سياسة الملك الراحل الحسن الثاني بتشييد السدود ردا على النظام العسكري البوخروبي : “إنه يغرس الطماطم في الوقت الذي نحفر فيه نحن آبار البترول”
عبدالقادر كتــرة
كان الحسن الثاني حكيما حين قام بإنشاء السدود في وقت اهتم فيه محيطه الإقليمي والدولي بالاستثمار في مجالات أخرى، المغرب اليوم لديه مخزون غذائي كبير ويصدره لإفريقيا وأوروبا ودول العالم.. وقد سُئٍل رحمه الله مرة عن النفط والسدود فكان مختصر جوابه:
“” إنني أعرف أن البعض سيقولون شامتين “انظروا إليه يزرع الطماطم بينما نحن نزرع أنابيب البترول”. لهؤلاء أقول: أتمنى لكم حظًا سعيدًا في اليوم الذي سيكون عليكم فيه أكل شطائر لحم مصنوعة من البترول . وفي احدى خطابات الحسن الثاني رحمه الله قال بأن الحروب القادمة ستكون بسبب المياه…”
صدق الملك الراحل حيث أثبتت هذه السياسة نجاعتها اليوم حين أغلقت كل دولة على نفسها وقلّ الماء فسارعت الدول إلى تخزين المياه عبر السدود الضخمة فيما أخرى تستعد لخوض الحروب لتأمين المياه لشعوبها، مصر والسدودان وإثيوبيا، إسرائيل والعراق والأردن وفلسطين، على سبيل المثال لا الحصر…، وتبحث أخرى عن مشاريع ضخمة بمئات ملايير الدولارات لتحلية ماء البحر.
اليوم جاء الامتحان الذي فيه “يُعزُّ المرء أو يُهان” ونفتخر نحن في المملكة المغربية الشريفة أن وهبنا الله أنهارا تتدفق مياه عذبة وجبالا تختزن ثلوجا تنبع ماء زلالا وحبانا طبيعة خلابة وبحرا ومحيطا على امتداد مئات الكيلومترات وبحيرات طبيعية واصطناعية تزيد جبال الأطلس جمالا وروعة…، واليوم ننعم بالمياه الشروبة حيث لا تنقطع من الحنفيات وننتعش بأخذ “دوشات” كل يوم مرات عديدة في منازلنا كلما راقنا الجو ونستحم في المسابح المتوفرة بالآلاف دون الحديث عن مئات الشواطئ الجميلة الحاصلة على اللواء الأزرق نختمها بجلسات في المقاهي نرتشف فناجين قهوة أو كؤوس شاي مصحوبة بقنينات ماء عزب زلال مجانا…دون الحديث عن مختلف المياه المعدنية ومياه المائدة التي تعج بها الأسواق المغربية بثمن مناسب، ولسنا في حاجة إلى بترول إذ أغرق الأسواق العالمية ولم يعد له سِعرٌ ولا قيمة ولا طلب…في الوقت الذي تبحث دول مجاورة لمقايضة برميل نفط بلتر ماء لكن هيهات ثم هيهات..
باشر المغرب سياسة السدود منذ سنة 1929 بإنشاء سد سيدي سعيد بن معاشو على نهر أم الربيع، وذلك لتزويد ساكنة الدار البيضاء بالمياه الصالحة للشرب وتعززت سياسة تشييد السدود مع وصول الملك الراحل الحسن الثاني إلى الحكم، ببناء سدود كبيرة: المسيرة، يوسف بن تاشفين، منصور الذهبي، واد المخازن، محمد الخامس.
وتمكن المغرب عبر هذه السياسة المائية التي ربطت تنمية البلاد بالماء من مواجهة الاحتياجات المتزايدة لسكانه ولاقتصاده، وأساسا على مستوى قطاعات الفلاحة والصناعة والكهرباء، وبهدف سقي مليون هكتار سنة 2000، حدد المغفور له الحسن الثاني التوجهات على المدى الطويل، مستهدفا التحكم، وتثمين هذه المادة الحيوية والأساسية للتقدم الاقتصادي والاجتماعي للمملكة.
وبتدشين سد الوحدة الكبير سنة 1997، أصبح حلم سقي مليون هكتار حقيقة، وأضحى سقي هذه المساحة المهمة ممكنا، بفضل إنجاز ستة سدود كبرى، وهي مولاي يوسف، والحسن الداخل، والمنصور الذهبي، ويوسف بن تاشفين، وإدريس الأول، وسيدي محمد بن عبد الله.
وحسب الإحصائيات، يوجد في المغرب ما لا يقل عن 149 سدا. وتغطي هذه السدود كامل البلاد تقريبا، من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب، من بينها سد المسيرة (2760 م3)، سد بين الويدان (1384 م3)، سد إدريس الأول (1186 م3)، سد سيدي محمد بن عبد الله (486 م3)، سد محمد الخامس (410 م3).
