جواب السيد محمد بنشعبون وزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة على تدخلات الفرق والمجموعة النيابية خلال المناقشة العامة لمشروع قانون المالية للسنة المالية 2021 بمجلس النواب
جواب السيد محمد بنشعبون وزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة على تدخلات الفرق والمجموعة النيابية خلال المناقشة العامة
لمشروع قانون المالية للسنة المالية 2021 بمجلس النواب
بسم الله الرحمان الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
السيد الرئيس؛
السيد وزيـــــــر الدولة، السيد الوزير ؛
السيدات والسادة النواب المحترمون؛
يُسعدني أن أقف مجددا أمام مجلسكم الموقر جوابا على تدخلات السيدات والسادة رؤساء وممثلي الفرق والمجموعة النيابية بمناسبة المناقشة العامة للجزء الأول من مشروع قانون المالية لسنة 2021.
لكن قبل الخوض في تفاصيل هذا الجواب لابد أن أتوقف عند نقطتين هامتين:
النقطة الأولى تتعلق بالبُشرى التي زفها جلالة الملك حفظه الله للمغاربة من خلال إعطاء توجيهاته السامية بإطلاق عملية مكثفة للتلقيح ضد فيروس كوفيد-19 في الأسابيع المقبلة. وهو ما يؤكد الحرص المتواصل لجلالته، خلال كل مراحل هذه الأزمة، على السلامة الصحية للمواطنين، وعلى التخفيف من معاناتهم. وهذا ما سيفتح لنا باب الأمل، ونحن نتدارس مشروع قانون المالية لسنة 2021، من أجل استشراف آفاق انجلاء هذه الجائحة وعودة الحياة وعجلة الاقتصاد إلى الدوران بشكل طبيعي. ولا يمكنني إلا أن أؤكد لكم من هذا المنبر تجند كل المصالح الوزارية المعنية إلى جانب الإدارة الترابية والقوات الأمنية، والقوات المسلحة الملكية، من أجل تفعيل التوجيهات الملكية السامية بالسهر على الإعداد والسير الجيدين لهذه العملية الوطنية واسعة النطاق، سواء على المستوى الصحي أو اللوجيستيكي أو التقني.
تتعلق النقطة الثانية بالخطاب الملكي السامي بمناسبة الذكرى الخامسة والأربعين للمسيرة الخضراء المظفرة، والذي أكد من خلاله جلالته على أن المغرب سيظل ثابتا في مواقفه. ولن تؤثر عليه الاستفزازات العقيمة، والمناورات اليائسة، التي تقوم بها الأطراف الأخرى، وعلى أن المسيرة الخضراء هي مسيرة متجددة ومتواصلة، بالعمل على ترسيخ مغربية الصحراء، على الصعيد الدولي، وجعلها قاطرة للتنمية، على المستوى الإقليمي والقاري. ومن هذا المنطلق نؤكد تجند الحكومة تحت القيادة النيرة لجلالة الملك حفظه الله، للدفاع عن الوحدة الترابية للمملكة وعدم التخلي عن شبر واحد من الصحراء الـمـغـربـية، موازاة مع الانكباب على مواصلة إنجاز مختلف المشاريع التنموية والاجتماعية التي أطلقها جلالته بأقاليمنا الجنوبية وجعلها قطبا تنمويا رائدا وصلة وصل بين المغرب وعمقه الإفريقي.
السيدات والسادة،
تفاعلا مع تدخلاتكم القيمة خلال هذه الجلسة، أودُّ بداية، أن أتوجه بالشكر والامتنان لكافة النائبات والنواب المحترمين، في الأغلبية والمعارضة، على تعبئتهم وانخراطهم طيلة مسار النقاش بخصوص مشروع قانون المالية للسنة المالية 2021 في ظل هذه الوضعية الاستثنائية التي تعيشها بلادنا ويعيشها العالم أجمع.
وما ذلك إلا امتداد لما أبان عنه مجلسكم الموقر من حس وطني عال وانخراط قوي وفاعل في إطار التعبئة الوطنية الجماعية في مواجهة الأزمة غير المسبوقة لجائحة كوفيد-19، تحت القيادة النيرة لجلالة الملك حفظه الله.
كما أود أن أتقدم بالشكر للسيد رئيس لجنة المالية والتنمية الاقتصادية وكل رؤساء الفرق والمجموعة النيابية والسيدات والسادة النواب أعضاء هذه اللجنة وكل اللجان القطاعية، على انخراطهم الجدي في النقاش واشتغالهم المتواصل وإلى أوقات جد متأخرة من الليل من أجل التصويت على مشروع قانون المالية لسنة 2021.
