الــمـنـعــطــف الاستــراتيجــي للدبلوماســية المغــربيـــة
الدكتور يحي خالفي
بتاريخ: 05 يوليوز 2021
أملت الظروف الإقليمية والعالمية إعادة النظر في هندسة الدبلوماسية المغربية القائمة على الإيمان بمبادئ الوحدة والاتحاد وخاصة في المنطقة المغاربية، والانفتاح على العالمين الأوربي والأفريقي، وربط علاقات جديدة وشمولية متميزة مع القوى العظمى في القارتين الأمريكية والآسيوية، عقب تعنت النظام العسكري الجزائري، القائمة استراتيجيته المركزية على تشجيع الانفصال في جميع مناطق العالم تقريبا، وإنهاك واستنزاف قدرات البلد الجار التنموية والمصيرية، وإغلاق حدوده الشرقية خوفا من اجتياح اقتصادي وبشري غير مسبوق لمنتوجات المغرب الفلاحية والصناعية المتنوعة ومهارات وخبرات ساكنته المتمزة.
البعد الاستراتيجي للدبلوماسية المغربية عبر خطة التقارب مع الو.م.أ
فرمل الاتفاق الاستراتيجي مع الولايات المتحدة الأمريكية، عهد إدارة الرئيس دونالد ترامب، القاضي بالاعتراف بمغربية الصحراء، وربطه بقرار إعادة العلاقات المغربية الإسرائيلية، أحلام وآمال النظام العسكري الجزائري في الانتقام من المغرب عسكريا بعد هزيمته في حرب الرمال سنة 1963، وحرب الصحراء خلال السبعينيات من القرن الماضي، ومحاصرته سياسيا واقتصاديا ومجاليا، بغرس كيان جديد على حدوده الجنوبية، (كما غَرست الدول الإمبريالية إسرائيل وسط الأمة العربية الإسلامية سنة 1948، بعد إصدار وعد بلفور سنة 1917)، أو على الأقل استمالة السلطة العسكرية بموريتانيا للقيام بهذا الدور غير الأخلاقي، وغير المساعد في تحقيق التنمية المنشودة، أو التهديد بالنزعة الانفصالية بشمالها، ومن ثم تعطلت المناورات الدبلوماسية والاستراتيجية للعديد من الدول المستفيدة من حالة اللاحرب واللاسلم بالمنطقة المغاربية، وخاصة إسبانيا وفرنسا.
ويستغرب المرء عندما يُلام المغرب على انعطافه الاستراتيجي الصادم، دون أن يستقرئ تاريخ الصدمة العظمى، حينما يتفحص عدد المرات التي مد فيها هذا البلد يده للحوار والتصالح والتفاهم على كل شيء دون شروط مع النظام الجار “العدو المتعصب”، سواء عهد الملك الحسن الثاني أو عهد الملك محمد السادس لمدة تفوق 45 سنة.
ألا يعتقد النظام العسكري الجزائري أنه دفع المغرب دفعا إلى هذا المنعطف الديبلوماسي والعسكري والتنموي الجديد؟ ألم تتحالف بعض الدول العربية في المشرق مع إسرائيل لردع الخطر الإيراني الشيعي؟ ليس هناك اختلاف كبير بين الحالتين، وخاصة أن ذلك البلد التيوقراطي “إيران” يساند الجزائر وأداتها العسكرية غير الشرعية بالمال والسلاح والخبرات لمعاكسة مصالح المغرب.
إنه منعطف تاريخي غَيَّرَ مجموع استراتيجيات جيران المغرب، فأزعج إسبانيا التي تعتبر المغرب بمثابة “عدو كامن”، وبدَّل بعض مواقف موريتانيا، ودفع الجزائر “التي تعتبر المغرب عدوا كلاسيكيا”، إلى تنظيم مناورات عسكرية استباقية على الحدود المغربية، في منطقة الصحراء الشرقية المغتصبة، (المغربية تاريخيا) من بشار إلى تندوف، للدلالة على تبعية المنطقة لسيادتها، والتهديد بخطورة الخوض في هذا الملف العالق، بعد قرب انتهاء لعبة “الحصى العالق”(1) التي دامت طويلا.
نظمت القوات العسكرية الجزائرية مناورات، بالذخيرة الحية، مباشرة بعد قرار الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء يوم 10 دجنبر2020، وهو تاريخ له دلالات أخرى قانونية وحقوقية نظرا لتزامنه مع ذكرى اليوم العالمي لحقوق الإنسان.
