هل سألتم رئيس جماعة أو أحد نوابه عن مفهوم التنمية المستدامة؟!
يحي طربي.
أكيد أن un test psychotechnique أو عملية إحصائية أو استطلاعا للرأي سيظهرون بأن أكثر من نصف هؤلاء لا يفهمون شيئا في مصطلح التنمية المستدامة، و لا يربطهم بها إلا الخير و الإحسان، أولا لعدم تكوينهم الجامعي في العلوم الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية و القانونية، ثانيا لعدم كافئتهم و قدرتهم على تدبير الشأن المحلي؛ لذلك لا يتقنون سوى سياسة ( كور و أعطي للعور )؛ و إلا ما كانت السياسات و المشاريع التنموية التي نهجها المغرب منذ أزيد من 20 سنة تبوء بالفشل في كل مرة، و بالتالي ما كانت بلادنا لتصنف في المراتب الأخيرة عالميا فيما يخص التنمية البشرية. و لسذاجة أو غباء بعضنا، و لحسن نية البعض الآخر، ننتظر من هؤلاء أن يعطوننا مجتمعا مدنيا، معاصرا، متقدما، متحضرا و ديموقراطيا.
فمثلا عوض التوسع على حساب المناطق الجبلية و الصخرية لبناء أحياء و مدن ذكية، تحترم الإنسان و البيئة و حفاظا على الأراضي الفلاحية و الصالحة للزراعة، لضمان أمننا الغذائي و أمن الأجيال الصاعدة، يقوم بعض المسؤولين على الشأن المحلي، بتواطؤ مع مافيا العقار و المنعشين العقاريين الجشعين، بالإجهاز على المواقع التاريخية ذات القيمة العلمية و الحضارية و الثقافية و السياحية.
لقد دمرت مدرسة مولاي الحسن و إعدادية Pasteur و سينما باريس و Colisée، و معالم أخرى عن آخرها؛ و حذفن من ذاكرة و تاريخ مدينة وجدة إلى الأبد، علما أن وجدة كانت تعتبر من أهم المدن المغربية من حيث المؤسسات التعليمية؛ على الصعيد الوطني. في حين استحسنت ساكنة المدينة تأهيل محطة القطار القديمة التي تعتبر أول محطة قطار بالمغرب، إذ يعود تاريخ بنائها إلى سنة 1910، و التي تحولت اليوم بعد ترميمها و تأهيلها إلى منتزه ترفيهي و مكتبة جهوية، بتعاون مع بلدية Lille الفرنسية التي حولت محطة قطارها القديمة إلى فضاء ترفيهي و ثقافي لكل الأعمار، و كما فعلت بلدية باريس كذلك، التي حولت مصانع André Citroën القديمة إلى منتزه عمومي يمتد على مساحة 13 هكتارا.
لا أحد يجهل دور الطريق في فك العزلة و تسهيل التواصل و المواصلات بين الناس؛ و ازدهار الاقتصاد و التجارة و السياحة، و تحقيق التنمية المحلية … إلا أن بعض منتخبينا الذين أوكلت لهم مهمة تطوير و تنمية الجماعات التي يسيرونها، يقضون مدة فترتهم الانتخابية في خدمة مصالحهم الشخصية و استعمال كل الطرق و الوسائل لاختلاس ميزانية جماعتهم و تفقيرها، و عندما تقترب ولايتهم من الانتهاء، يقومون، خلال الستة أشهر الأخيرة، بمحاولة فك العزلة عن القرى و الدواوير و الأحياء الهامشية المهمشة، بينما الحقيقة أن محاولتهم هاته ما هي إلا دعاية انتخابية مفضوحة و سابقة لأوانها: فعوض إنجاز و بناء طرق و قناطر و أنفاق، قوية و متينة و عريضة، تصارع الزمن و الكوارث الطبيعية، و تتسع لكل العربات، و تسمح بمرور و عبور عشرات المئآت من سيارات المواطنين في الوقت الحاضر و مئآت الآلاف من سيارات أبنائهم و أحفادهم في المستقبل، يقومون بشق طرق و مسالك ضيقة و رديئة، خاصة بالقرى و الجبال؛ تسمح بالكاد بمرور سيارتين صغيرتين تسيران في إتجاهين معاكسين، و بصعوبة كبيرة، تثير سخط و تذمر السائقين؛ طرق هشة و مغشوشة، سرعان ما تنخرها الحفر أو تجرفها السيول؛ و يبقى المواطن محاصرا معزولا في البوادي و المداشر و الدواوير.
