برافو عليه …طبيب يستحق كل التقدير
يحي طربي
إصطحب صديقي إبنته إلى طبيب الأسنان الذي فتح عيادته في حينا الصغير المتواضع، قبل حوالي أربع سنوات. و بعد أن قام الطبيب بفحص أسنان الفتاة الشابة، خاصة ضرس العقل التي كانت تسبب لها بعض المشاكل، لم يكتفي بطمأنتها و والدها بأن الأمر عادي جدا، و لا شيء يدعو للقلق؛ بل قدم لهما، بغرفة الفحص، محاضرة مصغرة حول طب الفم و الأسنان. و عندما تقدم الأب لأداء واجب الزيارة، رفض الطبيب و أمر سكريتيرته بأن لا تأخذ منه شيئا. شكر الأب و ابنته الدكتور جزيلا ثم انصرفا.
تصوروا معي! لم يطلب طبيبنا هذا حتى ثمن الفحوصات و الأتعاب، بالأحرى أن يطلب 100 أو 200 درهم ثمن الاستشارة الطبية. ليس هذا فحسب ، بل يشعر عنده المريض بأنه بين أيدي أمينة، إذ يلمس لديه الحس الإنساني و نكران الذات وتفانيه في عمله النبيل و إخلاصه لوطنه و لقسم أبقراط. لذلك نتمنى من وزير الصحة أن يقدم له ولأمثاله من الأطباء الكرام، الذين يحترمون المريض، كل الدعم المادي و المعنوي و اللوجستي ما دامو في خدمة المواطن و الوطن. كما نتمنى من الوزارة كذلك أن تنتج لنا، بعون الله، المزيد من الأطر الطبية من طينة هذا الطبيب، كي يتعافى كل مرضانا و نتمتع جميعا بصحة جيدة، كشعوب ألمانيا و فنلندا و كندا…
و من جهتنا، ندعو الله أن يجازي هذا الطبيب بألف خير عن كل مريض عالجه و أسعده، و أن يمتعه بدوام الصحة و العافية، و أن يطيل في عمره، كي يستفيد المواطنون من خدماته الجليلة. إنه طبيب قل نضيره في زمن طغت فيه المادة و الأنانية و المصلحة الخاصة و الزبونية على الجانب الإنساني و الأخلاقي. و لقد كنت شاهدا، بإحدى العيادات الطبية، على امرأة رفض أحد أطباء الأسنان اقتلاع إحدى أضراسها كانت في مرحلة متقدمة من التسوس، لأنها لم يكن بحوزتها سوى 100 درهم بينما كان dentiste يطلب 150 درهم مقابل العملية، و بعد أن توسلت إليه كثيرا، عن طريق ممرضته، دون جدوى، غادرت المكان و هي تتألم، علما أن القانون يعاقب على مثل هذه التصرفات الصادرة عن هذا dentiste، سامحه الله.
ان ما لا يعرفه البعض أو يتجاهله هو أن الله يختار الإنسان بين خلقه و يعلمه و يجعل منه طبيبا، لا لجمع المال و الثروة فقط، و لكن ليعالج المرضى و يجعلهم أصحاء سعداء على الأرض بالدرجة الأولى. و بمشيئة الله و قوته، سنرى في المستقبل، و بعد الدروس التي علمتنا إياها جائحة كرونا، كل أطبائنا يغلبون ما هو إنساني على ما هو مادي، و يعالجون الفقراء و المعوزين و المساكين من بني جلدتهم حسب طاقتهم و استطاعتهم، في انتظار أن نرقى إلى مستوى الدول الاسكندنافية، حيث الصحة للجميع و الطب بالمجان. و الله لايضيع أجر من أحسن عملا.
لقد تمنيت مرارا لو كنت طبيبا، لعالجت نصف المغاربة بالمجان، بما فيهم الأغنياء، – مجانا – أو في سبيل الله و الإنسانية و الوطنية، لأن الصحة، بعد الحرية، من أعظم النعم. و لكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن.
و للتذكير فقط: ” من قنع شبع ” و ” القناعة كنز لا يفنى “.
أما الأطباء و الممرضون البواسل الأجلاء، الذين ماتوا من أجلنا في الصفوف الأمامية، و هم يقاتلون فيروس كورونا covid-19، فهم شهداء؛ مأواهم الجنة، و أما الناجون من هذا الوباء الفتاك، فعلى الدولة أن ترقيم في وظائفهم و مهامهم، و على العالم أن لا يقصيهم ويحرمهم من نصيبهم من جوائز نوبل للطب أو للكيمياء أو للسلام.
أما فيما يخص صديقي، فقد قرر، إن شاء الله و بعد عمر طويل، أن يتبرع بأعضائه لكليات و معاهد الطب، و يجعلها رهن إشارة الأبحاث و العلوم و التجارب الطبية، مساهمة منه في تطوير الطب ببلادنا.