البلاغات “الكورونية” والبيان “الناري” لاتحاد كتاب المغرب..!
المختار أعويدي
ما بال المكتب التنفيذي لاتحاد كتاب المغرب، ينتج هذه الأيام إسهالا من البلاغات الموجهة إلى الرأي العام الثقافي. والمتعلقة بالحالة الصحية لبعض أعضاء الإتحاد، من المصابين منهم بعدوى الوباء اللعين كورونا. والتي يُحملها كماً هائلا من المتمنيات الجميلة، والمجاملات السخية، ودغدغة للعواطف، والمدح المبالغ فيه. حتى أن بلاغاته المذكورة هاته، تكاد “ترتجل شعرا” في حق هؤلاء المرضى من الكتاب، شافاهم الله.
لا يسعني سوى أن أتمنى لجميع كتابنا ومثقفينا، ممن استبد بهم وباء كوفيد وغير كوفيد، العافية والشفاء العاجل. والعودة السريعة إلى أنشطتهم وجبهاتهم الثقافية المختلفة المعهودة. ولكنني لست أدري هل شحت أنشطة الإتحاد وانشغالاته واهتماماته الثقافية هذه الأيام، إلى هذا الحد الذي جعله لا يجد لبلاغاته المتتالية هذه، مواضيع للإخبار والتبليغ، تستحق القراءة والمتابعة والإهتمام من طرف الرأي العام، غير أخبار عدوى كوفيد، التي أصابت وتصيب بعض أعضائه في هذه المدينة أو تلك. كما لو أن الأمر يتعلق بصحيفة لأخبار المرضى والمصابين منهم، وليس منارة ثقافية شامخة عريقة، يتطلع إلى أنشطتها وأخبارها وبلاغاتها الرأي العام بكل شغف واهتمام. ظلت منذ عقود، في طليعة المؤسسات التي تؤطر الفعل الثقافي بالبلاد، وتُعلق عليها رهانات كبرى، للنهوض بالشأن الفكري والإبداعي والفني والثقافي عموما.
لست أدري هل شحت أخبار وأنشطة الساحة الثقافة في وطننا إلى هذا الحد، كي تحل محلها هذه البلاغات “الكوفيدية”. التي استمدت هذا التوصيف والإسم فعلا، من كونها بلاغات، حتى بصرف النظر عن تخصصها في نقل أخبار المرضى من الكتاب، أسقطت من حساباتها هذه الأيام، مَن هم مرضى بغير هذا الداء اللعين كوفيد، من كتاب هذا البلد السعيد. كما لو أن المكتب التنفيذي ينخرط هذه الأيام، في “موضة موسمية” مُهيمنة، إسمها كوفيد 19.! ولنا فيما يعانيه هرم شامخ من أهرامات الشعر والثقافة في هذا الوطن العزيز، في صمت في هذه اللحظة بالذات، وربما هناك آخرون غيره كذلك، يتعلق الأمر بالشاعر السي محمد الرباوي، الذي يرقد الآن بإحدى المصحات بمدينة مكناس، بسبب معاناته من ظروف صحية قاهرة، تستوجب إجراء عملية جراحية لاستبدال ورك. من دون أن يجد إسمه طريقا إلى هذه البلاغات الكوفيدية الموسمية، لنا فيه المثال الصارخ الناطق الفاضح.
لقد اختزل المكتب التنفيذي بذلك مهامه أو كاد، هذه الأيام، في تتبع أخبار إصابة الكتاب من أعضاء الإتحاد، بعدوى وباء كوفيد. ولذلك، وجدته لا يتوانى في الإسراع في كل مرة بإصدار بلاغ تلو الآخر، من البلاغات المُجامِلة العديدة، التي يؤثث بها السيد الرئيس واعضاء مكتبه بكل زهو، صدر صفحاتهم على المواقع الإجتماعية.
لست أدري ما القيمة المضافة والفائدة التي سيجنيها الرأي العام الثقافي وغير الثقافي، من إمطاره بوابل هذه “البلاغات الكوفيدية”، التي لا أثر فيها لأخبار الثقافة لا من قريب ولا من بعيد. والتي في المقابل، تشتم منها ربما، روائح الدعاية الإنتخابية التنظيمة السابقة لأوانها. هذا إذا علمنا أن اللجنة التحضيرية تشتغل هذه الأيام على قدم وساق، من أجل التهييء لانعقاد المؤتمر الإستثنائي. وأن القادم من الأيام، سيكون من دون شك، موعدا لمعارك تنظيمية حقيقية ومسؤولة، تستهدف إعادة بناء بريق ووهج هذه المؤسسة، التي كان اسمها يوما ما، مجلجلا في الساحة الثقافية العربية، ومرادفا لسمو الفعل الثقافي والفكري المنخرط في خدمة قضايا المجتمع وانشغالاته وهمومه. حتى أضحى مرادفا للصراع والتجاذب، والجمود والركود، والإعداد والإستعداد لمحطات إنتخابية تنظيمية فاشلة (التي للأسف لم تلتئم ولم تنعقد، ولم تُحترم مواعيدها حتى).
