لما تفرغ مقاصد المشرع من محتواها
الاستاذة سليمة فراجي
تعتبر القوانين الجنائية من النظام العام ولا حق ولا صلاحية للأطراف في تحديد نطاقها تفاديا للاضطراب الاجتماعي الذي قد ينتج عن هذه الصلاحية
، الا ان المشرع ايمانا منه بحماية الأمن الأسري سمح في حالات معينة إبرام مصالحة بشأنها ينتج عنها وضع حد للمتابعة ، ولعل اهم الأفعال المقترفة والمعتبرة جرائم والواردة في القانون الجنائي أو في بعض القوانين الخاصة ،تتعلق بقضايا الأسرة والخيانة الزوجيةوالسرقة بين الاقارب ،اذ لا تحرك المتابعة بخصوص هذه الجرائم الا بناء على شكوى من المجني عليهم أو الضحايا ،ويؤدي التنازل عن الشكاية الى انقضاء المتابعة وسقوط الدعوى العمومية ، وكذلك الأمر بالنسبة لبعض المخالفات الجمركية أو بعض مخالفات قانون السير وبعض مخالفات الصيد البحري ، علما انه اذا كانت التنازلات في القضايا الأسرية تشكل حماية الأسرة والحيلولة دون تفككها ،وتمكن من رأب الصدع احيانا ، فان إيجابياتها تكمن أيضًا في تخفيف العبء على المحاكم وربح الوقت وتخفيف الاكتظاظ على السجون وتحقيق التوازن بين حقوق الإنسان الكونية وحق المجتمع الذي تمثله النيابة العامة والذي خولها المشرع دور الإشراف على مساطر الصلح في المادة الجنائية .
وذا كان المشرع قد سمح بابرام صلح في بعض القضايا الأسرية وجعل من التنازل سببًا مؤديًا الى انقضاء المتابعة وسقوط الدعوى العمومية ، فان بعض الحالات قد تفرغ مقاصد المكتسبات التشريعية من محتواها ولا تفي بالغرض المتوخى ، ولعل خير مثال على ذلك ان المشرع سبق له ان حذف الفقرة الثانية من الفصل 475 من القانون الجنائي والتي كانت تقضي بامكانية تزويج المغرر بالضحية للإفلات من العقاب ، والحال ان القانون 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء أتى بفصل ظاهره حماية المرأة التي قد تكون قاصرا ما دامت المادة 20 من مدونة الأسرة تسمح استثناءً بتزويج القاصر ، من واقعة الإكراه على الزواج باستعمال العنف أو التهديد، وهو الفصل 1-2-503 والذي يعاقب بالحبس من ستة اشهر الى سنة وغرامة من 10الاف الى 30 الف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط، من اكره شخصا على الزواج باستعمال العنف أو التهديد ، وتضاعف العقوبة اذا ارتكب الإكراه على الزواج باستعمال العنف او التهديد ضد المرأة بسبب جنسها او قاصر او مختلة عقليًا ،
لكن جاءت الفقرة ما قبل الآخيرة والفقرة والأخيرة بمقتضيات مفادها ان المتابعة لا تجوز الا بناء على شكاية الشخص المتضرر من الجريمة وان التنازل عن الشكاية يضع حدا للمتابعة ،ولآثار المقرر القضائي المكتسب لقوة الشيء المقضي به في حالة صدوره ، والسؤال المطروح هل بإمكان النص القانوني حماية القاصر أو المكرهة على الزواج من زواج فرض عليها بالعنف والإكراه ؟ ، والحال ان واقع الحال يجعلها ملزمة بالتنازل عن الشكاية بضغط من الأسرة أو عدم تقديم تقديم الشكاية أصلا ،اعتبارًا للروابط العائلية وضغطًا من العائلة قصدحماية الجاني الذي قد يكون وليًا او وصيًا وتمكينه من الإفلات من العقاب ؟علمًا ان العنف كما عرفته المادة الاولى من القانون 13-103 قد يكون جسديًا أو جنسيا او نفسيا او اقتصاديا ، ونحن نعلم مدى خطورة أشكال العنف الممارس على القاصرات او الفتيات من طرف الاقارب و وأولي الأمر من اجل تزويجهن إكراها ، إما لقلة ذات اليد او لكون طالب يد القاصر او الفتاة ميسور ووعد بالتكفل بالعائلة ككل او لأسباب مختلفة نتج عنها استعمال الإكراه والعنف النفسي او الجسدي من اجل حمل المتضررة على الزواج قسرًا .علما ان الإكراه على الزواج باستعمال العنف او التهديد يطال المرأة في غلب الأحيان ان لم نقل كلها رغم ان المشرع أشار الى عبارة “شخص” وشدد العقاب في الفقرة الثانية اذا تعلق الأمر بامرأة بسبب جنسها او بالقاصراو المختلة عقليًا .
لذلك هل سلجأ المشرع الى تعديل النص القانوني بحذف الفقرة الأخيرة التي تجعل التنازل عن الشكاية يضع حدًا للمتابعة ،بل الأكثر من ذلك حدًا لآثار القرار القضائي المكتسب لقوة الشيء المقضي به في حالة صدوره ، ونعيد سيناريو حذف الفقرة الثانية من الفصل 475 من القانون الجنائي ، أم سيبقى النص الحالي على حالته ولا تحظى القاصرات خصوصا بأية حماية في حالة تزويجهن بالعنف او التهديد لانهن فاقدات لحرية الاختيار ويخضعن لا محالة لضغوط عائلية رهيبة من اجل التنازل عن شكايتهن وبالتالي يبقى النص حبرا على ورق .