السيدات والسادة،
لقد أسسنا مع مؤسستكم المحترمة، طيلة الثلاث سنوات الأخيرة، لعلاقة مبنية على الاحترام المتبادل، والتعاون، والشفافية، ومد السيدات والسادة النواب بكل المعطيات الكفيلة بتمكينهم من الإحاطة بكل جوانب مشاريع قوانين المالية، والمساهمة الفاعلة في إغنائها. وقد حرصنا على توطيد هذا التوجه في إطار تدبير الأزمة المرتبطة بجائحة كوفيد-19 من خلال إطلاع مؤسستكم بصفة دورية على كل المستجدات والإجراءات التي تم اتخادها لمواجهة هذه الأزمة، وقدمنا لكم شهر يوليوز أول مشروع قانون مالية معدل بعد مرور 30 سنة، كما عرضنا عليكم بداية شهر غشت مخطط تنزيل التوجيهات الملكية السامية المتضمنة في خطاب العرش، وفتحنا مع مجلسكم النقاش حول سياق إعداد مشروع قانون المالية لسنة 2021 والرهانات المرتبطة به في شهر شتنبر. وقبل الشروع في مناقشة هذا المشروع قمنا بمدكم بكل المعطيات التي تقدمتم بطلبها والتي تنضاف إلى 13 تقريرا اشتغلت عليها أطر وزارة الاقتصاد والمالية بالتعاون مع كل القطاعات الوزارية والمؤسسات لأسابيع طويلة.
وقد تَجَسَّدَ هذا التوجه كذلك من خلال حرصنا على التفاعل بكل إيجاب مع تعديلاتكم ومع مقترحاتكم في إطار المناقشة العامة. ولا يمكنني إلا أن أعبر عن اعتزازي بإجماع كل الفرق والمجموعة النيابية على أن السياق الدقيق الذي تمر منه بلادنا في ظل هذه الأزمة غير المسبوقة، وضرورة توفير التمويل اللازم للمشروع المجتمعي الكبير الذي أطلقه صاحب الجلالة نصره الله بتعميم التغطية الاجتماعية على كل المغاربة، يتطلب تضامنا أكثر قوة من كل فئات الشعب المغربي.
ولعل هذا الإجماع حول مبدأ التضامن هو الذي جعلنا نتفاعل إيجابا مع تعديلات غالبية الفرق في الأغلبية والمعارضة، فيما يتعلق بالمساهمة التضامنية من أجل خلق التوازن اللازم بين كل شرائح المساهمين الذاتيين منهم والمعنويين. وهكذا تم الرفع من الحد الأدنى للمساهمة بالنسبة للأشخاص الذاتيين إلى 240.000 درهم سنويا، أي أن الأشخاص الذين يفوق أجرهم الشهري الصافي 20.000 درهم سيساهمون بــ 1,5%. وفي المقابل تم تقليص الحد الأدنى بالنسبة لمساهمات المقاولات إلى 1 مليون درهم، مع تطبيق هذه المساهمة وفق نسب تصاعدية تتراوح بين 1,5% و3,5%.
كما تفاعلنا كذلك بكل إيجاب مع باقي التعديلات والمقترحات القيمة والغنية المقدمة سواء من طرف الأغلبية أو المعارضة. فمن أصل 185 تعديلا تم التقدم بها، 178 همت الجزء الأول، وتم قبول 49 تعديلا أكثر من 40% منها لفرق المعارضة. ومن أهم التعديلات التي تم قبولها:
الإلغاء الكلي أو الجزئي للغرامات والزيادات وصوائر تحصيل الديون العمومية المستحقة لفائدة الدولة قبل فاتح يناير 2020.
رفع سقف الاستفادة من التخفيض من واجبات التسجيل على التفويتات المتعلقة بالسكن إلى 4.000.000 درهم، وتمديد أجل الاستفادة من هذا التدبير إلى غاية 30 يونيو 2021.
تعديل شروط الإعفاء من الضريبة على الدخل في إطار عملية تشغيل الشباب خاصة عبر الرفع من سن ومدة الاستفادة على التوالي من 30 إلى35 سنة، ومن 24 إلى 36 شهرا.
تخفيض واجبات التسجيل على عمليات التأسيس والزيادة في رأس المال من 1% إلى 0.5 %.