أيها السادة، أعضاء المكتب التنفيذي ورئيس الإتحاد، لا تنزعجوا ولا تنشغلوا بهذه المقالة التافهة وصاحبها. فالأمر لا يتعلق بعضو في مؤسستكم، معني بصراعاتكم وانقساماتهم ومواقعكم ومؤتمراتكم. بل صاحبها ليس سوى فضوليا بعيدا عن مجالسكم ومواقعكم ومكاتبكم ومنتدياتكم، لكنه منشغل ومهتم ومتابع عن كثب لأحوال هذه المؤسسة الوطنية ذات النفع العام، التي تجمع في عضويتها زبدة الوطن من رجالات الفكر والأدب والفن والثقافة. وغيور على وضعها وحالها ومآلها. يؤلمه ويحزنه أن يصيبها أي انحراف أو عطب أو جمود أو فساد. كونها قاطرة التنمية الثقافية في البلاد، بل هي ضمير المجتمع والأمة الأخلاقي والقيمي. وإن أي عطب يستبد بها، ينعكس مباشرة على حال هذه الأمة. ولذلك، فهو يحاول قدر المستطاع، من خلال مقالته المتواضعة هاته، وفي غياب مبادرة كثير من المعنيين المباشرين بالأمر، لفت الأنظار إلى واقعها وحالها التنظيمي، وتداعياته على سيرها ومسارها وأنشطتها وفعلها الثقافي. أوليست هذه المؤسسة إرثا وطنيا كبيرا، ومكسبا مجتمعيا رائدا، يهم جميع المواطنين؟!
فضولي يهمه حال ومصير هذه المؤسسة الثقافية الرائدة، لكن من دون أن يكون طرفا في تجاذباتها، ولا له في أمر واقعها التنظيمي ناقة أو جمل، ولا له في تقاطباتها حسابات أو صراعات أو تواطؤات مع أي أحد أو جهة كانت. وعليه، لا تقلقوا أيها السادة، فهذه المقالة لا ترمي إلى زرع الفتنة، ولا إلى الإساءة أو التبخيس من قدر أو مكانة أي طرف أو جهة، بقدرما ترغب في تحريك المياه الراكدة الآسنة، علها تتجدد وتصفو.
أقول ما قلت، وأنا أعلم أن “بياناتكم” التي يتطاير منها الشرر هذه الأيام، مسلولة ومستعدة للضرب بقوة في كل اتجاه، من أجل إسكات أي انتقاد يستهدف أشخاصكم كمسؤولين، أو يستهدف الوضع التنظيمي وغير التنظيمي المهلهل لجهازكم. فتكاد لم تمر سوى فترة قصيرة، على خروجكم في “غزوة” ثقافية/قمعية مجلجلة في هذا الباب، استهدفت إسكات وتكميم صوت صحافي بإذاعة Medi1، لا تربطني به أي معرفة أو علاقة شخصية معينة. كل ما يجمعني به، هي صداقة افتراضية على الفايس، ومتابعة مستمرة لبرامجه الثقافية الإذاعية المميزة. صحفي حاول الصدع بالحقيقة أو جزء منها. تنويرا للرأي العام، وربما غيرة منه على مؤسسة، تتعاملون كما لو أنها ملكاً محفظاً بأسمائكم. لا يحق لأحد انتقادها، أو وضع الأصبع على مكامن الخلل والعطب فيها.
صدَع بالحقيقة من دون أن يخشى في قول الحق لومة لائم. هذا في الوقت الذي لاذ فيه الكثير من المثقفين والكتاب وأعضاء الإتحاد وأجهزته، بالصمت المطبق الممقوت المشبوه. والتزموا بالسكوت عن الحق، بشأن ما يحدث تنظيمياً داخل مؤسستهم العريقة هذه. إما تواطؤاً أو نفاقا أو تقية أو لامبالاة، أو حفاظا على العلاقات الشخصية العامة، أو عن حسن نية. فهيأتم العدد والمدد، وانطلقتم في “غزوتكم” القمعية تلك، لأجل إلحاق أكبر ضرر “بهذا الصحفي المعتدي المتطاول”، “ذوداً” منكم عن حمى ومعاقل الإتحاد، و”صوناً” لإسمه وشرفه وكبريائه وتاريخه. فانتهى بكم المطاف بإصدار بيان يقال عنه “ناري”، لكنه لم يكن أحسن حالا، من بلاغاتكم الكورونية المذكورة. بيان لوَح بالوعد وأشهر الوعيد. حركتْه روح انتقامية قمعية صارخة، لا تخطئها العين، تتطاير من كل عباراته وجمله ومفرداته.
