أخيرا قنطرة القايد بلعيد
رمضان مصباح الإدريسي
“قنطرة القايد بلعيد”..سأسميها هكذا وسموها أنتم كما ترضون..حجتي أنها في حماه،التي دفع حريته وحياته ثمنا لحمايتها –وحماية الوطن – من المستعمر(اعتقل سنة1916)
مات غريبا ،بطلا بدون مجد،ألا يستحق أن يحمل هذا المعبر اسمه؟
طبعا موقفه الوطني البطولي يستحق أكثر من هذا ؛وعسى أن تُحله الجهات المعنية المكانة اللائقة به .
قرأت تعليقات فيسبوكية،فيها الجاد والمستهزئ عن الورش القائم حاليا بواد مستفركي ؛واستوقفتني أسئلة الكلفة المالية.
لاأحد انتبه إلى تاريخ وجغرافية المكان؛ولا أحد اعتبر أن هذا المشروع الهام جدا تأخر كثيرا ،لنقل نصف قرن على الأقل.
على أي السؤال عن الكلفة ،وان كان من حق أي مواطن -لأن الحق في المعلومة أصبح دستوريا -يجب أن يتم وفق ضوابط محددة.
شخصيا ،ولافخر، كلفني المشروع (قنطرة القائد بلعيد)مبلغ 200درهم ،واليكم التفصيل:
ذات صباح ،وفي نيتي ممارسة هوايتي المفضلة ،رياضة المشي،وتحديدا العبور إلى “الصفافح” في اتجاه “ثلوين” ،لاحظت وجود ورش جنيني ،باسمنته وحديده؛ولما سألت الشاب الذي بدا لي هو الملكف بالأشغال :
هل تنجزون لنا درجا إلى العين؟ ضحك وقال :لا إنها قنطرة ستمتد عبر الوادي إلى الجهة المقابلة..
لا أخفيكم شعرت بفرح عارم ،وكأنني طائر كسيح استعاد جناحيه..دعوت للجميع بالتوفيق ومضيت في طريقي ،نازلا إلى العين عبر المنحدر الوعر ،الذي يشهد على مآسي كثيرة تكسرت فيها عظام بعضهم؛لكن أقساها ما عشناه في طفولتنا ذات مساء حزين جدا ؛حيث سمعنا عويلا حاد في سافلة ايريماين ،ولما أدركنا المكان كبارا وأطفالا ،وجدناه قائما يولول بكيفية مرعبة..أما المشهد ،بجانب العين -في مكانها القديم-فلن أنساه أبدا ؛كان هناك حصان ممدد بدون حراك ،ومن جمجمته ينِز نزيف حاد.
اعتاد عبد الرحمن صاحب الدكان في “اسالمن”-وقتها- ورود الماء بحصانه هذا ؛لكن حدث في يوم المأساة أن انزلقت حافر الفرس فهوى متدحرجا عبر المنحدر.
عاد الرجل وحيدا إلى سكناه وليس يخفره غيرنا نحن الأطفال؛يومها اكتشفت أن الكبار يبكون أيضا.
تذكرت كل هذا وأنا أصَّعَّد صوب وجهتي..ولما عدت وجدت مجموعة من العمال الشباب ،وهم يكابدون الحفر الصعب في الصخر الصلد ،لاقامة الأسس.
أثنيت على جَلَدهم ،وفي نيتي أن أفعل شيئا ما يفرحهم.
لما صعدت إلى العالية ناديت على المشرف على الورش وقلت له بالحرف “السكر وأتاي على حسابي”..
ودعته وانصرفت وهو ينظر إلي مبتسما .
في طريقي إلى منزلي راودتني فكرة كوني قد أتيح لي أن أساهم ،ولو رمزيا ،في قنطرة حيوية للبلاد والعباد..ومن هذا المنبر أشكر كل من كان وراء تحقق هذا المشروع.
يبقى علي أن ألح على تحسينه بإضافة أدراج تنزل إلى العين ،حتى لا تتكسر عظام أحد مرة أخرة ،وحتى لا يبكي عبد الرحمن آخر.
ودائما “أتاي والسكر” على حسابي.