لذا يعتقد الكثير من المحللين السياسيين أن ملف الصحراء قد حسم نهائيا لمصلحة المغرب، كما حدث بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى مباشرة، حينما تحكمت الو.م.أ في مرجعيات مؤتمر السلام (1919ـ1920)، باعتماد مبادئ ولسن 14، فأنشأت كيانات جديدة وأرجعت إقليمي الألزاس واللورين لفرنسا.
وتزامنا مع هذه التحولات السياسية والدبلوماسية المتسارعة، تكثفت المزايدات وإعلانات التهديد والوعيد من الطرفين المغربي والجزائري، ولو بطرق غير مباشرة أو غير رسمية وغير مؤكدة ومحتشمة، تتمثل في تنظيم المناورات العسكرية والتسابق نحو التسلح، والاستقواء بالبلدان العظمى، والإبهار باقتناء أفضل التقنيات والآليات الحربية، والتباهي بالتفوق الاستراتيجي بالأسلحة الأمريكية أوالروسية الأكثر حداثة ورعبا.
وتراهن الجزائر على إضعاف قوة ونفوذ المغرب، حتى إن استمر النزاع حول الصحراء المغربية مئات السنين، كأنها تتبنى خطة الصين الشعبية مع دولة التايوان (أو الصين الوطنية) المحاصرة سياسيا ودبلوماسيا واقتصاديا من جميع الدول باستثناء الو.م.أ.، متناسية أنها ترهق وتعطل تنمية ساكنتها.
لكن توازن الرعب المغاربي الجديد يظل لعبة ومادة إعلامية للاستهلاك الداخلي فقط، أما الحقيقة على الميدان فقد فرضت من قبل الأمريكان ويمكن أن تتبعها اعترافات بعض القوى العظمى المؤثرة مثل فرنسا والمملكة المتحدة، لكنه من الصعب أن تنساق روسيا الاتحادية والصين الشعبية مع التيار الغالب، والأسهل، والأكثر واقعية، وخاصة أن روسيا تعد السند الأساسي للجزائر دبلوماسيا وعسكريا، في حين تظل تبعية المغرب وتونس للمستعمر الفرنسي السابق، عكس باقي بلدان أفريقيا ماوراء الصحراء التي تاثرت بالتدخلات الاقتصادية والمالية الصينية في السنوات الأخيرة.
يبدو أن الدول العظمى المهتمة بالموضوع قد تفاجأت بهذه الخطوة الجريئة للدبلوماسية المغربية التي غيرت موازين القوى في غرب حوض البحر الأبيض المتوسط، لكونها آمنت بفكرة استحالة اعتراف أي عضو دائم في مجلس الأمن بمغربية الصحراء، ـــ بالرغم من انتشار أخبار أولية على شكل بالونات اختبار، بأن الو.م.أ تفاوض المغرب بالاعتراف بمغربية الصحراء مقابل إعادة ربط المغرب لعلاقاته الدبلوماسية مع إسرائيل عهد الرئيس دونالد ترومب، فيما عرف باتفاقية أبراهام ــ ففقدت كل من فرنسا وإسبانيا والجزائر بعض أوراق الضغط على المغرب، بالطرق الدبلوماسية أو بالتهديد والوعيد، كما تخلت دول أخرى نهائيا أو جزئيا عن الأطروحة الجزائرية مثل الحكومة الفنزويلة والنيجيرية والجنوب أفريقية، وأعادت موريتانيا توزيع أوراقها الدبلوماسية والعسكرية بشكل أكثر توازنا من السابق.
كما ساهم هذا التحول في استنفار المخابرات العسكرية الجزائرية التي اقتنعت بتغير ميزان القوى لصالح المغرب (مع تواجد المخابرات الإسرائيلية والأمريكية)، فسارعت إلى استشارة حليفها الاستراتيجي، الذي تُقوبل بانتقال قوات عسكرية مغربية إلى أكرانيا لإثارة انتباه روسيا، وأحست بقرب انتقال السلطات المغربية إلى المطالبة باسترجاع الصحراء الشرقية المغتصبة، خاصة أن أرشيف المنطقة بدأ يتسرب تدريجيا من المكاتب العسكرية والاستخباراتية للحكومتين الأمريكية وكذا الفرنسية الاستعمارية (من الأرشيف العسكري بمدينة نانت)، مما يسهل تنازل نظام العسكر عن مبدإ تقرير المصير.
