صلاة ماركس
بقلم الأستاذة حسناء شهابي
غرابة العنوان تعود لغرابة الموقف، نظرا لمتاهة الأحزاب السياسية وتراجعها عن مواقفها حتى أصبحت تكرس سياسية المبهم أو الضبابية في اصطفافها وانتمائها إغفالا بهويتها، أيديولوجيتها وحتى شرعيتها التاريخية في النضال.
فالزمن السياسي صار كثيف التطورات والتناقضات لدرجة لم يعد من السهل تلخيصها وتقييمها في مقال واحد.
إذا ما تطرقت حاليا إلى أحزاب اليسار فهذا راجع لما يجتازه يسار اليوم من أزمة أكثر ما أقول أعوص الأزمات التي عاشتها والتي تتمثل في قدراته على الاستمرار كجسم سياسي ثوري. لكن أزمة اليوم تفاقمت في الشكل وحتى الحجم. ولعل جذر هذه الأزمة، يكمن في ازدواجية الخط السياسي والفكري الذي أصبح يتبناه.
هنا أعود إلى طاولة التاريخ عندما تمسك اليسار بوحدة أحزاب “الكتلة الديمقراطية” في التسعينيات والتي تحولت منذ العشر السنوات الماضية إلى خنادق سياسية متناحرة، كادت أن تُخرج السيوف من أغمادها. هي لحظة غير عقلانية، غير مألوفة ومتجاوزة قبيل اللباقة السياسية المفترضة أن تكون سائدة. لكن لا يشبع أهل الأمل من خيبة الأمل حتى تولد عنها استضعاف الجسد السياسي إلى حزب كان سيد الموقف المعارض في حقبة الملك الراحل الحسن الثاني والذي أصبح اليوم يقبل بالكفالة السياسية من حزب إداري يقوده بحمامته علما أنه كان يقود النسر والصقور. في المقابل حزب أخر يقبل التبني من حزب إداري حديث العهد والذي كان عدو الأمس أصبح رفيق اليوم. فتشتت بذلك راية الفكر اليساري.
الواقع، لم تفلح أحزاب اليسار المغربي في الانعطاف بأسئلة الإصلاح نحو تسوياتٍ فكريةٍ ومجتمعية بل خالفت الموعد ولم تعد منسجمة مع إرادة قواعدها الشعبية حسب تحرك شراعها مع تيارات الرضا والنقمة وإيماءات الكواليس. فإذا كانت القناعة لدى الأمريكيين أنّ “السّياسة أمر محلي”، فإنها لدى المغاربة تعمل بقاعدة “السياسة ولاء شخصي ورضا ما خفي كان أعظم”. خصوصا عندما تصبح بعض إطارات اليسار أكثر انتهازية وأكثر رجعية من اليمين الرجعي، ويمارس أعضاء وأفراد هذه الاطارات ممارسات سياسية انتهازية ورجعية أكثر قبحا وأبشع من تلك الممارسة المتواجدة في أقصى اليمين الرجعي، عندها تختلط الأوراق والأمور وتصبح فرقعة المزايدات والتطبيل بالشعارات الفارغة من أي محتوى أو مضمون لا قيمة مضافة فيه للممارسة السياسية اليومية ولا علاقة لها بالديمقراطية التي يتشدق بها خطاباتهم اليومية. علما أن المواطن أصبح أكثر ذكاء وأصبح يتعامل مع النتائج وليس مع الخطابات الفضفاضة التي لن تطعم جائعا، لا الأن ولا في المدى البعيد.
فكرة التحالف مع الأقوى فكرة انتهازية، ولهذا تنقلب مواقف أصحابها بحسب تغير موازين القوى، كما قد يخسر هؤلاء كل شيء عندما يصبحون ورقة غير مربحة في سوق السياسة. وهذا ما عايناه في المشهد السياسي لليسار الذي أصبح حاليا يعبر عن العزلة عن القاعدة الشعبية والفشل في الالتحام بها وهذا ليس إلا مظهرا من مظاهر أزمة الخط كما سبق وأشرت له في البداية. وحتى ولو امتلكوا حاليا خطا صحيحا، فإن عزلتهم قد تطول نسبيا، بمعنى أنهم قد يتقدموا في فك العزلة تقدما بطيئا لأسباب أخرى خارجة عن إرادتهم، وهذا راجع بالأساس لارتباطها بالتطور الموضوعي للصراع الطبقي في بلدنا، وبالتالي بالتطور المستقل للقاعدة الشعبية ولنمو وعيها الجماعي، وحتى استمرار هيمنة الشرعية النضالية والتاريخية التي تحصر صناعة القرار الحزبي في القيادات القديمة وليست القادمة. وهو ما يعمّق أكثر مأزقها الإصلاحي، ويجعلها عاجزةً عن إنجاز مراجعة نظرية وسياسية شاملة لأطرها المرجعية.
“نهاية كل ثوري أن يكون طاغية أو زنديقا “هذا ما قاله ألبير كامو أو ربما العكس نهاية كل ملحد في المسجد “صلاة ماركس” ونهاية مقالي وجود الديمقراطية مجرد قاعة انتظار.
بقلم الأستاذة حسناء شهابي