لا أحد يجهل كذلك الدور الأساسي الذي يلعبة الماء في حياة الإنسان و الحيوان و النبات – علما أن الحروب القادمة ستكون ” حروب ماء ” كما يحدث مثلا بين مصر و إثيوبيا حول مياه نهر النيل، و بين إسرائيل و فلسطين و سوريا و الأردن حول بحيرة طبرية -، و من تم يتعين على مسؤولينا عن تدبير الشأن المحلي ترشيد استعمال الموارد المائية: فعوض بناء أحواض و بحيرات اصطناعية، كما يفعل رؤساء البلديات في ألمانيا، لتجميع و تخزين مياه الأمطار، لسقي الحقول و المساحات الخضراء و الغابات و الملاعب الرياضية المعشوشبة و توريد الماشية، خلال فترات الجفاف، و تزويد المسابح و الحمامات و المصانع، …، حفاظا على المياه الجوفية و الماء الصالح للشرب، و للتخفيف من حدة و خطورة الفيضانات التي تهدد مدننا، و اقتصادا في الطاقة المستعملة في تشغيل محطات تحلية مياه البحر و تطهير المياه العادمة، تترك هذه الثروة المائية المهداة من السماء تذهب هكذا، هباء منثورا، عبر قنوات الصرف الصحي.
تعتبر الغابة ثروة وطنية و ملكا لكل المغاربة و إرثا للأجيال الصاعدة و ” رئة ” البلاد ” ؛ لأن المجتمع بدون غابة مجتمع ميت. ” كما يقال. حيث أن الغابة تلعب دورا اساسيا في الحفاظ على الطبيعة و البيئة و النظام الإيكولوجي و التنوع البيولوجي، و تعتبر فضاء مثاليا للاستجمام و التنزه و الاصطياف و ممارسة الرياضة. و لكن لسوء حظ غاباتنا أنها تجاور ضيعات بعض المنتخبين، حيث يقوم هؤلاء بإجتثات أشجارها إما لتوسيع أراضيهم و إنجاز مشاريعهم الخاصة، أو لبيع خشبها أو لتشغيل معاملهم و أفرنتهم و مخبزاتهم. فعوض الحفاظ على الغابة و تطويرها و حمايتها، في إطار تحقيق المغرب الأخضر، إلى جانب المغرب الأزرق الذي تعتبر شواطئه و بحاره من بين أجمل شواطئ و بحار العالم، يستغلونها أبشع استغلال.
قد يتقن بعض المنتخبين الرشوة و السرقة ” المستدامة” للمال العام، أما التنمية المستدامة فعليهم أن يتعلموها في المدرسة و أن يتربوا عليها و يمتحنون فيها، قبل أن يسمح لهم بتدبير الشأن المحلي للمواطنين. إن رئيس الجماعة الذي لا يجعل المواطن في صلب برامجه و اهتماماته و مسؤولياته الانتخابية و الذي لا ينفق من ماله الخاص لأجل تنمية جماعته و ساكنتها، كما يفعل الحكام الذين يتوالون على مدينة New York الأمريكية، يجب الشك في وطنيته و في خدمته للصالح العام.
أما أن تبقى التنمية البشرية بين أيدي المنتخبين الجماعيين و أعوان السلطة دون إشراك فعاليات المجتمع المدني، ( يوجد في النهر ما لا يوجد في البحر )، فذلك مجرد دوران في حلقة مغلقة.
إن ما يحز في النفس هو أن الملك يبذل كل ما في جهده كي ينعم المغرب و المغاربة بالرفاهية و اﻻزدهار و المساواة، بينما هؤلاء يعيقون التنمية و يرجعون البلاد إلى الوراء: فبعد أن كانوا سببا في فشل النموذج التنموي السابق، قد يكونوا كذلك سببا في فشل النموذج التنموي الحالي و برنامج التغطية الاجتماعية الذي نوهت به معظم دول العالم.
يحي طربي.