إن انتقال الدبلوماسية المغربية إلى الهجوم على جميع أعداء الوحدة الترابية بطرق مختلفة، سياسية ودبلوماسية وقانونية واقتصادية واجتماعية وديموغرافية بمساندة ضعيفة للدبلوماسية البرلمانية والرياضية والحقوقية والمجتمعية والإلكترونية، قد أزعج الكثير من العواصم بما في ذلك الحليف الفرنسي الاستراتيجي.
انزعاج فرنسا من انتقال الثقل العسكري الأمريكي إلى المغرب
لعبت فرنسا لعهد طويل استراتيجية استنزاف البلدين الجارين المغرب والجزائر، دبلوماسيا واقتصاديا وماليا وعسكريا ومخابراتيا، وادعت أنها الحليف الأول للجزائر تارة وللمغرب مرات أخرى، عبر شروط وابتزازات متكررة، فقد وجدت نفسها فجأة في ورطة، بوصول القوات العسكرية الأمريكية إلى الصحراء المغربية بتقنياتها المتطورة ــ على الأقل في إطار مناورات الأسد الأفريقي ـــ والمطالبة بموطئ قدم، للمشاركة في القضاء على المنظمات الإرهابية وخاصة أتباع “القاعدة” و”داعش” الذين استوطنوا منطقة الساحل، وزرعوا الفتنة وانعدام الأمن بها، بمؤهلات مالية وعسكرية واستخباراتية لا يمكن أن تكون إلا بمساعدة ودعم دولة شمال أفريقية مارقة، وكذلك بفضل إعادة العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، وما يمثله من درع استخباراتي إضافي لإسقاط محاولات التهديد والوعيد، ومحاولات الاحتفاظ بالأمر الواقع في الصحراء المغربية من قبل الجارين الجزائري والإسباني على الأقل.
سمح هذا التحول الاستراتيجي، رغم عيوبه وضعفه قانونيا وأمميا ومشاكله المستحدثة، في إضعاف الخطط الإسبانية للمحافظة على سبتة ومليلية والجزر الجعفرية المحاصرة، بحكم سقوط الاتفاقات السرية بين الطرفين في مقاربة الصحراء مقابل عدم تفجير مشكل المدينتين المحتلتين ديموغرافيا واقتصاديا وسياسيا، فأضحى الضغط المغربي قويا عليها للاعتراف رسميا بمغربية الصحراء باعتبارها المستعمر السابق والحاضن الثاني للانفصاليين وجمعياته الحقوقية، مما يفسر تأجيل اجتماعات القمة السنوية العادية بين الدولتين إلى تاريخ غير مسمى، وتفجير أزمة ابن بطوش بقوة.
أزمة ابن بطوش: من حالة إنسانية إلى أزمة دولية
راهن النظام العسكري في الجزائر وما يزال على ورقة الانفصال والتجزيء لدولة المغرب، لذا يتشبت بدعم ذراعه المسلح المارق بكل قوة، وفي هذا السياق بادر إلى توريط إسبانيا والاتحاد الأوربي في أزمة دولية جديدة عن قصد أو دون قصد، باعتماد ورقة التآمر مع حكومة سانشير الاشتراكية بإرسال محمد بن بطوش للاستشفاء بإسبانيا.
انكشف المخطط السري ــ أو كشف لغاية في نفس يعقوب ــ من قبل السلطات العسكرية الجزائرية أو السلطات الاستخبارية الفرنسية أو الإسبانية أو المغربية أو الأمريكية، والأهم هو انفجار الأزمة في وجه السلطات الإسبانية ودفاعها المستميت عن حقها في استقبال من تريد بطريقة شرعية أو بجواز سفر جزائري دبلوماسي مزور تحت إسم محمد بن بطوش بدل إبراهيم غالي.
مارست الدولة المغربية ضغوطا دبلوماسية متنوعة على الحكومة الإسبانية منها استدعاء السفير الإسباني لوزارة الخارجية، ثم استدعاء سفيرة الرباط في مدريد للتشاور، ونتج عن هذه الأزمة تداعيات خطيرة أبرزها أزمة المهاجرين السريين بحيث زحف حوالي 10000 مواطن معظمهم من المغاربة على سبتة، فاستغلت إسبانيا هذه الورقة لأوربة الأزمة.
