دولة بدون مجمع…ولا أكاديمية
فؤاد بوعلي
قد يكون اختيار اليونيسكو لموضوع مجامع اللغة العربية محورا للاحتفال باليوم العالمي للغة العربية مناسبة لمساءلة شرعية هذه المؤسسات ومدى قيامها بأدوارها اللغوية والحضارية. كما قد يكون مناسبة للبحث عن حقيقة السلط الممنوحة لها في دولها وعلاقتها بمصادر القرار السياسي والتربوي والثقافي. فمنذ ظهور مجمع دمشق، قبل مائة عام، تتالت المجامع والمراكز المؤثثة للمشهد اللغوي في جل الدول العربية تحت مسميات مختلفة، باعتبارها مؤسسات مرجعية في قضايا المصطلح وشؤون التعريب واللغة في جميع مجالات المعرفة الإنسانية. قد يتفق الباحثون على أن الآمال التي علقت على المجامع هي أكبر من السلطة المخولة لها من قبل الحكومات العربية، إضافة إلى أنها حصرت مشاريعها في إطار الدولة بدل الأمة، بل إن وجودها في بعض الأقطار يظل شكليا ونخبويا، لكن حضورها المتنامي في الدول العربية بدأ يبرز للعيان بعد أن وعت الحكومات من خلال القوانين التي تصوغها، والاجتهادات اللغوية، والمواسم الثقافية، بضرورة العربية في السيادة الوطنية. ولعل تناسلها في مجموعة من الدول العربية، حتى التي لم تستكمل شروط السيادة السياسية والوطنية، ينبهنا إلى أهمية هذه المؤسسات، لكن في الوقت نفسه يسائلنا حول الغياب القهري والمزمن لهذه المؤسسات في فضائنا الثقافي المغربي.
مر عقدان من الزمن منذ أن بشر الميثاق الوطني للتربية والتكوين بإحداث أكاديمية اللغة العربية باعتبارها مؤسسة وطنية مرجعية في قضايا البحث والتخطيط اللغويين، دون أن ترى النور. ومنذ ذلك الحين ووزراء الحكومات المتعاقبة يتفننون في إبداع التبريرات التي أخرت أجرأة الظهير الملكي والنصوص التشريعية المختلفة. فمنذ أن صرح الأستاذ الحبيب المالكي، حين كان وزيرا للتعليم، في جوابه على سؤال شفوي لأحد النواب، بأن تنزيل مؤسسة مشروع أكاديمية اللغة العربية هي مسألة وقت لا غير وأن الأمر لم يبق فيه إلا اختيار مدير لها، منذ ذلك الحين توالت التبريرات المقدمة من قبل المسؤولين المتعاقبين على إدارة الشأن التربوي، حتى وصلنا إلى التعديل الدستوري الأخير وإدماج الأكاديمية في مجلس اللغات، مؤسسة من المؤسسات المتناسلة بدون أدوار حقيقية ولا ملامح واضحة. فالمغرب الآن من الدول القليلة التي لا تتوفر على مؤسسة مرجعية في اللغة العربية. وفي لقاءات اتحاد المجامع يضطر إلى تكليف أكاديمية المملكة ذات الاختصاصات المغايرة أو مكتب تنسيق التعريب ذي البعد العربي للقيام بمهام التمثيل فقط. مما يعني أن هناك إصرارا على الاستمرار في تغييب المغرب عن الفضاء اللغوي العربي . يخطئ من يجمل حل كل مشاكل اللغة العربية بالمغرب في إنشاء الأكاديمية، أو أي مؤسسة أخرى، لأن المسألة هي أكبر من مؤسسة بحثية، لكن وجود هذا الجهاز إن توفرت له الإمكانيات ودعم السلطات سيساعد لا محالة في تنزيل النصوص القانونية الداعية إلى حماية اللغة العربية ويوفر فضاء مؤسساتيا للباحثين بدل الاشتغال في مخابر ووحدات وشعب منعزلة بشكل جزري. لكن الواقع أن الدولة بإدارتها وإرادة أصحاب القرار فيها يرفضون العربية ويعملون على محاصرتها بكل الوسائل وبافتعال صراعات هوياتية قد تشغل الفاعلين عن جوهر الأزمة. ليظل المغرب من الدول القليلة في العالم العربي الذي لا مجمع فيه ولا أكاديمية.