أن يقف على بعض الدوافع العميقة وراء مواقفه المسعورة التي انسلخت من التورية والمجاز، لتدخل في المباشرة المقيتة، والصدام الحانق الموتور.
إن أول شيء يسترعي الانتباه، هو إخفاق ماكرون وفشله الذريع في تسيير دواليب الأمور، وحل المشكلة الاجتماعية الشائكة، المتمثلة في اتساع جيوب الفقر والتهميش، واتساع الفجوات بين الفئات والطبقات، مما تجلى في انفجار الأوضاع، وبروز حركة السترات الصفر التي جرعته العلقم، ولوت ذراعه، وكسرت عظامه، وأرغمته عل التراجع عن كثير من مشاريعه وقراراته الهوجاء.
والأمر الثاني هو إخفاقه – على مستوى السياسة الخارجية – في المعارك الباطلة التي حشر فيها أنفه، بدافع الوفاء للروح الاستعمارية البغيضة، والحفاظ على المكاسب الظالمة، سياسيا واقتصاديا وثقافيا، وعلى الأمجاد الزائفة، ضدا على حق الشعوب في استرجاع كرامتها، وحقها في حفظ كيانها، وصون شخصيتها ومقدراتها، فليس سقوطه المدوي في مالي وليبيا وفي محالفته لليونان ضد تركيا، وفي غير ذلك من المعارك عنا ببعيد. لقد انكشف عواره، وانكسار شوكته، وبانت كرتونيته، ولم يجد له عزاء إلا في إطلاق تصريحاته الهوجاء، ذات اليمين وذات الشمال، تارة ضد الرئيس التركي طيب رجب أوردوغان، بالتأليب عليه، أو لمزه والتشنيع عليه، وتارة بشن حملاته المسعورة ضد مواطنيه المسلمين، ووصفهم بأقذع النعوت، وإلصاق تهمة ” الإرهاب” الباطلة بهم، وتارة بالتطاول الصفيق على الإسلام، وذلك بوصفه بأنه في أزمة، كما سبقت الإشارة.
أما داهية الدواهي التي ليس بوسعه أن يتمالك نفسه أمامها، فهي إحساسه – بفعل ما يدركه عن الخبراء بالواقع الديموغرافي والإحصائي المتعلق بتصاعد المد الإسلامي من عمق الهرم الفرنسي، بسبب تزايد دخول الفرنسيين في دين الله أفواجا – بالخطر الداهم – من منظوره – الذي يتجلى في الأفق القريب، حينما يتغير النسيج الاجتماعي والثقافي المحلي لمجتمع ” الأنوار”، لصالح الشروع في اجتياح ثقافة الإسلام لمزيد من المساحات في خريطة المجتمع الفرنسي، بفعل ما تملكه من مقومات الجاذبية، المؤسسة على القدرة الفائقة على الاستجابة لفطرة الإنسان السوي، وأشواقه واحتياجاته ومطالبه، بما يضمن توازنه وارتقاءه.
وإن ما فاه به ماكرون في تصريحاته من عبارات مستفزة للوجود الإسلامي في فرنسا أولا، وللمسلمين بشكل عام، ليبرهن على صحة الاستنتاجات السالفة الذكر. لقد قال ماكرون:” الإسلام يعيش اليوم أزمة في كل مكان بالعالم، وعلى فرنسا التصدي للانعزالية الإسلامية الساعية إلى إقامة نظام موازٍ وإنكار الجمهورية الفرنسية”، “كما طرح تفاصيل مشروع قانون ضد ما سماه “الانفصال الشعوري”، استغرق تحضيره أشهراً وعرف عدة تأجيلات، ويهدف إلى “مواجهة التطرف الديني وحماية قيم الجمهورية الفرنسية”، ويؤكد مشروع القانون ضرورة فصل الكنيسة عن الدولة الذي يمثل عماد العلمانية الفرنسية، وفرض رقابة أكثر صرامة على الجمعيات الإسلامية والمساجد الخاضعة للتدخل الخارجي، بحسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية BBC.