وفعلا صوت أغلبية النواب الأوربيين لصالح الملتمس الإسباني المعادي للمغرب بسبب لجوء عدد هائل من الأطفال إلى ذلك الجيب المحتل، لكن المغرب تشبت بوجود أزمة مع إسبانيا وليس مع الاتحاد الأوربي. كما حاولت إسبانيا الاستنجاد بالو.م.ا التي لم يبد رئيسها بايدن أي حماس للخوض في أزمة بين حليفين في قمة الناتو ببلجيكا، وكذا بسبب الخوف من فقدان بعض مصالح بلاده مع أحد الحليفين الأطلسيين.
وكرد فعل على محاولة تدويل القضية ألغى المغرب اعتماد الموانئ الإسبانية في “عملية مرحبا”، مما تسبب في خسائر مالية فادحة لمنطقة الأندلس التي تحركت حكومتها لاستعادة مكاسبها مع المغرب بالضغط على السلطة المركزية في مدريد.
إن تشبت إسبانيا بمبدإ تقرير مصير الشعب الصحراوي، واستضافة الانفصاليين على أراضيها، والسماح لهم بتنظيم المظاهرات بمعية بعض الجمعيات اليسارية واليمينة الإسبانية، زاد من توتر الوضع بين البلدين، من خلال اعتماد ورقة الرغبة في استمرار حالة اللاحرب واللاسلم في الصحراء المغربية، وتعمد تغييب أي مساهمة لتنمية جاره الجنوبي الذي يعد من الدعامات الرئيسة لتقدمه أو تأخره كذلك، وعدم الاكتراث بمطالب الاعتراف بمغربية الصحراء واسترجاع مدينتي سبتة ومليلية والجزر الجعفرية.
أرغم هذا الوضع السياسي غير المريح المغرب لامحالة على الانقلاب عن التبعية للمنظومتين الاستعماريتين الفرنسية والإسبانية، والتخلي عن التجمع الإقليمي المغاربي، وتبني الخيار الأمريكي البرغماتي، رغم مخاطره وعيوبه الكثيرة، وأخطرها الإلغاء النهائي لمشروع المغرب الكبير بتواجد العلم الإسرائيلي، ولربما يسير هذا التوجه تدريجيا نحو اعتماد منظومات الو.م.أ الأنجلوفونية في المجالات التعليمية والصحية والسياسية والقانونية مستقبلا، (ألم تتحول دولة رواندا في أفريقيا الوسطى من النموذج الفرنكفوني إلى النموذج الأنجلوفوني في ظرف 10 سنوات، حققت خلالها أكبر قفزة تنموية في القارة بعد حرب أهلية دموية بين قبيلتي الهوتو والتوتسي؟)، ويصير المغرب معزولا عن انتمائه المغاربي، ومضطرا إلى إيجاد تحالفات أخرى بالغرب الأفريقي عبر الصداقة والتضامن الاقتصادي والاجتماعي والعسكري مع موريتانيا(2) والاتحاد الأوربي كما حدث لإسرائيل في المشرق العربي. إنها لمفارقة عجيبة أن تصبح دولة عربية أمازيغية مضطرة إلى هذا التحول الاستراتيجي بسبب النزعة الانتقامية والفكر المتحجر للنظام العسكري الجزائري غير الشرعي.
دور المقاربة المنجمية في التحول الدبلوماسي المغربي
ومن حسن أو سوء الصدف أن أضحى المغرب قوة منجمية عالمية بفضل تحكمه في المستقبل الغذائي لساكنة الكرة الأرضية، عبر امتلاك 75% من احتياطي الفوسفاط العالمي، وبفضل اكتشاف جبل التروبيك الغني بمعادن الكوبالت والتليريوم وغيرها من المناجم الضرورية لصناعة السيارات الكهربائية والأجهزة الإلكترونية والألواح الشمسية للسنوات أو بالأحرى للعقود القادمة في العالم من قبل بعثات علمية بريطانية قبالة السواحل المغربية الصحراوية، ضمن الحدود البحرية الاقتصادية، بعد شرعنة حدوده البحرية، والذي ألهب الصراع بين القوى العظمى منذ اكتشافه، وأضحى مصدر أطماع القوى العظمى مثل ألمانيا والو.م.أ وإسبانيا وفرنسا والمملكة المتحدة وروسيا والصين الشعبية.
إلى أي حد تستمر لعبة إعادة رسم حدود بلدان الجنوب لمصالح الدول العظمى؟
ونتساءل عن عوامل انتهاء معظم المشاكل الحدودية والترابية في الشمال المتقدم، واستمرارها في الجنوب النامي، وخاصة بالدول العربية؟ ولا يجوز في هذه المحطة إخفاء دور القوى العظمى في خلق مثل هذه الاضطرابات والفتن، ونتذكر جيدا ما حدث لمجموع زعماء ودول الرفض والتصدي العربية من كوارث مأساوية (العراق وسوريا واليمن وليبيا والجزائر).
