ذاكرة مدينة وجدة المعرفية: سيدي محمد المازوني (1853-1932) – الحلقة 68
بدر المقري
لعل مما يسهل على القارئ استيعاب منزلة سيدي محمد المازوني المعرفية، تدبر الألفاظ التي حلاه بها علماء وجدة قديما. فهو الفقيه العالم العلامة المدرس الفهامة البركة القدوة، سيدي محمد بن الحاج الشعاعي المازوني، نسبة إلى مازونة في ولاية غليزان بالغرب الجزائري.
وقد ولد رحمه الله عام 1853، و اشتهرت داره في زنقة أولاد الشيخ علي بن رمضان في حي (أولاد الكاضي) بالمدينة القديمة، بأنها كانت قبلة علماء المغرب والجزائر.
وقد وصفه أحد تلاميذه بقوله: (كان الحاج محمد المازوني طويل القامة، أبيض اللون، نحيفا، وقد كلل الشيب رأسه ولحيته وعارضيه، أسيل الأنف غائر العينين و بارز الجبهة و تجاعيد الوجه و عروق اليدين. و كان أنيق الملبس مع حائك و برنس، متلثما بسائر عمامته إلى شفته السفلى. و كانت تعلو وجهه صفرة خالصة، تتجلى فيها آيات من الوقار و الهيبة و الخشية و التقوى. و كان يمشي مشيا وئيدا، و لا ينظر إلا إلى الأمام، و الناس يحيونه و ينحنون عليه للسلام عليه و تقبيل يده و أطرافه، و هو يدعو لهم بالخير. و قد كان يعيش في الدنيا بجسده، و كان يعيش بروحه في العالم الواسع الآفاق، و كان لا يسأل الناس شيئا).
و كان العلامة سيدي محمد المازوني مدرسا مشاركا في حلقات العلم بالجامع الكبير و المدرسة المرينية بوجدة. فاشتهر بتدريس ألفية ابن مالك، ثم مختصر سيدي خليل.
وقد وصف أحد تلاميذه طريقته في التدريس في أواخر العشرينيات، بقوله: (كان يلقي درسه في الساعة العاشرة صباحا. فيدخل إلى القاعة و يسند ظهره إلى الجدار الشمالي. يتعوذ و يصلي على النبي صلى الله عليه و آله و سلم، ثم يقول قال: سيدنا رحمه الله بالدارج، فيتلو السارد متن مختصر سيدي خليل. و إذا شعر بعسر في فهم مسألة فقهية، تحرك في مكانه و تحدث ببطء و حماس يوقظ به الطلبة و يسهل به عليهم فهم ما صعب. و كانت تنفرج شفتاه من حين لآخر عن ابتسامة أو شبه ابتسامة، حتى إذا فرغ من تلك المسألة قال: قال سيدنا رحمه الله).
و قد توفي العلامة سيدي محمد المازوني بوجدة سنة 1932، و دفن في مقبرة سيدي المختار. و كانت جنازته لا نظير لها عدا جنازتي العلامة الحاج العربي بن الحبيب سيناصر الحسيني و العلامة الحاج عبد الرحمن بن محمد الميري الحسني.