القيم وتدريس اللغة بين الخطاب والممارسة
إعداد : عزيز باكوش
يتناول كتاب ” القيم وتدريس اللغة – بين الخطاب والممارسة” سؤال القيم والسلوك المدني في مناهج تدريس اللغات، من خلال المقارنة بين منهاج اللغة العربية ومنهاج اللغة الإنجليزية بالسلك الثانوي. والإصدار الجديد الذي نسق إعداده د. محمد الفتحي، وشارك فيه فريق أكاديمي وبيداغوجي متخصص، ضم د عبدالرحيم وهابي، دة سميرة شركي هالي، دة كريمة مشواط، د محمد الصبيحي، د نورالدين بونتل و د. محمد الفتحي. في جوهره دراسة نظرية ميدانية تستثمر أرضية نظرية خصبة تتضمن دراسات حديثة في مجال التربية على القيم، وتنفتح على تجارب بيداغوجية أجنبية في هذا الحقل، معتمدة منهجية تزاوج بين الوصف والتحليل،
ونقرأ في مقدمة الكتاب قراءة تحليلية نقدية لجوانب عدة من الخطاب التربوي الرسمي، انطلاقا وثائق مؤطرة، منها الميثاق الوطني لإصلاح منظومة التربية والتكوين وحصيلة أجرأته، والرؤية الاستراتيجية 2015/2030 ، ومجموعة من التقارير الموجهة لمسارات الإصلاح التربوي والبيداغوجي، بالإضافة إلى التوجيهات التربوية الرسمية الخاصة بتدريس اللغة العربية واللغة الإنجليزية. وفق هذا الاختيار المنهجي يتضمن الكتاب دراسة وصفية إحصائية تحليلية لمجموعة من الكتب المدرسية الخاصة بالعربية والإنجليزية، وهو اختيار يزاوج بين تناول تدريسية لغة وطنية رسمية، ولغة أجنبية لها حضور قوي في الحقل العلمي وتحظى باهتمام متزايد ضمن المنظور البيداغوجي لخريطة اللغات في المنظومة التربوية
و يقارب البحث موضوع القيم والسلوك المدني من خلال مناهج تدريس اللغة بين الخطاب والممارسة، انطلاقا من كون تدريسية القيم في سياق تحولات وتشعب أنساقها، يمثل إشكالية محورية في الحقل البيداغوجي بصفة عامة، وحقل تدريس اللغات بصفة خاصة. معتبرا القيم موضوع انشغال المنظومة التربوية في الوقت الراهن، ولذلك بقدر ما تبرز بشكل واضح على مستوى الخطاب، فإن صعوبات وتعثرات عدة تظهر جلية على مستوى تصريف توجيهاته، من خلال الكتاب المدرسي والبرامج والمقررات.
ويلفت البحث النظر إلى الفجوة التي تتعمق على مستوى الممارسة الصفية، مما يفرز إشكالية التمفصل بين حلقات التربية على القيم والسلوك المدني من خلال مناهج تدريس اللغة، المتمثلة في حلقة الخطاب والتوجيهات التربوية، حلقة الكتاب المدرسي، ثم حلقة العمل الصفي وحلقة الحياة المدرسية، ليصبح توثيق الترابط والتكامل والتفاعل بين هذه العناصر، إحدى مجالات التدخل الأساسية، لتطوير تدريسية القيم.
ومن الخلاصات القيمة للكتاب ،اعتبار موضوع القيم وإن كان محور اهتمام علوم التربية، وفلسفة التربية، فهو عمل بيداغوجي وديداكتيكي يتمثل في مشكلات تخطيطه وتدبيره وتقويمه، خاصة في ظل إشكالية تقويم أثر التربية على القيم كمجال يتزايد الاهتمام به، بتزايد حدة إشكالية القيم في المدرسة والمجتمع.
ومن إفرازات نتائج البحث، أن مواقف وآراء العينة المستهدفة تميل إلى الإقرار بأزمة القيم في الفضاء المدرسي، وكشفت أن من بين الأسباب ، قصور وتعثر في تدريسية القيم، مما يرجح محدودية آثار المجهودات المبذولة في مناهج التدريس على سلوكات المتعلم؛ الشيء الذي يجعل أهمية التدخل والتطوير على مستوى المنهاج، والكتاب المدرسي، والطرائق البيداغوجية والاختيارات الديداكتيكية، ذات أولوية قصوى، إلى جانب تطوير عدة تكوين المدرسين باعتماد مجزوءة تتعلق ببيداغوجيا التربية على القيم وتدريسها.
ومن الخلاصات الجديرة بالإشارة ، كشف البحث أهمية تجاوز المقاربة التخصصية على مستوى هندسة منهاج اللغات، بإقرار منظور عبر تخصصي مندمج، يقوم على أساس التكامل بين مناهج تدريس اللغة في تنمية الكفايات اللغوية والكفايات المتعلقة بالقيم والسلوك المدني، بدل اعتبار مدخل القيم والتربية على الاختيار بمثابة مدخلين موازيين لمدخل الكفايات. بالإضافة إلى تجاوز المقاربات التقليدية في تتناول القيم، بالارتكاز على المضامين والمحتويات تعليما وتعلما وتقويما، حيث حضور القيم كقدرات ومهارات في الوضعيات التعليمية التعلمية وعلى مستوى التقويم، يظل محدودا. من هنا يؤكد البحث بروز أهمية تطوير كفايات المدرس وتعزيز قدراته ومهاراته في مجال تقنيات التقويم وأساليبه، بما يتماشى والطرائق الحديثة في هذا الحقل. كما ينبغي أن تنفتح الممارسة الصفية على الحياة المدرسية بخلق وضعيات تتيح للمتعلم التمرين والتدريب والتمهير في مجال ممارسة القيم، بدل تلقيها على شكل معارف ومحتويات عامة جافة.
من جهة ثانية ،يشكل الكتاب المدرسي أيضا أولوية للتطوير، فمن خلال معطيات الدراسة يتضح نزوع اتجاهات وميولات المتعلم إلى اعتبار النصوص التي يتضمنها الكتاب المدرسي عموما، في مادة اللغة العربية ومادة اللغة الإنجليزية نمطية مملة، مما يفقد الكتاب فعاليته وجاذبيته. الشيء الذي يقتضي مراجعته المستمرة على مستوى المحتويات والشكل وانفتاحه على الحقل الرقمي والمعارف الحديثة، بما يتلاءم وبيئة المتعلم، ويعزز حضور قيم المواطنة، والمواطنة الكونية، والقيم الذاتية المتمثلة أساسا في المبادرة، وتقدير الذات، التفكير النقدي، والانفتاح، التعلم الذاتي . والقيم الاجتماعية، خاصة : التضامن، والتطوع، والتعايش، وثقافة السلم وحب الحياة. بالإضافة إلى قيم المشاركة، والمسؤولية، والالتزام، والاهتمام بالشأن العام، حيث كشفت معطيات البحث عن اتجاهات مقلقة حول مدى تنمية هذه القيم لدى المتعلم، خاصة القيم الجديدة كمقاربة النوع، والتفكير النقدي، والقيم الرقمية، التي تفقر إليها مناهج تدريس اللغات في منظومتنا التعليمية افتقارا شديدا.