طائر الحسون والانقراض الوشيك بالمغرب
أحمد الجبلي
يعد طائر الحسون، “le chardonorette “لمقينين” باللهجة الوجدية، من أجمل الطيور في المغرب وأروعها، إذ يمتاز بألوانه المدهشة المتناسقة، وتغاريده الآسرة الأخاذة.
لم يكن طائر الحسون يحظى بكثير من المعجبين والمهتمين أثناء مرحلة السبعينات والثمانينات والتسعينات، ولذلك كان يوجد في كل مكان وبأعداد كثيرة ومثيرة، في سنة 2004 قمت بزيارة رفقة عائلتي إلى منطقة تاونات وبالضبط إلى منطقتي بني كيسان وتافرانت، وما رأيته هناك لم أستطع أن أنساه لحد الآن، كانت أسراب الحسون تغطي السماء كسحابة تحجب الشمس، تتمايل كأنها تداعب الرياح بأجنحتها الصفراء والحمراء والسوداء، إذا توقفت ملأت مئات الأمتار من الأسلاك الكهربائية والمساحات الشاسعة، وإذا نزلت لتشرب أو تأكل غطت مساحات شاسعة فتبدو كأنها حقول طماطم.
الحسون حقا هو ثروة وطنية ثمينة وهو طائر محبوب لا يضاهيه طائر الكناري الأجنبي في جماله أو تغريده أو حتى في كثرة عشاقه.
لم توشك أن تلوح نهاية التسعينات حتى بدأ هذا الطائر الجميل يقل في الطبيعة، ويبتعد عن المدن والقرى شيئا فشيئا، حتى صار من الحظ أن تشاهد أحدها أثناء سفرك أو رحلتك حتى ولو كانت رحلة إلى أماكن يكثر فيها متطلبات العيش لديه كالشوك والتين وزريعة الكيف والتلبينة والقراص والماء.
فما الذي وقع لهذا الطائر حتى اختفى، وما هي الأسباب والعوامل التي أدت به إلى العزلة والابتعاد عن الأماكن التي كان يتواجد بها بكثرة؟
لنتفق ابتداء، على أن أسواقا جديدة قد ظهرت في كل المدن المغربية، مؤخرا، لم يكن لها من قبل وجود، وهذه الأسواق يعتبر طائر الحسون أحد أهم سلعها، أي لا طعم للسوق بدون أن يكون صوت الحسون مسموعا في الأرجاء برناته الجميلة التي يحفظ عشاقه مقاطع منها، وبدون أن ترى أقفاصا معلقة هنا وهناك يزقزق في داخلها ملك الطيور المغردة.
لعل أهم سبب لاختفائه هو كثرة الاهتمام به، واتساع رقعة عشاقه ومحبيه، لذا أصبح أهم سلعة رائجة في سوق الطيور، الأمر الذي دفع بالعديد من الشباب إلى صيده والاتجار فيه، خصوصا وأن ثمنه عرف ارتفاعا صاروخيا إذ ارتفع من 10 أو 15 درهما وفي ظرف سنوات معدودات إلى 60 درهما ثم إلى 120 درهم وأحيانا يصل ثمنه إلى 150 درهما كما وقع هذا الموسم.
إن هذه الأثمنة هي أثمنة خاصة بالحسون الوحشي أي الذي تم صيده حديثا، أما الحسون القديم والذي يتجاوز السنتين فثمنه مرتبط بعوامل كثيرة منها جودة تغريده وخلوه من الأخطاء والنوطات الدخيلة التي يكون عادة ما أخذها من طيور أخرى أو آلات مجاورة له. أو تم تحفيظه جيدا لأغاني موزونة وجميلة لحسون نموذجي، فضلا عن أن هجينه (المايسترو) مطلوب ويباع بأثمنة جد مرتفعة خصوصا إن كان تغريده يشبه تغريب والده الحسون، ويكون من صلب أنثى الكناري من نوع “الكرينتي” حتى يأخذ منها القوة في الصوت ومتانته.