التنصيص على الإعفاء من الضريبة بالنسبة للفوائد المدفوعة للأشخاص الذاتيين المقيمين غير الخاضعين للضريبة على الدخل وفق نظام النتيجة الصافية الحقيقية أو المبسطة، برسم سندات الاقتراض التي يتم إصدارها من طرف الخزينة إلى غاية 31 ديسمبر 2021، و تدفع فوائدها لأول مرة 2021.
التنصيص على الطابع السنوي للإقرار المتعلق بالمساهمة المهنية الموحدة مع التأكيد على إمكانية الدفع الربع السنوي أو السنوي لهذه المساهمة حسب الاختيار المعبر عنه في الإقرار. هذا مع وجوب تلازم اختيار نظام المساهمة المهنية الموحدة، مع الانخراط في نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض وفق النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل.
خفض رسم الاستيراد المطبق على الألياف التركيبية من البوليستيرات من%17,5 إلى %2,5، تجاوبا مع الاقتراحات المقدمة و الهادفة إلى عدم الإضرار بالصناعة المحلية التي تستعمل هذه الألياف في صناعة الألبسة.
الرفع من الضريبة الداخلية على الاستهلاك المفروضة على السيكار و تبغ الشيشة في إطار الجهود الرامية إلى الحد من استهلاك هذه المواد المضرة بصحة المستهلك.
التنصيص على تطبيق الجزاءات الجنائية في حالة تمكين الغير من الإفلات من الضريبة أو التملص من دفعها أو الحصول على خصم منها أو استرجاع مبالغ بغير حق، و كذا في حالة إصدار فاتورات صورية، ولو كان ذلك لأول مرة. هذا مع استثناء الشكايات المتعلقة بإصدار هذا النوع من الفاتورات من الإحالة على لجنة المخالفات الضريبية، وإعطاء الصلاحية لوزير المالية لإحالة الشكاية مباشرة إلى وكيل الملك.
السيدات والسادة،
لقد حرصت على الإصغاء بكل إمعان لكل التدخلات وما تضمنته من من ملاحظات ومقترحات وتنويه أونقد. وأود في إطار التفاعل معكم أن أؤكد بأننا اليوم أمام سياق خاص ودقيق يفرض علينا حشد الطاقات وتوجيهها نحو المستقبل وتحويلها إلى دينامية اقتراحية، بدلا عن الخوض في المقارنات بين من أحدث أكبر عدد من المناصب، ومَن حقق أكبر معدلات النمو، ومَن، ومَن….، في تغييب كامل للسياقات التي تشكلت واشتغلت فيها كل حكومة، مع تقديم قراءات تجزيئية أو غير متوازنة لما تم إنجازه بإيجابياته وسلبياته.
فكلنا متفقون بأن هذه الأزمة أبانت عن مجموعة من النواقص ومكامن الهشاشة في بنيتنا الاقتصادية والاجتماعية. ولعل من أبرز تجلياتها هو أن ثلثي الأسر المغربية تعيش من القطاع المهيكل ولا تتوفر على حماية اجتماعية. هذا إلى جانب ارتباط عدد من القطاعات بالتقلبات الخارجية. وهذا ما أكد عليه جلالة الملك حفظه الله في خطبه الأخيرة.
وهذا ليس مرتبطا بحكومة معينة، بل يتعلق بتراكم لسنوات. فلا يمكن لأحد أن ُينْكر بأن بلادنا حققت كذلك مجموعة من التراكمات الإيجابية على مستوى توطيد المسار الديمقراطي، والحفاظ على الاستقرار الذي تفتقده العديد من دول الجوار، و توطيد التوازنات الماكرو اقتصادية، وتطوير مجموعة من الاستراتيجيات القطاعية، وإنجاز عدد كبير من الأوراش الكبرى المهيكلة، وتحقيق مستويات كبرى من التقدم على مستوى ولوج الفئات الهشة للخدمات الأساسية. ولعل المؤشرات الماكرو اقتصادية شاهدة على ذلك، فقد تضاعف الناتج الداخلي الخام لبلادنا بين سنتي 2000 و2019 ليتجاوز 1000 مليار درهم، وتضاعفت الاستثمارات العمومية بثلاث مرات ليس فقط على مستوى التوقع بل كذلك على مستوى الإنجاز الذي قارب 80% خلال الأربع سنوات الأخيرة. كما تضاعف الناتج الداخلي الفردي، وانخفض معدل البطالة من 13,4% إلى 9,2%، ومعدل الفقر من 15,3% إلى 4,8%.