لكنه (أي البيان)، واسمحوا لي أن أهمس في آذانكم بالقول، بأنه بيان يغلب عليه طابع مزاجي متوتر. كُتب على عجل، وحُرر في حالة غضب غير مبرر أصلاً، ولم يُطبخ على نار هادئة. ولذلك، خرج إلى العلن وإلى الرأي العام، ولا أثر فيه للترافع الرصين بشأن التهم التي ألصقت بالصحفي المذكور، أو التحليل الوازن للنقاش الذي عرفته حلقة برنامج “بين قوسين”، أو القول السديد الصائب، بشأن الصحفي “المفترى عليه”. كل ما فيه، كم هائل من التهم والأباطيل، وحشو عدد غير قليل من الجمل النمطية المليئة بالتهديد والوعيد (والتي عادة ما تُستعمل في لغة الخرجات الحزبية أو النقابية العاصفة الغاضبة..)، التي لا تحيل لا على قضية معينة واضحة المعالم بالنسبة للمكتب التنفيذي، ولا على نازلة بينة الأهداف والمقاصد. بقدر ما تمثل جرعات لغوية زائدة عن اللزوم، لم تعمل سوى على شحن النفوس، والتعبير عن حالة نفسية متوترة وغاضبة. حالة نفسية ملؤها الإندفاع والهجوم، والمحاولة اليائسة لفتح أبواب الشيطان ضد الصحفي المذكور. علما أن هذا المنهج في التعاطي مع الرأي المخالف، سواء أكان رأيا صحفيا أو غير صحفي، ليس البتة من أعراف هذه المؤسسة العريقة وتقاليدها. فالإتحاد لم يُخلق أبدا من أجل تكميم الأفواه، وإسكات الأصوات الصحفية أو غير الصحفية، وفرض الرأي الواحد الأوحد، مستعملاً البيانات والتهديد والوعد والوعيد. كما لو أن الأمر يتعلق بجهاز أمني، وليس واحة للثقافة والفكر والإبداع. بل وُجد من أجر تحرير الفكر واللسان والإنسان. وإلا ما كان أن يكون منتدى للنقد الرصين، وفضاء للإبداع الخلاق، وواحة للفكر الحر، مجالا للتعبير الراقي بكل أشكاله وألوانه.
إسمحوا لي أيها السادة بأن أقول لكم، بأنكم بذلك تصرفتم في هذه النازلة بعقلية أمنية قمعية، لا علاقة لها لا بأعراف ولا بأخلاق الإتحاد. فالصحفي الذي أقمتم الدنيا بشأنه ولم تقعدوها، وخضتم من أجل إسكاته معركة وصفت بالنارية، لم يرتكب جُرما بيناً، ولم يأت بهتانا فاضحا. لم يقم في الحقيقة سوى بواجبه المهني، المتمثل في إدارة حوار موضوعي صريح. حول مؤسسة ثقافية، هي ملك للجميع، تعاني منذ سنوات طوال من وضع تنظيمي غير عادي وغير شرعي. ما دفع حتى ببعض أعضائها إلى وصفها “بالجثة”، بل ودعا آخرون منهم، إلى حلها وإنهاء وجودها حتى.
هل كنتم تريدون من الصحفي المعني، أن يطبل ويزمر ويسبح بحمد القائمين على مؤسسة تنخرها المشاكل التنظيمية وغير التنظيمية بشهادة أعضائها، حتى تتركوه في حال سبيله، ولا تتعرضوا له ببيانكم “الناري” السليط، ولا بتهديداتكم وتحركاتكم ووعيدكم؟ ثم ألا تفهمون بأن الذي تعرض للنقد والتشريح الموضوعي، في حلقة البرنامج “المفترى عليها”، هي مؤسسة عمومية ذات نفع عام. جزء من ماليتها مصدره ضرائب المواطنين. فهي إذن ملك للجميع، ومن حق الجميع أن ينتقدها ويُقومها بالإحترام والموضوعية اللازمة، متى ما انحرفت أو زاغت عن الصواب. خصوصا أن وضعها القانوني القائم اليوم، غير طبيعي وغير شرعي البتة. بينما لم تُعَرِض (أي حلقة البرنامج) لا أشخاصكم ولا أسماؤكم لأي انتهاك أو شتم كان، حتى تستشيطوا غضبا وحنقا، وتزبدوا وترغدوا، وتستنفروا أجهزة تنظيمية، لا حق شرعي لكم تنظيميا في توظيفها، في محاولة منكم لقلب الطاولة على الصحفي المعني بكل غضب وانفعال.