كما أن مباريات وطنية أصبحت تعقد لاختيار أفضل حسون، وتحضى مدينة وجدة بسمعة طيبة على المستوى الوطني في هذا المجال،
كل هذه العوامل جعلت من الحسون المطلوب رقم واحد من طرف الصيادين دون مراعاة لا وقت التزاوج والحضانة، ولا الأخذ بعين الاعتبار أنه يشكل ثروة وطنية وجب الحفاظ عليها خوفا عليه من الانقراض، وعندما نتحدث عن الثروة الوطنية معناه أننا نتحدث عن عقليات مسطحة أغواها الطمع والجشع فامتهنت تهريبه إلى الجزائر.
كما أنه من المهم الإشارة، كمقاربة بين طرق صيده، إلى الوسائل التي تم اعتمادها في الثمانينات والتسعينات وبداية الألفينات، وبين الوسائل المعتمدة حاليا. فوسائل الصيد القديمة كانت جد بدائية حيث لم تخرج عن استعمال الحلفاء، وهي وسيلة جد بدائية ولا تساعد الصياد في الحصول على عدد أكبر من طائر الحسون. مما لم يشكل خطرا على الحسون من حيث وجوده وتكاثره، ولكن الأمور قد تطورت بشكل خطير إذ أصبح الصيادون يعتمدون على شباك مزدوجة وواسعة قد تحصد في المرة الأولى مائات الطيور في حالة وجد طائر الحسون بكثرة ووفرة.
ويبقى السؤال الأهم هو ما العمل كي يتم الحفاظ على ما تبقى من هذا الطائر الجميل؟
فللإجابة عن هذا السؤال لابد من تحديد دقيق للهيئات والمؤسسات ذات الصلة والتي تتحمل المسؤولية المباشرة في حماية الثروات الوطنية باتخاذ إجراءات وتسطير قوانين تنظيمية من شأنها أن تحمي هذا الطائر الجميل الذي نرفض رفضا باتا أن ينقرض من بلادنا.
على رأس هذه الهيئات نذكر إدارة المياه والغابات، فهل ساهمت هذه الإدارة في حماية هذا الطائر الجميل؟ أم تراها تعد أحد أطراف الأزمة بتواطئ بعض موظفيها مع الصيادين، أو العمل بمنطق الزبونية والمحسوبية والمتاجرة في المحجوزات كما صرح العديد من الصيادين؟
فما الذي يمنع هذه الإدارة، حين تحجز طيورا قد تم صيدها، أن تستدعي السلطات والإذاعة الجهوية أو الوطنية أو تقوم هي نفسها بتصوير عملية إطلاق صراح الطيور المحجوزة لتقوم بنشر الشريط المصور مما يعطيها مصداقية أكثر أمام الصيادين فيرتدعوا لعلمهم أنهم امام هيئة نزيهة ومسؤولة وذات مصداقية.
ومن الذين يتحملون مسؤولية حماية هذا الطائر، الذي يوشك على الانقراض، الجمعيات التي تعنى به وتقوم بتنظيم مباريات في شأنه، فمن المؤكد أن المجتمع المدني يمثل، على الأقل، قوة اقتراحية ضاغطة، فهل لعبت هذه الجمعيات دورها في هذا المجال؟ أم أنها لا تجمع في صفوفها سوى مجموعة من الصيادين الذين يتاجرون في هذا الطائر ويتدثرون بعباءة القانون؟
إن طائر الحسون يحتاج من جميع الفاعلين والمتدخلين أن يجدوا له حلا عاجلا غير آجل، قبل فوات الأوان، وذلك بسن قوانين يتم تعميمها والتعبئة لها، والقيام بتنظيم عملية صيد وامتلاك هذا الطائر، تماما كما فعلت جارتنا الشمالية وأحسنت تدبير الحفاظ على هذا الطائر الجميل دون حرمان عشاقه من تربيته والحصول على عدد محدد منه يسمح به القانون.