هذا على المستوى الماكرو اقتصادي. أما على المستوى القطاعي، فقد لاحظت أن بعض التدخلات قد تطرقت بالتحليل والنقد في بعض الأحيان للعديد من الاستراتيجيات القطاعية كمخطط المغرب الأخضر، ومخطط التسريع الصناعي، إلخ. وهنا أرى أنه يجب علينا أن نكون موضوعيين عند مقاربتنا لما تحقق أولم يتحقق على مستوى مختلف الاستراتيجيات. فمن باب الإنصاف والموضوعية أن لا نقف عند ما نعتقد أنها نواقص تعتري تفعيل استراتيجية محددة.
فبلادنا، أيتها السيدات والسادة، حققت مكاسب كبيرة بفضل إطلاق هذه الاستراتيجيات سواء على مستوى خلق فرص الشغل، أو جلب الاستثمارات، أو التحول على مستوى بنية ميزاننا التجاري والاقتصاد الوطني ككل.
وفي المقابل، يقتضي التقييم الموضوعي لمختلف الاستراتيجيات التي أطلقتها بلادنا خلال السنوات الأخيرة، أن نقف على ما لم يتم تحقيقه من أهداف، وأن نستخلص الدروس من أجل أن يستجيب الجيل الجديد من الاستراتيجيات لما دعا إليه جلالة الملك حفظه الله في خطاب العرش، من ضرورة إعادة ترتيب الأولويات، وبناء مقومات اقتصاد قوي وتنافسي، ونموذج اجتماعي أكثر إدماجا.
السيدات والسادة،
أعتقد أنه من باب التناقض أن نقول بأن الحكومة لها أجندات أو أسبقيات غير تلك التي ينتظرها المغاربة وحدَّدَ معالمها جلالة الملك حفظه الله في خطبه السامية الأخيرة، وننعت في نفس الوقت هذه الحكومة بالكسل وغياب الإبداع والارتكاز على مبادرات جلالته.
فأين بَدَت لكم تجليات هذا الكسل، وقد تجندت الحكومة بكل مكوناتها وبما ينبغي من الفعالية والسرعة من أجل تنزيل التوجيهات الملكية السامية في مواجهة الجائحة، من خلال تعبئة كل الإمكانيات، بهدف الحفاظ على صحة المواطنين أولا، وتقديم الدعم للمواطنين الذين فقدو مصدر رزقهم جراء الحجر الصحي، ودعم المقاولات من أجل الحفاظ على مناصب الشغل.
ألا يعتبر اجتهادا، تقديم 21 مليار درهم من الدعم لما يفوق 5 ملايين أسرة، 45% منها بالعالم القروي وحوالي مليون أجير، وفي وقت قياسي وظرف استثنائي، وهو ما لم نستطع القيام به لسنوات عديدة؟
ألا يعتبر اجتهادا، تمكين ما يفوق 77 ألف مقاولة صغيرة جدا وصغرى ومتوسطة من الولوج للتمويل بضمان يفوق 90% من طرف الدولة ونسبة فائدة لا تتجاوز 3,5%؟
ألا يعتبر اجتهادا، إعداد أول قانون مالية معدل بعد مرور 30 سنة؟
بالله عليكم إذا لم يكن كل هذا اجتهادا، فما هو التعريف الحقيقي للعمل والاجتهاد؟.
أما بخصوص ما جاء به مشروع قانون المالية للسنة المالية 2020 من توجهات، فنحن نعتز بأن تكون أولوياته، هي تنزيل التوجيهات الملكية السامية المتضمنة في خطب جلالته بمناسبة عيد العرش المجيد، وذكرى ثورة الملك والشعب، وافتتاح السنة التشريعية.
كما أن توجيهات جلالة الملك حفظه الله لم تكن موجهة فقط للحكومة، بل كانت موجهة لمختلف الفاعلين وعلى رأسهم البرلمان، من خلال تأكيد جلالته في خطاب العرش ” وهنا أتوجه لكل القوى الوطنية دون استثناء، وأخاطب فيها روح الغيرة الوطنية، والمسؤولية الفردية والجماعية، للانخراط القوي في الجهود الوطنية، لتجاوز هذه المرحلة، ومواجهة تداعياتها الاقتصادية والاجتماعية. وعلينا أن نجعل من المكاسب المحققة في هذا الظرف القصير، منعطفا حاسما، لتعزيز نقط القوة التي أظهرها المغاربة، وتسريع الإصلاحات التي تقتضيها المرحلة، واستثمار الفرص التي تتيحها”. انتهى النطق الملكي السامي.