لا يخفى عليكم أيها السادة، أن الحوار في حلقة البرنامج المذكور، قد نشطه زملاء لكم وأعضاء وازنون في الإتحاد. منهم الرئيس الأسبق السي حسن نجمي، والعضو النشيط في الإتحاد السي عبد الحميد جيران، اللذين قاما بتعرية الوضع التنظيمي الحقيقي للإتحاد، بكل صراحة ونزاهة فكرية نادرة، يفتقدها كثيرون من كتابنا ومثقفينا، الذين ظل أكثرهم يتفرجون بسلبية غريبة على وضعه المهلهل، أو يمارسون دور الأتباع المصفقون، من الذين لا رأي ولا موقف لهم، غير النفاق والتصفيق. وكشفا بما لا يدع مجالا للشك، عن التردي التنظيمي العام، الذي يغرق فيه. وذلك بفعل سوء تدبير رئيس ومكتب تنفيذي – أو ما تبقى منه – فاقدين للشرعية التنظيمية، لدواليب الإتحاد منذ سنة 2015. أي منذ سنة نهاية ولايتهما الإنتخابية الشرعية. وعدم التزامهما باحترام القوانين والمقررات والمواعيد التنظيمية للإتحاد. ومع ذلك، ظلا يباشران المسؤولية “غير الشرعية” في أجهزته بشكل طبيعي، ويقرران وينفذان بدون وجه حق أو قانون.
لقد استمتعتُ (استمتاع وليس استماع) في الحقيقة بالإنصات، إلى حلقة برنامج “بين قوسين” المفترى عليها كاملة، ولم أجد فيها سوى نقاشا صريحا جريئا، ينصب على هذا الوضع غير الطبيعي المعطِل لعجلة الإتحاد وأنشطته ومساره. ولم أسمع بأي ترهات من التي أسماها بيانكم، ب : “التصريحات والتلميحات والتوصيفات الحاقدة والمسيئة”.! “نعوت قدحية وغير مسؤولة” و”إساءاته المقصودة لتاريخ الاتحاد ولمساره التنظيمي ولأعضاء المكتب التنفيذي” و”تصرف مسيء لحضور الاتحاد الثقافي والرمزي ولتاريخه النضالي ولمنجزاته ومكاسبه” و”الإساءة إلى الاتحاد والتدخل في شؤونه الداخلية” و”التهجم الخطير وغير المسبوق الذي استهدفه من لدن منشط البرنامج” و”السلوك اللامسؤول” و”سلوك يستهدف فقط تغليط أعضاء الاتحاد والرأي العام الثقافي والإعلامي”… لم أجد شيئا ولا أثرا لمثل هذه الإتهامات، التي كانت من وحي خيالكم وبيانكم “الناري”. وعليه، فإن بيانكم قد جانب مضمونه عين الصواب، وأوغل في تأويلات وإستنتاجات مبالغ فيها، وسمى الأشياء بغير مسمياتها الحقيقية، كما وردت في الحوار والبرنامج.
كل ما في الأمر، أنكم كنتم مسؤولين عن إنتاج وضع تنظيمي متردي ومهلهل داخل الإتحاد، انعكس سلبا على مساره وأنشطته وتماسكه وأعضائه. ترفضون مطلقاً أن يكون موضع نقاش أو حوار أو رأي مخالف. حتى أنه متى ما أثير بصدد هذا الوضع المأزوم، الذي من إنتاجكم، نقاش أو حوار أو انتقاد أو صدع بكلمة حق. ضاقت صدوركم، وتلاشى صبركم، وغابت حكمتكم، فاعتبرتم الأمر إساءة أو شتما أو قدحا أو حقدا.. فتوسلتم بالبيانات، وانبريتم لإعلان الوعيد والتهديدات، ولجأتم حتى إلى رفع القضايا أمام المحاكم، وهلم جرا.
هل توجد إساءة إلى الإتحاد وإلى الكُتاب، أكثر من هذا الخلود الذي استغرق بكم في المسؤولية ثمان سنوات كاملة. جاثمين على أنفاس هذه المؤسسة وعلى صدور أعضائها. ومنكلين بقوانينها ومقرراتها التنظيمية، التي لا تمنحكم الحق سوى في ثلاث سنوات فقط، قابلة للتجديد انتخابيا..؟!