ومنذ ثمانينات القرن الماضي، تقرر بناء سد واحد على الأقل كل عام. وهكذا، بين عامي 1981 و1987 فقط، تم تشغيل 43 سدا بمناطق الحسيمة، وأكادير، ومراكش، وإفران، وخنيفرة، وبوعرفة.
وفي كتاب “ذاكرة ملك”، يتحدث الحسن الثاني حين سئل عن “سلاح الجزائر والبترول”، قائلا: “في الوقت الذي كانوا (الجزائريين) يستغلون فيه البترول، كنت أنا أشيد السدود، وأعرف أن المسؤولين الجزائريين كانوا يتهامسون عني آنذاك بسخرية ويقولون: (إنه يغرس الطماطم في الوقت الذي نحفر فيه نحن آبار البترول)”.
اليوم تعيش الجزائر أزمة ماء غير مسبوقة منذ حوالي الشهر تقريبا، ما خلف حالة غضب واستنكار شديدة لدى السكان من التذبذبات “العشوائية” الحاصلة في برنامج توزيع الماء الشروب نتيجة الانقطاع الدوري، مما دفع بهم للقيام برحلات قصد جلب دلاء المياه من مصادر أخرى، تضاف إلى كيلومترات من الطوابير التي عانى منها المواطنون الجزائريون للبحث عن نصف لتر من الحليب أو كيلوغرام من السميد أو لتر من الزيت دون الحديث عن البطاطا وغيرها من المواد الأساسية للحياة اليومية.
وبسبب هذه الأزمة التي فاجأت الجزائريين، خاصة وأنها تزامنت ودخول فصل الصيف، أين يكثر استخدام هذه المادة الحيوية، اتجه معظم المواطنين إلى اقتناء حاويات تخزين المياه البلاستيكية. وعبوات من مختلف الأحجام تحسبا لأي طارئ.
لكن ما لم يخطر على بال بشر، هو إقدام أحد المواطنين على بيع المياه غير المعدنية حيث أظهرت صورة متداولة على مواقع التواصل الاجتماعي، صهاريج مياه، علق عليها لافتة تحوي أسعار المياه لمن يريد اقتناءها.
وتم احتساب 5 لترات من المياه غير المعدنية بـ 25 دينار، 10 لتر بـ 50 دج، 20 لتر بـ 100 دج. 40 لتر بـ 200 دج. وتعتبر هذه الممارسات دخيلة وفريدة من نوعها، فرضتها أزمة المياه، في انتظار إيجاد حلول يتنفس بها الجزائريون الصعد
ودفع العطش وندرة المياه الجزائريين إلى الخروج في مظاهرات تطالب بإيجاد حل لهذه الأزمة المستفحلة في ظل تراجع معدلات تساقط الأمطار السنوية والاستنزاف المتزايد للمياه الجوفية…
وانتعشت تجارة بيع الصهاريج والبراميل البلاستيكية بشكل غير مسبوق، بسبب أزمة المياه التي تعاني منها عديد المناطق والأحياء في المدن الكبرى وحتى القرى والمداشر والمناطق المعزولة، الأمر الذي جعل المواطنين يبحثون عن سُبل لتخزين أكبر قدر ممكن من المياه في بيوتهم حتى ولو كلفهم الأمر شراء الصهاريج الكبيرة التي تصل سعتها إلى 2000 و3000 لتر ونصبها فوق العمارات وشرفات المنازل، من دون خوف أو تفكير في العواقب الوخيمة التي قد تسببها هذه البراميل وبالأخص الصهاريج الكبيرة مثل تصدع وانهيار الجدران والأسطح، خاصة إذا كان الأمر لا يقتصر على صهريج أو اثنين، ويشمل عديد سكان العمارة.
وقد ارتفعت أسعار البراميل البلاستيكية والصهاريج خلال الأيام الأخيرة بنسبة 50 من المئة، حيث تراوحت أسعار البراميل بين 1000 دينار إلى غاية 3000 دينار ( 100 إلى 300 درهم)، إذ أن البرميل ذو سعة 50 لترا يبلغ 1000 دينار، في حين وصل سعر برميل ذي سعة 100 لتر 1700 دينار (170 درهم)، أمّا برميل بسعة 150 لتر فقد بلغ 2200 دينار(220 درهم)، ووصل سعر البرميل سعة 200 لتر إلى 3000 دينار، هذا بالنسبة للبراميل، أما أسعار الصهاريج فهي باهظة جدا مقارنة بالبراميل إذ تراوحت بين 17 ألف و40 ألف دينار، حيث يبلغ سعر صهريج ذو سعة 1000 لتر17000دج (1700 درهم)، أما صهريج سعة 1500 لتر فسعره يبلغ 22 ألف دينار، كما يبلغ سعر الصهريج الذي يحمل سعة 2000 لتر 32 ألف دينار، أما صهريج سعة 3000 لتر فسعره يتراوح بين 40 ألف إلى 45 ألف دينار (4000 إلى 4500 درهم)، ويعتبر من أكثر الصهاريج طلبا من قبل المواطنين، حيث يتم وضعه فوق أسطح العمارات بشكل كبير..
