مأساة العربية في وطنها
فؤاد بوعلي
مرة أخرى تغيب الدولة عن يوم اللغة العربية. إذ يحتفي العالم يوم الجمعة الثامن عشر من ديسمبر باليوم العالمي للغة العربية، وهو يوم حددته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) للاحتفاء باللغة العربية على غرار اللغاتٍ الرسمية الأخرى . ويدخل الاحتفاء بها ضمن أنشطة وجهود المنظمة الرامية إلى صون التراث الثقافي العالمي غير المادي وتقدير العربية كأداة للتعبير الثقافي في تنوعه. وسيتوج الاحتفال بحلقة نقاش افتراضية حول موضوع السنة: مجامع اللغة العربية. وبالموازاة مع الاحتفال الأممي، يشهد العالم العربي، شرقا وغربا، العديد من الأنشطة الرسمية والمدنية التي تخلد هذا اليوم بفعاليات ومبادرات متعددة. لكن الصورة تأخذ منحى آخر عندنا. فإذا كان المغرب من الدول التي نافحت على إدخال العربية في أروقة الأمم المتحدة والاحتفاء السنوي بها، فإن المتابع يأسف حين يجد الدولة قد تخلت عن دورها في حماية اللغة الرسمية، بل وحتى الاهتمام بوجودها. فحين نتابع أخبار الاحتفال في جل دول العالم العربي نجدها تخص اليوم بحديث عن دور كل دولة في النهوض بالعربية وما تقدمه من مبادرات ومشاريع داخل الوطن وخارجه. فالعديد من الحكومات العربية تتبنى مبادرات تروم تعزيز مكانة اللغة العربية مثل مبادرة «لغتي» وتحدي القراءة العربي وجائزة اللغة العربية وغيرها من الجهود التي بدأت تؤتي أكلها في العديد من الدول حتى غدت قوانين تحمي اللغة الرسمية (الأردن، قطر، السعودية…) وتجاوزت حدودها لتغدو عنصرا من قوتها الناعمة، والعديد منها خلق مؤسسات أكاديمية بغية التحكم في السياسة اللغوية ورسم معالمها وتجاوز حالة الفوضى (المجامع اللغوية، والمجالس العليا للعربية، ومراكز اللغة المختلفة). لكن يأبى المغرب إلا أن يبقى على هامش الفعل اللغوي العربي ويستمر في تحجيم وجود العربية في الفضاء العام. فالسلطة في المغرب اختارت الانزواء بعيدا عن لغة الوطن والمواطنين لتبحث لنفسها عن هوية جديدة مستوردة، أبرز تجلياتها غياب المؤسسات الرسمية عن الاحتفالية بالعربية. فهل الغياب استحياء من واقع مرير يشهد على مسؤوليتها؟ وكيف يمكنها أصلا أن تحتفي بلغة وهي تعمل بكل الوسائل على حصارها وإنهاء وجودها؟. فقبل أشهر تجرأ وزير الإدارة على اعتبار اللغة العربية لغة ميتة، وآخر قبله فاخر بإصابته بالحمى حين الحديث بها، دون أن ننسى أخطاء الوزير المسؤول على قطاع التربية التي غدت ميسم كلماته، هذا مع إصرار العديد من وزراء الحكومة الحالية والمسؤولين على استعمال الفرنسية في لقاءاتهم ومذكراتهم ومنشوراتهم، حتى لو كان الأجنبي يتحدث العربية بطلاقة. فلم الاحتفاء إذن؟. وبالرغم من المنشور “اليتيم” الذي وجهه رئيس الحكومة إلى الوزراء وكتاب الدولة والمندوبين السامين بشأن إلزامية استعمال اللغة العربية أو اللغة الأمازيغية في جميع الإدارات العمومية والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية بجميع مرافقها، فقد بقي حبرا على ورق ولم نشهد له تطبيقا في الواقع الإجرائي. فلم الاحتفاء إذن؟. وقد يكون هذا اعتقاد وزير التربية الوطنية حين استغنى عن المراسلة، التي كان يصدرها أسلافه، والتي تدعو المؤسسات التعليمية للاحتفال باليوم العالمي للعربية، منذ ولوجه بناية الوزارة، بعد “جهاده” المستميت من أجل الفرْنَسَة الارتجالية للتعليم المغربي، فيما سمي عنوة القانون الإطار. فباستثناء الفعاليات التي تنظمها جمعيات المجتمع المدني طيلة هذا الشهر فإن المؤسسات الرسمية غائبة عن الساحة.
فالاحتفال مغربيا، إن صح تسميته احتفالا، ينبغي أن ينطلق من مساءلة الذات الوطنية عما قدمته للغة اعتبرت على الدوام عنصرا من عناصر تثبيت المشترك الجمعي المغربي. ولو رمنا رصد الأحداث التي تثبت الواقع المأساوي للضاد لوجدنا النماذج تترى. من غياب المؤسسة المرجعية للغة العربية(مازالت أكاديمية اللغة العربية حلما ينبغي تخليد ذكراه في المناسبات الوطنية)، وعدم تفعيل قرارات مؤتمرات وزراء الثقافة العرب(في جل الدول العربية تجد لجنة وطنية للنهوض باللغة العربية)، إلى غياب الدولة عن الشأن اللغوي، وإصرار المسؤولين على الانتقاص من اللغة الرسمية والانتصار للغة المستعمر القديم… هي نماذج كثيرة ومتكررة لمأساة العربية في وطنها.