أليست جميعها من مخلفات السياسات الإمبريالية؟ أم وسيلة لاستمرار تخلف الجنوب؟ أم لتواصل عملية استنزاف سكان وثروات وأموال الجنوب ببيع الأسلحة المتطورة وبيع الخبرات العسكرية والاستخباراتية (عبر الأقمار الاصطناعية) والدبلوماسية والمواقف في هيأة الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية؟ أليس كل شيء بيع وشراء في العلاقات الدولية التي تتميز بمبدإ “لا وجود لصداقات دائمة أو عداوات دائمة، وإنما مصالح دائمة”؟.
لقد بلغت الأمم المتحدة مرحلة الإرهاق الدبلوماسي بسبب ثقل المشاكل السياسية العالقة ومنها قضية الصحراء المغربية، وتعيين ممثل جديد لها في الصحراء رهين بتوافقات جديدة وتنازلات من الجهتين المغربية والجزائرية، للتمكن من الخروج من عنق الزجاجة، أما المراهنة على انضمام باقي أعضاء مجلس الأمن لهذا الطرف أو ذاك، فيظل من التكهنات الأكثر استبعادا حاليا.
إن المغرب أضحى جزءا من الحل باقتراحه مبادرة الحكم الذاتي سنة 2007 بموافقة مجلس الأمن عبر قراراته المختلفة والسنوية والنصف سنوية سابقا، وتحكمه في أوراق تزعج أوربا كاملة ـــ وخاصة ورقة الهجرة والتجارة في البشر والإرهاب والمخدرات والسبق الاستخباراتي ـــ في حين تتشبث الجزائر بمبدإ تقرير مصير 20% من الشعب الصحراوي المحاصر بمخيمات تندوف. والحل الأمثل لمواجهة الخصوم هو اعتماد الهجوم الدبلوماسي، من خلال المطالبة باسترجاع مدينتي سبتة ومليلية والجزر الجعفرية، والمطالبة باسترجاع الصحراء الشرقية، وإعادة النظر في استغلال الثروات الوطنية من قبل الأجانب المناوئين لهذا النهج القومي، مثل معاهدة الصيد البحري المغربية ـ الأوربية التي يستفيد منها الإسبان، المحرضين لمرور ومنافسة السلع المغربية، بالدرجة الأولى.
فقد تبين للدبلوماسية المغربية فشلها في أساليب التهدئة وتقبل الصدمات والمناورات دون الرد عليها، كما اتضح لها مدى نجاعة فتح عدة ملفات في الآن نفسه دون أضرار، وبالعكس ساهمت هذه الخطة في مراجعة العديد من الدول لسياساتها مع المغرب باستثناء الدولة الفاشلة المجاورة، الحاملة لشعار زعامة المغرب الكبير وأفريقيا، إلا أنها زعامة من ورق فقط.
فإلى أي مدى ستستمر لعبة اللاتوافق ياترى بين الجارين المغاربيين المغرب والجزائر؟ وهل هي لعبة مقصودة؟ لإلهاء الشعوب وتجنيدها لمصلحة هذا النظام أو ذاك؟ أم يضطر كل جيران الدولة الجزائرية العسكرية المارقة إلى التحالف مع “الشيطان” للتخلص من مؤامراتها؟ وكل من يقول العكس، فلِيشاهد وينصت إلى خطابات معظم رؤساء هذه الدولة منذ تأسيسها إلى اليوم، فقد يصاب بالصدمة فعلا، من التمعن في نهج خطاب المراهقة الدبلوماسية، والتشبت باسلوب القوة الإقليمية أو فكرة الدولة ـ القارة، للتعبير عن الاستعلاء والتفوق، وشدة الحقد على الجيران جميعا، وخاصة النظام الملكي المنافس بالمغرب.
الدكتور يـــحــي خــــالـــــفــــــي
================
الإحــالات:
1ـ يحي خالفي، مقال “الحصى العالق”، ورد في جريدة “وجدة سيتي” الإلكترونية بتاريخ 10/12/2020.
2ـ يحي خالفي، مقال “موريتانيا، العتبة المستعصية على الدبلوماسية المغربية” بتاريخ 02/07/2015.