وعليه، فإذا كانت هناك في حلقة برنامج “بين قوسين” المُفترى عليها، من حقيقة مؤلمة للسيد الرئيس ومكتبه التنفيذي وأتباعهما، التي دفعتهما إلى الهروب إلى الأمام، والإختباء خلف بيان “ناري” متعجل، فهي تلك الحقائق المجلجلة الصريحة، التي نطق بها “شاهدان من أهلها”، السي حسن نجمي والسي عبد الحميد جيران، وكشفا عن تفاصيلها بكل الشجاعة الأدبية التي يقتضيها الأمر والموقف. وهي إثارتهما لمشكل الوضع التنظيمي الحالي غير السليم وغير الشرعي وغير القانوني لمؤسسة اتحاد الكتاب. أما عن الصحفي المفترى عليه، فلم يكن يمثل من الحكاية كلها، سوى ذلك الحائط القصير، الذي تطاول عليه الرئيس ومكتبه التنفيذي. وحاولا يائسين النيل منه، بكل أشكال التهديد والوعيد، والإعتداء والإفتراء.
يا لعمق الهوة التي انحدر وهوى إليها الإتحاد، حتى أضحى أداة من أدواة القمع الفكري لصحفي يؤدي واجبه المهني بضمير واقتدار. هل يَرضى الكُتاب أن ينحدر تنظيمهم الثقافي والفكري إلى هذا المستوى، ويتحول إلى وسيلة لإسكات الأصوات والآراء المخالفة. وهو الذي قدم مؤسسوه ورجاله ومناضليه ثمنا غاليا، من أجل حرية التفكير والتعبير والإنتقاد. حقا انه من غريب الأمور أن يكون الإتحاد مدرسة رائدة، تدعم من بين ما تدعم النقد والنقاد، بكل ما أوتيت من إرث ثقافي غزير، وتراكم فكري وازن، بينما لا يتقبل مسؤوليها “غير الشرعيين” اليوم، ورئيسهم “الناقد” (يا حسراه)، أن يكونوا موضع نقد وتقويم، في مواقع مسؤولياتهم، وليس في أشخاصهم أو أسمائهم. ويمعنون ويصرون على تكميم الأفواه المعارضة. فكيف يستقيم أمر هذه النازلة يا ترى؟ حقا إنها مفارقة عجيبة.!
لا يمكن فعلا فهم هذا البؤس الذي هوى وتردى إليه الإتحاد، سوى باستحضار الوضع التنظيمي المهلهل والمخلخل وغير المشروع، الذي يعرفه هذا التنظيم منذ سنوات طوال. فلا يخفى على أحد أن الأجهزة التي تتحدث وتتصرف اليوم باسم الإتحاد، هي أجهزة فاقدة للشرعية التنظيمية والقانونية منذ سنين خلت. فقد تم انتخابها كما هو معروف سنة 2012، لولاية تنظيمية واحدة تمتد لثلاث سنوات. بعد “انقلاب مطبوخ” استهدف الرئيس السابق عبد الحميد عقار، كما يؤكد ذلك بعض الكتاب. لكنها آثرت أن تتمسك بالمسؤولية بالنواجد والأسنان، لثمان سنوات كاملة، أي ما يقارب مدة ثلاث ولايات متتابعة. هذا إذا أخذنا بعين الإعتبار المدة التي أعقبت مؤتمر طنجة الفاشل 2018، الذي أتبعه الرئيس باستقالته، التي سرعان ما تراجع عنها، وعاد إلى موقعه في المسؤولية، محطِما كل الأرقام القياسية، في تمديد ولايته بشكل غير قانوني. وهو ما لم يحصل أبدا في تاريخ الإتحاد.
أما آن الأوان لهؤلاء الذين يمسكون بشكل غير مشروع، ومن دون سند قانوني أو تنظيمي، بأجهزة مؤسسة ثقافية عريقة في حجم الإتحاد، ذات نفع عام. تُعلق عليها الآمال والأحلام كي ترتقى بالفعل الثقافي وتجعله فعلا مجتمعيا. يساهم في رقي البلاد وتقدمها وتطورها. أما آن لهم أن يستحضروا بعين التقدير والإحترام تاريخ هذه المؤسسة الكبيرة، والأسماء الوازنة التي مرت بعضويتها وبمواقع المسؤولية فيها. وينسحبوا بهدوء ونكران ذات، من دون إثارة زوابع أو توابع. لعل الإتحاد بذلك، يستعيد عافيته ووضعه القانوني الطبيعي، ووهجه وبريقه وإشعاعه الثقافي والفكري المعهود !!