واستغل بعض السباكين أزمة المياه لصالحهم ورفعوا في أسعار تركيب الصهاريج، فبعد أن كانت في السابق تُركب بمبالغ لا تتجاوز 3000 دينار للصهريج الواحد(300 درهم)، ها هي اليوم تصل سقف 8000 دينار(800 درهم)، وأحيانا تكون بـ5000 (500 درهم) إذا كانت الصهاريج تركب في المنازل وليس فوق أسطح العمارات حيث يدعي السباكون أنّ الأمر خطرا على حياتهم والزيادات في الأسعار ضرورية.
من جهة أخرى، قررت السلطات الجزائري توقيف نشاط غسل المركبات على مستوى كافة المحطات الواقعة بإقليم ولاية الجزائر. ويدخل هذا الإجراء الاستثنائي والمؤقت حيز التنفيذ ابتداء من يوم السبت 26 يونيو.
من جهة ثانية، حصر الخبراء أسباب عودة أزمة المياه إلى الجزائر العاصمة، بعد 20 سنة من ضبط توزيع الماء بشكل يومي، إلى مشكلة سوء التسيير وتجميد مشاريع القطاع منذ 7 سنوات بسبب “التقشّف” نتيجة انخفاض أسعار النفط وأيضا توحل السدود التي تحتاج إلى صيانة دورية وعدم استغلال المياه الجوفية بالصحراء الجزائرية لحد الساعة، ناهيك عن توقيت رحيل الشركة الفرنسية “سيال”، خلال موسم الصيف، وهي فترة الذروة لاستهلاك هذا المورد الحيوي، الذي يتزايد عليه الطلب.
ويؤكد المهندس والخبير في مجال الموارد المائية على مستوى المنتدى الاقتصادي الجزائري، حسان كريم، لجريدة جزائرية، أن أزمة المياه اليوم في العاصمة متعددة الأبعاد، تقف وراءها 7 أسباب رئيسية، منها سوء التسيير وتوحّل السدود وتضاؤل كميات تساقط الأمطار خلال الفترة الأخيرة، وتبذير الماء، وعدم الشروع رسميا في استغلال المياه الجوفية بالصحراء الجزائرية التي تنام على ثروة 5 آلاف مليار متر مكعب من المياه، وأيضا عدم تجسيد مشاريع جديدة لمحطات تحلية المياه.
وانتقد الخبير نفسه عدم تشييد السدود في المناطق الرطبة، وإغفال السبل والطرق العلمية والتكنولوجية للحفاظ على الماء وانعدام الصيانة الدورية للسدود، وتجميد مشاريع الموارد المائية منذ 7 سنوات بسبب التقشف، وضرب هنا مثالا بمشاريع تحلية المياه التي توقفت منذ 20 سنة، حيث تم تجسيد 3 محطات لتحلية مياه البحر، لكن رغم نجاح هذه الأخيرة لم يتم توسيعها ولم تكن هنالك متابعة، خاصة وأن هذا الملف يفرض استغلال الطاقة الشمسية والطاقة المتجددة وتحقيق نهضة فعلية في مجال التكنولوجيات الحديثة.
لكن لا بدّ للإشارة أن النظام العسكري الجزائري وضع نصب عينيه مشاريع أخرى نابعة من عدائه وحقده تجاه جاره الشرقي المملكة المغربية الشريفة والعمل على إيذائها ومناوئة وحدتها الترابية ومحاولة فرملة تقدمها وتطورها، ولم يؤل جهدا في تحويل ميزانية الشعب الجزائري بأكثر من 1000 مليار دولار من عائدات البترول والغاز إلى افتعال أزمة وهمية واختلاق عدو وهمي وتدعيم شرذمة من المرتزقة الانفصاليين بالمال والعتاد والسلاح وشراء الذمم وتوظيف لوبيات دولية…بدل تنمية الجزائر وتطويرها وترقية شعبها وضمان له القوت اليومي الكريم والشريف….واليوم يحصد النظام العسكري الجزائري ما زرعه منذ الاستقلال، ويؤدي ثمنه المواطن الجزائري جوعا وعطشا وفقرا وبطالة ولا شك أن هذا النظام يفكر في تعويض الماء الشروب بالبترول “الشر وب” وتقديمه للمواطن الجزائري المغلوب على أمره وسقي ما تبقى من الأراضي الفلاحية.