ومن هذا المنطلق، عملت الحكومة على التفاعل الفوري مع الخطب الملكية السامية، حيث أنه 5 أيام فقط بعد خطاب العرش قمنا بعرض مخطط عملي لتنزيل التوجيهات الملكية السامية، وعرضناه عليكم تزامنا مع الاجتماع المخصص لإخبار لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمرسوم إحداث صندوق الاستثمار الاستراتيجي، الذي أطلق عليه جلالة الملك اسم صندوق محمد السادس للاستثمار.
كما قمنا بالتوقيع على ميثاق الإنعاش الاقتصادي والشغل، وعلى عقد البرنامج مع قطاع السياحة، مع الأجرأة الفعلية والفورية لالتزامات الحكومة في هذا الإطار. وقد تم إقرار تعويض شهري، من يوليوز إلى غاية نهاية السنة، مع التكفل بالنفقات المرتبطة بالتعويضات العائلية ونظام التغطية الصحية الإجبارية لفائدة الأجراء والمتدربين التابعين لمؤسسات الإيواء السياحي المصنفة ووكالات الأسفار والنقل السياحي، وكذا المرشدين السياحيين المؤمنين بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. وقد تم صرف هذه التعويضات برسم أشهر يوليوز، وغشت وشتنبر لفائدة حوالي 47 ألف أجير بالقطاع. كما استفادت المقاولات العاملة بهذا القطاع من تأجيل دفع المساهمات الاجتماعية المستحقة للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي خلال نفس الفترة، ومن منتوج إضافي وهو “ضمان إقلاع للإيواء السياحي” والذي يمنح ضمانا يتراوح ما بين %80 و %90بالنسبة للقروض الممنوحة لفائدة مؤسسات الإيواء السياحي المتضررة من الأزمة إلى غاية 31 دجنبر2020.
كما أن الحكومة منكبة على وضع الآليات الكفيلة بتفعيل صندوق محمد السادس للاستثمار، في الأسابيع القليلة القادمة، بالموازاة مع وضع اللمسات الأخيرة على مشروع القانون الذي يقضي بتخويله الشخصية المعنوية في أفق عرضه قريبا على مجلسكم الموقر. ولابد هنا أن أوضح مسألة هامة: فلما نتحدث عن ضخ 120 مليار درهم في الاقتصاد الوطني لإنعاشه، فسيتم ذلك من خلال تمكين المقاولات من الاستفادة من 75 مليار درهم كقروض مضمونة من طرف الدولة، موازاة مع إطلاق استثمارات تقدر بـ45 مليار درهم عبر صندوق محمد السادس للاستثمار. وإذا ما أضفنا استثمارات هذا الصندوق إلى استثمارات الميزانية العامة للدولة والمؤسسات والمقاولات العمومية والجماعات التربية المبرمجة برسم سنة 2021 والتي تقدر بـ 185 مليار درهم، فإن مجموع الاستثمارات العمومية برسم سنة 2021 سيبلغ 230 مليار درهم.
وهذه كلها دلائل، أيتها السيدات أيها السادة، على أننا أمام تصور عملي واضح للحكومة لتزيل التوجيهات الملكية السامية، ولا يتعلق الأمر بتقديم لوعود أو زرع لأمل وهمي، وإن كان زرع الأمل بمختلف تجلياته في نفوس المغاربة يُعَدُّ شيئا إيجابيا في هذه الظرفية الصعبة.
لقد كان هاجسنا الأول وما زال هو أن نقف إلى جانب المواطن المغربي في ظل هذه الظرفية الصعبة. فكل التدابير المتخذة لتمكين المواطنين المغاربة الذين فقدوا مصدر رزقهم خلال هذه الجائحة من الاستفادة من الدعم، وتقوية صمود المقاولات المتضررة، تندرج في إطار التجاوب مع انتظارات المواطنين والتخفيف من معاناتهم.
كما أن التدابير المتضمنة في مشروع قانون المالية للسنة المالية 2021، هي استمرار لنفس التوجه.