مشروع القانون الذي يسعى ماكرون لإقراره ينص أيضاً على “منع الممارسات التي تهدد المساواة بين الجنسين”، بما في ذلك “شهادات العذرية” التي تحرص بعض الأسر المسلمة على استخراجها قبل الزواج”. (لماذا أثارت تصريحات ماكرون بشأن “الإسلام” هذا القدر من الغضب بين المسلمين؟ – موقع عربي بوست – 4- 10 – 2020)
إن ماكرون يعبر بتصريحاته هذه عن جهل فاضح، هو ومن أوحى له ممن حوله من المستشارين والخبراء، جهل فاضح بطبيعة الإسلام، وأثره فيمن يؤمنون به عقيدة وتصورا للحياة، ومنظومة قيم شاملة تحكم التصرف والسلوك. فمن الغباء، أو بالأحرى من تجليات ذلك الجهل الفاضح، أن يطرح ويتبنى مشروعا سماه مشروع قانون ضد “الانفصال الشعوري”، لأن سعيا من هذا القبيل محكوم عليه بالفشل الذريع، وبالاصطدام مع الجدار، لأنه محاكمة للعقائد والأحاسيس التي محلها أعماق النفوس، فهو تعسف وتحكم غير مشروع، ولو كان لماكرون بصيص من العقل والحكمة وبعد النظر، لعلم أن ما ينشده من مشروعه، هو مطلب بعيد المنال مستحيل التطبيق، لأن الله سبحانه وتعالى لم يجعل لأحد سلطانا على آخر في شأن ما يتعلق بالعقائد والشعور، وكل ما في وسع ماكرون أن يطالب به ، ويكون محقا فيه، أن يحترم المسلمون قوانين الجمهورية فيما لا يتعارض مع أمور عقائدهم وما هو من قبيل ما يسمى بالأحوال الشخصية. وما سوى ذلك فإن التدخل فيه يعد عدوانا سافرا، وتحكما بغيضا، وتعارضا مع حق الإنسان في الاعتقاد الذي تنادي به المواثيق الدولية التي لا شك أن ماكرون يتبناها ويؤمن بها.
أما النزعة الانعزالية التي يتهم بها ماكرون مسلمي وطنه، فمما لا شك فيه، أن له يدا فيها بسبب سياسة التهميش والتمييز التي يطبقها في حق هؤلاء، والدليل على ذلك أن دولا أوروبية أخرى قد نجحت في تحقيق نوع من التعايش، والتلاحم حول أهداف تلك الأوطان، ومطالبها المدنية التي تشكل قاسما مشتركا بينهم وبين من يعيشون بين ظهرانيهم من الجاليات المسلمة التي لم تحل المفاصلة الشعورية بينهم وبين القيام بواجب الإسهام في بناء وخدمة الأوطان التي يتمتعون فيها بحق المواطنة.
وإن مما يؤيد حكمنا في حق ماكرون، بكونه قد سقط سقوطا شنيعا في وصفه الإسلام بأنه يعيش أزمة في العالم كله،من جهة، وبكونه تصرف تصرفا غبيا في مشروعه الرامي إلى الدمج القسري للمسلمين في فرنسا، وإلى القضاء على ما سماه انعزالية، وانفصالا شعوريا، من جهة أخرى، هو ما جرى له مع الرهينة المحررة صوفي بترونين، التي أصبحت تحمل اسم مريم، كما أعلنت أمام الملأ العالمي، وقبل ذلك أمام ربها الذي تداركها برحمته بأن شرح صدرها للإسلام، في عز شيخوختها، وختم لها بالحسنى، ولله في خلقه شؤون، يفعل ما يشاء ويختار. لقد ذهب ماكرون لاستقبال الرهينة المحررة مريم، وهو في حالة زهو وانشراح، ويفرك يديه من فرط الشعور بالسعادة، لأنه من جهة استطاع أن ينجح في مساعي تحريرها ومن معها، بعد مفاوضات وتبادلات، وبذل مبلغ كبير مقابل ذلك، ولأن استقبال السيدة ” صوفي” – حسب اعتقاده – في المطار، سيتيح له فرصة دعم الحكم الذي فاه به في حق الإسلام، بأنه في أزمة، غير أن ما وقع عند المواجهة واللقاء في المطار، لم يكن في الحسبان، وما كان ليخطر على بال ماكرون، لقد ردت عليه عندما ناداها بصوفي بقولها إن التي أمامك هي مريم، لقد أسلمت ( وجهي لله)، أنا مسلمة، عندها سقط في يد ماكرون، وضرب كفا بكف، ولسان حاله يقول يا ويلتاه، أي هوان هذا وأي خذلان؟ وما لبث والحسرة تأكل قلبه وتغزو كيانه، أن ولى هاربا ولم يعقب، ملغيا ما كان مزمعا إلقاءه من تصريح ، معبرا عن ابتهاج فرنسا بتحرير” صوفي بترونين” بعد أربع سنين من الاحتجاز من طرف جماعة إسلامية، وصفوها بالإرهابية والانتماء إلى ” القاعدة”، وظلت الورقة التي دبج فيها مشاعره وارتساماته قابعة في جيبه، حبيسة الكتمان، فلم يعد لها الآن معنى. لأن التي كتبت من أجلها، أصبحت في ذمة الماضي غير المأسوف عليه، ومثلت على أنقاضها شخصية أخرى، ذات رونق وبهاء، شخصية ستدخل التاريخ من أبوابه الواسعة، ضمن من تركوا بصماتهم البارزة على صفحاته المشرقة، شخصية تكتسي رداء العظمة والوقار، وتحمل شارة المجد والفخار، بفضل شجاعتها وثباتها في وجه اللصوص والفجار، ممن يزهون بانتسابهم إلى بلد “الأنوار”. وفي موقفها المشرف، وشموخها المشهود، قالت كلمة حق فيمن كانت أسيرة مكرمة عندهم، حين نفت عنهم صفة ” الجهاديين” بالمعنى الذي يفهمه أعداء الإسلام، وأنهم بكل بساطة، أناس يكافحون من أجل استرداد حقوقهم ممن سلبوها منهم ظلما وعلوا.
إنها إذن صفعة قوية ومدوية على وجه ماكرون وعلى قفاه، عندما انقلب على عقبيه، مولولا صارخا نادبا حظه، إذ ضاعت منه فرصة ثمينة لتزكية موقفه من الإسلام، وحكمه عليه بأنه يعيش في أزمة.
وإنها إلقام ماكرون حجرا من شأنه أن يكسر أسنانه ويعقد لسانه، ويعرضه أمام العالم في صورة الإنسان البائس الفاشل، صورة القائد المهزوم الذي يتذرع بالزور والكذب والافتئات، والمكر والاحتيال، من أجل تسجيل نفسه في سجل الأبطال المرموقين الذين يذكرهم التاريخ بلسان الحمد والتمجيد، والحال أنه ممن يلفظهم التاريخ إلى مزابله، ويذكرون بلسان الذم، ويلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون.
إنه لخليق بكل منصف أن يخاطب ماكرون قائلا: أي أزمة هذه التي تجعل الإسلام في عز تخلف المسلمين وتقاعسهم، وضعفهم وهوانهم، يمارس جاذبيته حتى في ظل الأسر؟ وينفذ نوره إلى أعماق الناس في مختلف الأصناف والبيئات، كيف أسلمت مريم، وكيف أسلمت أختها الإيطالية العائدة من الصومال، وغيرهما، وكيف خرجوا من أتون المتاعب والمعاناة معلنين للعالم دخولهم في دين الله، مستشعرين حلاوة الإيمان. إنها رحمة الله الذي لا إله إلا هو الذي قلوب العباد بين أصبعين من أصابعه يقلبها كيف يشاء، إنه الله العلي القدير، الرءوف الرحيم الذي يقول في كتابه العزيز:” فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ ۖ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ۚ كَذَٰلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ” ( الأنعام: 125).
فهنيئا لأختنا مريم هدايتها للإسلام، وطوبى لها وقد هدمت مكايد ماكرون، ونقضت مكره، وبرهنت على أن الأزمة ما كانت أبدا ، ولن تكون قرينة الإسلام، وإنما هي ديدن أعداءالإسلام، في كل زمان ومكان، وأن الحياة الآمنة، إنما هي تلك التي تكون في ظلال الإسلام.
وجدة في 14 أكتوبر 2020