لعموم ولخوال
شحلال محمد
يعرف عن العرب والأمازيغ أنهم من أشد الأجناس حرصا على النسب،إلى درجة أن أدران الجاهلية لم تؤثر كثيرا على هذا الجانب،حيث كان شأن القبيلة/العائلة ،يسمو أو ينحط تبعا لثبات الأنساب وعدم انقطاعها.
جاء الدين الإسلامي ليزكي نزوع العربي إلى التعلق بنسبه ليس من باب العصبية،ولكن لإبراز قيمة الأصول الصحيحة وأثرها في قيام الشخصية السوية.
وهكذا فإن الإسلام قد حسم في مسألة الأدعياء مبكرا ،حتى يتجنب المسلمون كل من شأنه أن ينجم عنه إنجاب أشخاص مجهولي النسب تتغذى بدواخلهم نوازع الانتقام والشر، ناهيك عن ازدراء الناس ،كما حصل في حالات شهيرة،لعل من أبرزها الشاعر الحطيئة وزياد بن أبيه وما جنت يداه !
قال الرسول عليه الصلاة والسلام:(تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم،فإن صلة الرحم منسأة في الأثر مثراة للمال).عن أبي هريرة ض.
لقد تمثل أجدادنا مسألة النسب وتداعياتها الواردة في الحديث الشريف،إلى أبعد الحدود،مما جعلنا نواصل السير على نهجهم في الاهتمام بالأقارب عبر ما تلقيناه من إفادات عن أصل الروابط التي تجمعنا بعمرو أو زيد.
كنا إلى زمن قريب نعتز بأن نعرف القرابة الدموية التي تجمعنا بأشخاص معينين حيثما كانوا،وكان تبادل الزيارات هو أقرب السبل لاستمرار هذه القرابة وتوارثها.
ولضمان اقتسام ميزة الاعتداد بالنسب وطبيعة العلاقة الدموية التي تربطنا بالأشخاص،فقد كنا نتبارى في تحديد الصلة التي تجمعنا بهؤلاء الأقارب فيتبادل الطرفان ذات المشاعر.
إن المؤكد أن جلنا كان يستعرض لائحة أعمامه وأخواله من الجنسين،فضلا عن بعض أسماء معظم الأجداد،بل لقد كان المرء يحرص على أن يستوعب شجرة الأقارب المباشرين والبعيدين على حد سواء ،إلى أن حصل انقلاب ،،غير مشروع،،في عقول الأجيال الراهنة،نجم عنه تغير في المفاهيم والقناعات.
لقد أراح الجيل المعاصر نفسه من عناء الاحتفاظ بالموروث،واختزل أقاربه لجهة الأب في،،لعموم،، و،،لخوال،،بالنسبة للأقارب من جهة الأم !
ليت الأمر توقف عند الحد،فقد أصبح،،ولد الحومة،، و،،ولد الدرب،، أشد قربا من الشباب المعاصر على حساب أقاربه الحقيقيين الذين سلموا مكانهم لآخرين افتراضيين يصنعهم الفضاء الأزرق، بعدما أصبح هذا الفضاء مخلوقا لا يطاله العقم !
لعل كل واحد منا قد روض أذنه على تلقي التوصيف الجديد عندما يحييه مخلوق من ،،مشتقات،،والده حيث يتعين عليه أن ينتشي بسماع ،،كداير ألعموم،،؟ أو،،لخوال،،إن كان من جهة الأم،لكن المفارقة في المقاربة الجديدة للشباب،هي أن هذين التوصيفين ليس لهما ما بعدهما،حيث يعجز عن استعراض اسم الجد والجدة،ثم تبرير باقي الروابط المحتملة بآخرين من قبيل أبناء العمومة أو الخؤولة.
إن الجيل المعاصر ليس له خلفيات مستهجنة حين لايستطيع الخوض في تفاصيل القرابة،وإنما هي ثمار المنجزات التكنولوجية التي استطاعت أدواتها تفريغ الإنسان من مشاعر النبل الإنسانية التي كنا آخر أسراها،بينما يندمج الجيل الراهن في النمطية التي طالت السلوك والغذاء والتطلعات.
كان الإمام علي كرم الله وجهه يقول:
“”علموا أبناءكم فإنهم خلقوا لزمن غير زمانكم”،فهل يقطع هؤلاء الأبناء مع كل شيء بما في ذلك آصرة القرابة ؟