فتعميم التغطية الصحية هو لصالح المواطن المغربي البسيط الذي يتوفر على دخل محدود أو ليس له أي دخل. فحوالي 22 مليون مغربي سيستفيدون من هذا الورش، ما يزيد عن 10 ملايين منهم يعيشون في وضعية هشاشة وكانوا مسجلين في إطار راميد. واليوم سيتمكنون من الاستفادة من تغطية صحية إجبارية كنظرائهم من المغاربة الذين يشتغلون في القطاعين العام والخاص أو يمارسون مهنا أو أعمالا حرة.
وإنعاش الاقتصاد الوطني هو لصالح المواطن المغربي كذلك، فضخ 120 مليار درهم في الاقتصاد الوطني سيمكن، مما لاشك فيه، من إعطاء دفعة قوية للمقاولة الوطنية وخاصة منها الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة لكي تخلق فرص الشغل للشباب خاصة في ظل تمكينهم من الإعفاء من الضريبة على الدخل لمدة الثلاث سنوات الأولى. كما أن إصلاح القطاع العام سيمكن من توفير هوامش مالية يمكن توجيهها للقطاعات الاجتماعية والاستثمارات المدرة للشغل. وهذا كذلك لصالح المواطن.
السيدات والسادة،
إذا كان من مسؤوليتنا جميعا أن نعمل على بلورة آليات تفعيل هذه الأوراش الإصلاحية الكبرى، فإن من مسؤوليتنا كذلك في إطار تكامل أدوار المؤسسات الدستورية، أن نوفر الموارد المالية لتمويلها في إطار ما تتيحه إمكانياتنا المالية من هوامش أو البحث عن موارد بديلة.
ونحن اليوم أمام تحدي كبير. فمن جهة يجب أن ننخرط في مسار تقليص عجز الميزانية بهدف ضمان استقرار معدل المديونية خلال السنوات القادمة، ومن جهة أخرى ينبغي أن نوفر الاعتمادات الضرورية لمواكبة الأوراش الإصلاحية الكبرى التي أطلقها جلالة الملك حفظه الله، والرفع من اعتمادات قطاعي الصحة والتعليم، ومواكبة مختلف البرامج والاستراتيجيات القطاعية.
فرغم صعوبة هذه المعادلة فقد استطعنا في نفس الوقت أن نقلص عجز الميزانية من 7,5% إلى 6,5 %، وأن نوفر الموارد المالية الضرورية لمختلف الأوراش الإصلاحية، وأن نرفع من ميزانيتي قطاعي التعليم والصحة بـ 6 ملايير درهم، ونرفع عدد المناصب المالية المخصصة لهذين القطاعين بـ 3.500 منصب.
وهذا في حد ذاته اجتهاد كبير، لأننا بحثنا عن موارد بديلة ناهزت 30 مليار درهم، من خلال التدبير النشط للمحفظة العمومية، والتمويلات المبتكرة، وإقرار مساهمة تضامنية على الدخول والأرباح.
كما قمنا بتقليص نفقات التسيير العادي للإدارة بحوالي 3 ملايير درهم بين سنتي 2019 و2021.
وبالتالي فهل من الموضوعي أن نقول بأن الحكومة اختارت الحلول السهلة، أو غلبت منطق التوازنات المالية أو استكانت لكرم المواطنين، أو مست الطبقات المتوسطة، أو أغرقت البلاد في الديون؟
أعتقد أنه ينبغي، من منطلق المسؤولية المشتركة للحفاظ على التوازنات المالية وفي ظل ما نعيشه من سياق خاص أثر بشكل كبير على اقتصادنا ومواردنا المالية، أن نكون أكثر موضوعية وأكثر تجردا في مقاربتنا للمجهودات التي بذلتها الحكومة من أجل وضع ماليتنا العمومية في مسار تقليص عجز الخزينة بهدف ضمان استقرار مستوى المديونية.
فكما تعلمون، فرضت الأزمة الصحية العالمية على جميع البلدان اختلالات في توازناتها الاقتصادية والاجتماعية والمالية. والمغرب لا يشكل استثناء في هذا المجال، حيث أثرت هذه الأزمة على الاقتصاد الوطني الذي سيسجل انكماشا يقدر ب -5,8% خلال سنة 2020 وهو أشد ركود اقتصادي تعرفه بلادنا منذ أزيد من 20 سنة. كما تأثرت التوازنات الماكرو -اقتصادية بشكل كبير حيث أن عجز الخزينة سيصل الى 7,5% بالنظر لتراجع الموارد. وكنتيجة مباشرة لهذه الاضطرابات، سيرتفع معدل المديونية ليصل الى ما يقارب 76%.
