سوق الفلاح..لا سلطة فوق القانون
رمضان مصباح الإدريسي
سوق الفلاَّح معلمة اقتصادية بمدينة وجدة،بعشرات السنين من العمر.
ابتدأ بسوق صغير للخضر المحلية؛وربما من هنا التسمية ،ليستوي سوقا مختلط السلع ،آخذا في الاتساع والامتداد عبر منازل الحي المحيط به(درب امباصو)؛وعبر شارع علال الفاسي ،حيث يتخذ شكل متاجر فسيحة متعددة المعروضات .
وعليه فحينما نتحدث عن سوق الفلاح يجب أن نستحضر كل هذا المجال التجاري ،الذي لا تهدأ فيه الحركة على مدار اليوم.
وأي مساس غير مدروس بقلب سوق الفلاح القديم ،سيكون له تأثير اقتصادي على امتداداته كلها .
مناسبة هذا الحديث التوتر الكبير الحاصل في هذه الأيام –تعود إرهاصاته إلى سنين- بين التجار والسلطات المحلية .
تدفع السلطة بضرورة إفراغ السوق القديم ،وغير المهيكل،وانتقال التجار الى السوق الجديد ،وقد أنشئ بعيدا ،في اتجاه ظهر المحلة.
ويدفع التجار بكون السوق الجديد لا يضمن لهم أي رواج تجاري ،لبعده ،ولتواجده في حي سكني؛كما يدفعون بكون الدكاكين المعروضة عليهم ؛لن تُملك لهم .
ويدفعون بكون جمعية التجار التي تتفاوض معها الإدارة- مما ترتب عنه انتقال بعضهم الى السوق الجديد – لا شرعية قانونية لها ،اعتبارا لاستنفاذها لولايتها وعدم تجديد مكتبها منذ سنين.
ويؤكدون بأن كل محاولاتهم لتأسيس جمعية جديدة ،وفق الظهائر والقوانين الجاري بها العمل ،تواجه بالاعتراض من قبل السلطة المحلية؛التي تشترط على التجار الانتقال أولا الى السوق الجديد.
مادور مالك/ملاك الأرض المراد إفراغها؟
يؤكد التجار ألا مشكل لهم معه؛ولم يحدث أن طالبهم بالإفراغ؛لا حبيا ولا قانونيا في المحاكم.
وربما لا وجود لمسطرة نزع الملكية للمصلحة العامة؛من طرف الجماعة الحضرية .
يردد التجار في “فيديوهاتهم” ألا اعتراض لهم إذا رغب المالك في إفراغ السوق ؛شريطة التراضي وفق الجاري به العمل في هذه الحالات.
لعل التوتر اليوم بلغ أشده ،وانتهى بالسلطة مهددةً بالقوة العمومية ،وبتخريب المسجد ومرفق النظافة .بل تم فعلا تخريب بعض المحلات التجارية التي أفرغها أصحابها.
هذا دون الحديث عن إشاعات الإحراق ،وجرف المحلات ؛مما لا يتصور في دولة قائمة وراسخة المؤسسات.
وانتهى التوتر والخوف بالتجار الى ملازمة محلاتهم ؛أحيانا حتى بالليل ؛وهم مصرون على الوقوف في وجه ما يعتبرونه تعسفا في حقهم.
وهم لا يتوانون عن ترديد أنهم يكِلون الأمر لصاحب الجلالة ؛لا يثقون إلا فيه بعد أن تبخرت جميع وعود المسؤولين.
من المصيب ومن المخطئ في كل هذا؟
لا يختلف اثنان في كون الحل القانوني بيد مالك الأرض والتجار؛وفق المساطر والأعراف المعمول بها.
طبعا من مسؤولية السلطة والجماعة الحضرية هيكلة أسواق المدينة ،لتنسجم مع التطور المعماري الكبير الذي تعرفه مدينة وجدة؛منذ أن تكفل جلالة الملك شخصيا بالسهر على تهيئتها .
كانت تجارب سوق طنجة ومليلية وغيرهما ناجحة بجميع المقاييس ؛خصوصا المقياس التجاري الذي راعى مصالح التجار ،وحقهم في البقاء في نفس المكان.
لكن السلطة ملزمة بتطبيق القانون ،وكل مناورة خارجه تعطي نتائج عكسية،إن لم تتسبب في كوارث ،لا قدر الله.
وفي إطار التطبيق السليم للقانون يظل من حق التجار الطعن في شرعية الجمعية المنتهية الصلاحية.
ومن حقهم تأسيس ما يشاؤون من جمعيات وفق ضوابط ظهير الحريات العامة ،وباقي المساطر المعمول بها.
بأي حق تتصدى السلطة للتجار ،وهم يسعون إلى تأسيس جمعية تناضل فعلا من أجل انتزاع حقوقهم؟
وبأي حق تقطع الكهرباء عن متاجر تربط أصحابها عقود مع إدارة الكهرباء ،ويؤدون واجباتهم بانتظام؟
إن التجار ،حسب المصرح به لبعض الصحفيين لا يعارضون رغبة السلطة في الهيكلة الجديدة،بشرط أن تحفظ لهم حقهم في البقاء حيث هم ؛فهم ملاك مفاتيح غالية الثمن؛وحقهم في الاحتفاظ برواجهم التجاري .
وفي هذا الإطار يدفعون بكونهم يعيلون أسرا تعد بالمئات ،ويشغلون شبابا معهم ؛حتى من المجازين العاطلين.
وخلاصة القول ،حسب قناعتي،لا مشكل مع وجود النصوص القانونية المؤطرة لكل حالة؛تتواتر المشاكل حينما تُعطل هذه النصوص ،وتستبدل باجتهادات” إدارية” شخصية ،قد تصيب وقد تخطئ.
لعل نوايا الجميع حسنة ؛سواء تعلق الأمر بالسلطة والجماعة ،أو بالتجار ؛وكل اشتغال جدي داخل الإطار القانوني –وضمن لجنة متخصصة سيدة نفسها في اتخاذ القرار القانوني- سيضع حدا للتوتر الحاصل حاليا .
لقد توالت اجتماعات التجار بالمسؤولين ،حتى التبس عليهم الأمر ،بخصوص تعدد الجهات والأسماء المخاطبة؛ومن شأن هذا التصرف أن يعقد الأمر.
*إن مسطرة التراضي ،أو التقاضي،بين التجار والمالك ،تحل المشكل.
*ومسطرة نزع الدولة للملكية للمصلحة العامة،وتعويض المالك والتجار ،تؤدي أيضا الى الحل.
*كما أن هيكلة السوق حيث هو ،وتقديم ضمانات قانونية للتجار ،كما حصل في سوق مليلية ،تؤدي بدورها الى الحل.
أين المشكل مع كل هذه الحلول؟
توجد المشاكل حيث يغيب القانون ،ويعوض بشرع الجرافة وقطع الكهرباء وقطع الأرزاق .
إن سوق الفلاح القديم هو القلب النابض لمنطقة تجارية كبرى بالشكل الذي بينت في مستهل المقال؛وإذا توقف خفقان هذا القلب مات الجسد التجاري كله.
إن مدينة وجدة بحاجة الى الإنعاش الاقتصادي المستعجل،وليس الى جرافات تدوس القانون أولا لتدوس السوق ثانيا.
ومن حقنا ،كمواطنين ،على السلطة والجماعة والتجار ، أن تُحفظ لنا معلمة سوق الفلاح ،اقتصاديا وضمن معمار جميل في مستوى الهيكلة الملكية لمدينة الألف سنة.