فللحد من انعكاسات فيروس كورونا على الاقتصاد الوطني، اختارت بلادنا نهج سياسات مضادة للتقلبات الدورية عن طريق الرفع من ميزانية الاستثمارات العمومية، والحفاظ على القدرة الشرائية، ودعم المقاولات الصغرى والمتوسطة والفئات الهشة المتضررة.
وفي المقابل، كان من الضروري اتخاذ إجراءات استعجالية لتعبئة موارد مالية إضافية لتعويض تراجع المداخيل الجبائية ودعم ميزانية الدولة. وبطبيعة الحال، فقد لجأ المغرب شأنه شأن جميع الدول الى تعبئة هذه الموارد الإضافية بسرعة عبر آلية الدين لمواجهة احتياجات غير متوقعة دفعت بمستويات الديون إلى نسب مرتفعة جدا بالنسبة لجميع دول العالم. وقد قدر صندوق النقد الدولي ارتفاع نسبة الدين بـ 20% مقارنة بنهاية عام 2019 في الدول المتقدمة وبدرجة أقل في البلدان الأخرى.
إلا أنه على الرغم من ارتفاع حجم الدين، إلا أن تكلفة التمويل انخفضت نظرا لخفض سعر الفائدة الرئيسي من قبل بنك المغرب، وكذلك بالنظر للثقة التي تحظى بها بلادنا في الأسواق المالية الدولية. وقد انعكس ذلك بشكل إيجابي على الميزانية العامة للدولة حيث أن الاعتمادات المخصصة لنفقات فوائد الدين برسم مشروع قانون المالية لسنة 2021، انخفضت بـ-2,25%، لتبلغ 28,6 مليار درهم مقابل 29,3 مليار درهم سنة 2020.
كما أن بنية الدين سليمة وتحترم معايير تدبير المخاطر، حيث أن حصة الدين ذي الأمد القصير في محفظة دين الخزينة لا تتجاوز 13,2% ، وحصة الدين بالعملات الأجنبية لا تتجاوز 22%.
وبخصوص تأثير تخفيض التصنيف الائتماني للمغرب من طرف وكالة التنقيط فيتش راتينغ على كلفة الاقتراض ، فإن تأثير هذا الإجراء يظل محدودا على مستويات هوامش المخاطر لسندات المغرب في السوق المالي الدولي. فعلى سبيل المثال، فقد عرفت مستويات هوامش مخاطر الإصدار الأخير لشهر سبتمبر ارتفاعا بنسبة 15 نقطة أساس بالنسبة للشطر الأول ذو فترة استحقاق 5 سنوات ونصف، و 20 نقطة أساس بالنسبة للشطر الثاني ذو فترة استحقاق 10 سنوات، أي ما يعادل0,15 % و 0,20 % على التوالي.
ورغم أن التصنيف الائتماني يلعب دورا هاما في اتخاذ القرار الاستثماري من لدن المستثمرين، إلا أن هؤلاء يعتمدون على معايير تقييم أخرى ترتكز بالأساس على وثيرة الإصلاحات الهيكلية التي من شأنها أن تحسن الوضعية الاقتصادية، وكذا الاستقرار السياسي للبلاد.
السيدات والسادة،
لقد جاء في العديد من التدخلات موضوع تفعيل الجهوية في علاقتها بالظرفية المرتبطة بجائحة كورونا، ولابأس أن أقدم التوضيحات التالية بخصوص هذا الموضوع:
أولا: الجهوية خيار استراتيجي لبلادنا ولارجعة فيه. ومن هذا المنطلق تم تحويل ما يناهز 31 مليار درهم للجهات منذ سنة 2016. وخلال سنة 2020، وبالرغم من التراجع المتوقع لموارد الميزانية العامة بـحوالي 40 مليار درهم، فنحن نؤكد لكم من هذا المنبر التزامنا بتحويل مسماهمة الميزانية العامة للدولة كاملة أي 3,7 مليار درهم، حيث سيتم تحويل الشطر الرابع من هذه المساهمة المقدر بحوالي 800 مليون درهم قبل نهاية هذه السنة. كما أن الحكومة منكبة بتعاون مع المجالس الجهوية على تنزيل الإطار التوجيهي لتفعيل ممارسة الجهات لاختصاصاتها الذاتية والمشتركة، موازاة مع تقديم المواكبة للوكالات الجهوية لتنفيذ المشاريع، وتسريع تفعيل المشاريع المدرجة في اطار الشطر الأول من برامج التنمية الجهوية، حيث تم التوقيع خلال سنة 2020 على أول عقد- برنامج بين الدولة وجهة فاس-مكناس برسم الفترة 2020-2022.
ثانيا: فيما يتعلق بما تمت إثارته بخصوص ميزانيات الجماعات الترابية، فما تم اتخاده من قرارات يتماشى مع الظرفية الاستثنائية، وما نتج عنها من تراجع لموارد هذه الجماعات، ويهدف بالأساس إلى الحفاظ على توازناتها المالية و ضمان استمرار قدرتها على أداء خدماتها و الوفاء بالتزاماتها المالية. ولا يوجد أي تعارض لهذه القرارات مع القوانين التنظيمية.
فقد سجلت موارد الجماعات الترابية انخفاضا اجماليا بنسبة 9,3 % حتى نهاية شهر غشت 2020، مقارنة مع نفس الفترة من سنة 2019، وذلك نتيجة تراجع الموارد المالية المحولة بنسبة 6,8 %، والموارد الذاتية بنسبة 6,13 % . في حين انخفضت النفقات العادية لهذه الجماعات فقط بـ % 1,3، و نفقات الاستثمار بـ12,1 %.
السيدات والسادة،
لقد حرصت مند بداية الأزمة، على التواصل بشكل مستمر مع مؤسستكم المحترمة، من خلال عرض كل التدابير والإجراءات التي تم اتخادها، بتعليمات ملكية سامية، في مواجهة آثار هذه الأزمة الاقتصادية والاجتماعية.
ومما لاشك فيه أن هذا النهج التشاركي مع مؤسستكم المحترمة سيشكل مرتكزا لإعداد المراحل القادمة، من منطلق إيماننا بأننا نتقاسم مسؤولية تدبير هذه المرحلة، بما تحمله من صعوبات ينبغي تجاوزها، وتُتِيحُه من فرص وتقدمه من دروس يجب استغلالها وتثمينها.
فالرهانات والتحديات التي أطرت إعداد مشروع قانون المالية للسنة المالية 2021، هي رهانات تفرضها من جهة حتمية مواجهة التطورات المتسارعة والمقلقة لجائحة فيروس كورونا، وآثارها الصحية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية، ومن جهة أخرى ضرورة التأسيس للمستقبل عبر معالجة الاختلالات ومظاهر العجز التي أبانت عنها الأزمة، والانكباب على تفعيل الإصلاحات الكبرى التي أطلقها جلالة الملك حفظه الله.
فهو مشروع واقعي يلتزم بالقدرات الموضوعية لماليتنا العامة ويسعى للإبداع في إطارها، وهو مشروع للثقة لأنه يتوجه لكل الفاعلين بالتزام الفعالية والمواكبة والدعم، وهو مشروع الأمل لأنه يسعى لتعبيد طريق مغرب الغد، مغرب الحماية الاجتماعية لكل المغارية، ومغرب الفرص للجميع في إطار الحق وربط المسؤولية بالمحاسبة.
السيدات والسادة،
لقد تم تسخير إمكانيات وآليات غير مسبوقة لمواكبة حاجيات الاقتصاد الوطني في ظل هذه الجائحة، لضمان استمرار دوران عجلة الاقتصاد الوطني، والحفاظ على مناصب الشغل رغم الإكراهات التي تثقل كاهل ميزانية الدولة، بما في ذلك اعتماد مجموعة من التعديلات في إطار مشروع قانون المالية لسنة 2021، تهدف لدعم القدرة الشرائية للمواطنين، وتشجيع تشغيل الشباب، ودعم المقاولة الوطنية.
وفي المقابل فعلى باقي الفاعلين الاجتماعيين والاقتصاديين التقاط هذه الإشارات الإيجابية من أجل الانخراط الفاعل في تفعيل الورش المجتمعي لتعميم التغطية الصحية، وإنعاش الاقتصاد الوطني عبر خلق أكبر عدد من فرص الشغل، من خلال الرفع من وثيرة الاستثمار. فأملنا جميعا هو أن نخرج من هذه الأزمة أكثر قوة و صلابة، وثقتنا في قدراتنا هي التي ستمكننا من كسب رهانات الغد.
“قُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَانًا نَّصِيرًا” صدق الله العظيم، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.